المناهي اللفظية - ( الجزء ٢ )


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أما بعد؛

 فنحمد الله عز وجل نعمة الإسلام، كما نشكر القائمين على مركز رياض الصالحين بدبي على جهودهم العلمية، وأسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياهم الإخلاص في القول والعمل، وأن يجعل ذلك في موازين أعمالنا يوم القيامة، محاضرة اليوم بعنوان: (المناهي اللفظية).

 وهي المحاضرة الثانية من سلسلة محاضرات في بيان المناهي اللفظية، وهي دعوة لتصحيح ألفاظنا كما نصحح نياتنا، جاءت النصوص من الكتاب والسنة التي تبين خطورة الكلمة والكلام في دين الله عز وجل، وذكرنا في المحاضرة الأولى مقدمة عن أهمية تصحيح الألفاظ، وأن ما يلفظه الإنسان مسؤول عنه يوم القيامة ومسجل عليه، ويحاسب على ما يتكلم؛ لأن الكلام من جملة الدين والذي يُسأل الإنسان عنه، والنبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من ألسنتنا وأمرنا بالاستقامة، ومن الاستقامة استقامة اللسان، فعلى المسلم أن يحذر أن تخرج من فمه الألفاظ الضائعة التي لا يعي معناها، فقد تكون هذه الألفاظ من كلام الشر والسوء الذي يضره في دنياه وآخرته، وصحابة النبي صلى الله عليه وسلم وسلفنا الصالح فقهوا مسؤولية الكلمة، عرفوا أمانة الكلمة ووعوا خطورتها، وقد أشرنا إلى بعض آثارهم في المحاضرة الأولى، فالنجاة في كفّ، اللسان لذلك يقول صلى الله عليه وسلم: «أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ» ([1])،  وأشرنا إلى قول الحافظ النووي رحمه الله: «اعلم أنه ينبغي لكل مكلف أن يحفظ لسانه عن جميع الكلام إلا كلاما ظهرت فيه المصلحة، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة، فالسنة الإمساك عنه، لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، وذلك كثير في العادة، والسلامة لا يعدلها شيء» ([2])، وأشرنا إلى كلام الشيخ العثيمين رحمه الله أيضًا عما يقوله بعض الناس من أن تصحيح الألفاظ غير مهم، يقول رحمه الله: « إن أراد بتصحيح الألفاظ إجراءها على اللغة العربية فهذا صحيح، فإنه لا يهم من جهة سلامة العقيدة أن تكون الألفاظ غير جارية على اللغة العربية ما دام المعنى مفهوماً وسليماً، أما إذا أراد بتصحيح الألفاظ ترك الألفاظ التي تدل على الكفر والشرك فكلامه غير صحيح بل تصحيحها مهم، ولا يمكن أن نقول للإنسان: أطلق لسانك في قول كل شيء ما دامت النية صحيحة بل نقول: الكلمات مقيدة بما جاءت به الشريعة الإسلامية» ([3]).

وهذه الألفاظ كما أشرنا في المحاضرة السابقة منها ما هو شرك، وما ومنها ما هو بدعة، ومنها ما هو محرم، ومنها ما هو مكروه، ومنها ما هو مشتبه قد يحمل على الحق ويحمل على الباطل ظاهر المعنى، فينبغي اجتناب مثل هذه الألفاظ، وذكرنا أمثلة كثيرة في المحاضرة الأولى، وفي محاضرة اليوم نذكر أيضا أمثلة أخرى من المناهي اللفظية التي يجب على المسلم أن ينتبه لها، فنقول وبالله التوفيق:

 من الألفاظ الخاطئة الشائعة: قول السائل ما رأي الدين، فيقول الشيخ الألباني رحمه الله: « اللفظة الخاطئة الشائعة: أن يقول السائل رأي الدين، لا يقال رأي الدين، يقال: رأي الشيخ، الدين ما عنده رأي، الدين عنده حكم عنده قضاء والقضاء نافذ، أما الرأي فنحن عندنا آراء قد نصيب وقد نخطئ، فإن كان ولا بد من ذكر الرأي فإنما ينسب إلى الشيخ أو العالم أو المسؤول، ويقال ما رأيك يا فلان ما رأيك يا شيخ ما رأيك يا أستاذ، وإذا كان لا بد من ذكر الدين فترفع لفظة "الرأي" ويقال حكم الدين، هكذا يجب أن نكون دقيقين في ألفاظنا حتى نتأدب بأدب نبينا صلى الله عليه وسلم» ([4])،  إذًا هذا تنبيه مهم من الشيخ الألباني رحمه الله، فإذا سأل السائل يسأل عالما عن حكم شرعي لا يقول ما رأي الدين، يقول ما هو حكم الدين، ما رأي الشيخ.

 أيضا من الألفاظ التي يتلفظ بها الناس يقولون: العصمة لله وحده، هكذا يقولون، فيقول الشيخ العثيمين رحمه الله لما سئل ما رأي فضيلتكم في هذه العبارة العصمة لله وحده؟ يقول الشيخ: «هذه العبارة قد يقولها من يقولها يريد بذلك أن كلام الله عز وجل وحكمه كله صواب، وليس فيه خطأ وهي بهذا المعنى صحيحة، لكن لفظها مستنكر ومستكره؛ لأنه كما قال السائل قد يوحي بأن هناك عاصمًا عصم الله عز وجل،  والله سبحانه وتعالى هو الخالق، وما سواه مخلوق، فالأولى أن لا يعبر الإنسان بمثل هذا التعبير، بل يقول: الصواب في كلام الله، وكلام رسوله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» ([5])إذًا قول العصمة لله وحده لا تنبغي هذه الكلمة؛ لأن لفظها مستنكر كما يقول الشيخ، ويفهم من اللفظة أن هناك عاصما عصم الله عز وجل، والله هو الخالق وما سواه مخلوق، فالشيخ يرى أن الأولى أن لا يعذر الإنسان بمثل هذا التعبير، فيقول الصواب في كلام الله بدل ما يقول العصمة لله وحده، يقول الصواب في كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.

 أيضا من الألفاظ التي يتلفظ بها الناس يقولون: هذه سنة الحياة هكذا يقولون، فلما سئل الشيخ العثيمين رحمه الله عنها قال: «لا يجوز قول هذه سنة الحياة، بل يقال سنة الله تبارك وتعالى» ([6])، هذا ما أفتى شيخ العثيمين رحمه الله.

 أيضا من الألفاظ التي يتداولها الناس لما يسألون عن معلومة ما يقولون: الله ورسوله أعلم، فيقول الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد حفظه الله عالم المدينة يقول: : «يُشرَع للمسئول إذا لم يكن عنده جواب أن يقول: لا أدري، أو الله أعلم؛ لصلاحية ذلك لكلِّ سؤال، بخلاف: الله ورسوله أعلم، فلا تصلح لكلِّ سؤال، فلو سأل سائل: متى تقوم الساعة تعيَّن في الجواب قول: الله أعلم؛ لأنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لا يعلم متى تقوم الساعة، وأيضاً فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد موته لا يعلم بما يحصلُ لأمَّته من بعده» ([7])،  إذًا لابد من التفصيل: فإذا كانت أمور من الشرع يعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقال: الله ورسوله أعلم، أما إذا كانت من الأمور الغيبية أو من الأمور التي بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فلا يقال: ورسوله أعلم، قال: الله أعلم فقط، أما في حياته صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بأمور الشريعة فيقال الله ورسوله أعلم، هذا تفصيل جيد من الشيخ حفظه الله.

 أيضا من المقولات التي يتلفظ بها الناس يقولون عندما يحدث زلزال أو فيضان أو غير