القوات المسلحة درع الوطن


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، ﵟ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ ١٠٢ﵞ ﵝآل عِمۡرَان : ﵒﵐﵑﵜ ﵟيَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوۡلٗا سَدِيدٗا ٧٠ يُصۡلِحۡ لَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ وَيَغۡفِرۡ لَكُمۡ ذُنُوبَكُمۡۗ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ فَقَدۡ فَازَ فَوۡزًا عَظِيمًا ٧١ﵞ ﵝالأَحۡزَاب : ﵐﵗ - ﵑﵗﵜ أما بعد؛

 فإن أصدق الحديث كلام الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار،

 أيها المسلمون، الأمن والاستقرار ضرورة لا يختلف فيها أحد من البشر، وحاجة لا تحتاج إلى دليل ولا نظر، فالدول لا تقوم إلا بالأمن والاستقرار، والحياة لا تهنأ إلا إذا استتب الحال، وإن أمة لا تسعى لتوفر أمنها ولا تجتهد لثبات استقرارها لحرية أن تكون مرتعا للفتن، وموئلا للبلايا والمحن، ولا يخفى أيها الناس ما تمر به أمتنا من فتن وأهوال وحروب وبلايا، تهدّ الجبال فتن قد أحاطت من كل جانب ونعم تكدرت على الأقارب والأجانب، أحوال محيرة وأحداث متسارعة وثورات مشتعلة، وفتن متلاطمة وحروب متفاقمة، وأطماع متجددة ودماء مهدرة وأهواء مستحكمة وأفكار متطرفة ومذاهب مضللة وجماعات متحزبة، وأعداء قطع الحسد قلوبهم، وبدت البغضاء من أفواههم، وكشروا عن أنيابهم، ودعاة فتن أشعلوا النار في البلدان وأحيوا مذاهب الخوارج التي مضت في الأزمان، ناهيك عن الذين يركبون الموجات وينعقون بالشبهات وينشرون البدع ضلالات، ويحرفون الرواسخ الثابتات، ويشككون في المسلمات، وقد أخبرنا رسولنا صلى الله عليه وسلم أن بين يدي الساعة سنوات خداعات تسري فيها الشائعات، وتصدق فيها الكذبات الواضحات، وتنقلب فيها الموازين البينات.

 أيها الناس، ألا وإن من الحزم وضبط الأمور السعي في قطع دابر الشرور وردم الفساد والفتن في أول الأمور، وهذا من أعظم الجهاد وأوجب واجبات الدين على العباد، فهذا الصديق الأكبر رضي الله عنه وأرضاه لما حلت الفتنة بموت النبي صلى الله عليه وسلم ومنع قوم الزكاة مع إقرارهم بالشهادة حزم الأمر فقال قولته المشهورة: «والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه» ([1])، فالسكوت عن الفتن أيها المسلمون، السكوت عن الفتن اليسيرة فتح لباب الفتن الكبيرة فربما انفتح ما لا يطاق فإن كبار الأمور تبدو صغارا، قال الإمام الماوردي رحمه الله في سياسة الملك: « وَإِذا أحكم الْملك قَوَاعِد ملكه بِاسْتِعْمَال الحزم وَبسط الْعدْل وَلم يغْفل عَن الحزم فِي صَغِير وَلَا كَبِير وَلم يترخص فِي الْجور من قَلِيل وَلَا كثير أحاطت السَّلامَة بِملكه وحفت السَّعَادَة بدولته، فأمن غوائل الْفساد وَسلم من ظُهُور الْفساد وَكَانَ النَّاس مَعَه من بَين حَامِد لعدله وإحسانه وحذر من بأسه وسلطانه، فشكره الأخيار واتقاه الأشرار وَلم يتَطَرَّق إِلَى ملكه خلل وَلَا على نَفسه وَجل» ([2]) .

 أيها المسلمون، وإن مما يقوي هذا الجانب، ويعظم الهيبة للدول في قلوب الأقارب والأجانب تقوية جانب العساكر وازدياد حراس البلد والمعابر، فالدول هيبتها بعسكرها وقوتها بعد توفيق الله برجال أمنها، وضعف ذلك يطمع الأعداء فيها ويجرئ أهل الفتن في داخلها، ولكم في التاريخ عبر وفي زوال الدول معتبر، وتأملوا كيف سقطت عاصمة دولة بني العباس بغداد، وكيف كان حال جندها لما غزاها التتار وجعلوها لوعة من البلاء في التاريخ مستطر، قال الإمام ابن كثير رحمه الله عن ذلك: «وجنود بغداد في غاية القلة ونهاية الذلة، لا يبلغون عشرة آلاف فارس، وهم في غاية الضعف، وبقية الجيش كلهم قد صرفوا عن إقطاعاتهم حتى استعطى كثير منهم في الأسواق وأبواب المساجد، وأنشد فيهم الشعراء القصائد يرثون لهم، ويحزنون على الإسلام وأهله، وذلك كله عن آراء الوزير ابن العلقمي الرافضي» ([3])، والتاريخ أيها الناس، التاريخ بعبره ومن لم يعتبر بغيره كان عبرة لغيره، وإننا في زمن تحديات وفرض قوة وصراعات، والأوطان برجالها والدين بحماته، وقد أولى النبي صلى الله وسلم جانب القوة العسكرية عناية خاصة، واهتماما بالغا فكان هو الفارس المقدام والمحارب الشجاع، وربى أصحابه على هذا وكان يحثهم وهو على المنبر، فعن عقبة ابن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: «"وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة" [الأنفال: 60]، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي » ([4])، وعن سلمة ابن الأكوع رضي الله قال: «مَرَّ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ- يترامون بالسهام- فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -:  ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا» ([5]) ، وكان يقول عليه الصلاة والسلام: «الخيل معقود على نواصيها الخير»، وفي رواية «الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة» ([6])، وكان عقبة بن عامر رضي الله عنه وأرضاه يختلف إلى الرمي أي يذهب يرمي، وهو شيخ كبير فقيل له: أنت كبير يشق عليك قال عقبة: لولا كلام سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم أعانيه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من علم الرمي، ثم تركه، فليس منا» أو: "قد عصى"([7]) ، قال النووي عليه رحمة الله: «هذا تشديد عظيم في نسيان الرمي بعد علمه، وهو مكروه كراهة شديدة لمن تركه بلا عذر» ([8])، ومن هذا المنطلق أيها المسلمون سنّ ولاة أمرنا قانون الخدمة الوطنية، وأولوا اهتمامهم بالجوانب العسكرية، فعلى الناس أن يعلموا أن ما يقومون به من خدمة وطنهم وتعلم ما يقوي دولتهم مطلب شرعي يؤجرون عليه، ويحافظون به على دينهم ودنياهم وأوطانهم، فخدمة الوطن صدق معدن ورد جميل، وهو شرف في الولاء والمحبة، وواجب في الطاعة والجماعة، وليس دعوى يدعيها الإنسان ولكنه غرس في القلب، وتصدقه الأعمال وتحفه ملازمة الدعاء بالليل والنهار.

  الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد؛

 أيها المسلمون، فإنه ومع ما تمر به المنطقة من قلاقل وفتن، وبلايا ومحن فإننا في هذه البلاد المباركة ولله الحمد والمنة في نعم لا نحصي لها عدا، ولا نقدر لها شكرا،  أمن ليس له في الدنيا نظير، وخير ما له في الأرض من مثيل والنعم أضياف، وقراها الشكر ومن لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر والجماعة رحمة والفرقة عذاب، وإن من الشكر بعد شكر ربنا سبحانه شكر ولاة أمرنا الذين يؤثرون راحتهم لراحتنا، ويسهرون على إسعادنا فحقهم علينا كبير وأقله ملازمة الدعاء، ونشر محبتهم في الأرجاء ثم الشكر لجنودنا البواسل في الجبهات والساحات وفي الحدود والثغور والطرقات الساهرين على أمننا ولا ننسى من ضحى بروحه منهم وسقى الأرض بدمه، نسأل الله عز وجل أن يرفعه في الشهداء وأن يقربه عنده في الفردوس الأعلى، لنبقى بعد فضل الله بأمن وأمان وراحة واطمئنان.

 وأختم بدرر من الجمان ووصايا من حكيم الزمان، شيخنا المبارك الراحل وإمامنا المؤسس ذي الفضائل زايد الخير عليه من ربه الرحمة والرضوان، وملأ قبره بالروح والريحان، وصايا تعلق على الجبين، وتردد في الصدر في كل حين يقول عليه رحمة الله موصيا قواته المسلحة: اعلموا يا أبنائي أن وطنكم أمانة في أعناقكم، فصونوا هذه الأمانة وذودوا عن حياضه وشرفه، واعملوا على عزه ورفعته ورفعة شأن، فعليكم تقع مسئولية عظيمة جدا فكونوا عند حسن ظن قيادتكم وأهلكم بكم، وثقة شعبكم الذين هم سندكم، تزودوا يا أبنائي بالعلم والإيمان والأخلاق، واغرفوا من مناهج الثقافة والعلوم الفكرية ما يؤهلكم لاستيعاب أحدث الأسلحة والخطط العسكرية المتطورة، وليكن النظام والطاعة والانضباط أسلوبكم في التعامل اليومي، واعلموا أن قوة الجيش في نظامه وإخلاصه، وولائه وتمسكه بعقيدته، وقال رحمه الله: إن أداء الخدمة العسكرية شرف وكان يقول رحمه الله: إننا نسعى إلى السلام، ونحترم حق الجوار ونرعى الصديق لكن حاجتنا إلى جيش قوي قادر على حماية الوطن تبقى قائمة ومستمرة، ونحن نبني الجيش لا عن رغبة في غزو وإنما للدفاع عن أنفسنا، وكان يقول رحمه الله: إن إقامة الكلية العسكرية خطوة هامة من أجل بناء الأمة، وهي قوة للوطن العربي الذي نعمل جميعا من أجل أن يعم السلام والأمن والاستقرار العالم كله، فإن التاريخ يقدم لنا الكثير من العظات والدروس، فكم من أمة استرخت وظنت أنها تنام على فراش من حرير فما استيقظت إلا وقد داهمها الخطب، فما وجدت لتفادي الخطب سبيلا، وهذه لوحدها تكفي عن المواعظ والخطب وتخط الطريق لمن أراد أن يحافظ على دينه وأمنه ووطنه.

 فأسأل الله سبحانه أن يرحمه رحمة واسعة، ويجزيه عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء وأن يرحمه برحمته الواسعة وأن يتغمده بفضله وكرمه وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأن يرفع شأنه عنده في الآخرة.

 اللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء ومن درك الشقاء ومن سوء القضاء ومن شماتة الأعداء، اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك ومن تحول عافيتك، ومن فجاءة نقمتك ومن جميع سخطك، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم آمنا في أوطاننا اللهم أدم أمنك ونعمك علينا. وصلى الله على نبينا محمّد وآله وصحبه أجمعين.

 


 

([1]) رواه البخاري (7284).

([2]) تسهيل النظر وتعجيل الظفر في أخلاق الملك (ص233).                         

([3]) البداية والنهاية (17/357).

([4]) رواه مسلم (1917).

([5]) رواه البخاري (3373).

([6]) رواه النسائي (3561)، والترمذي (1636).

([7]) رواه مسلم (1919)

([8]) شرح صحيح مسلم (13/65).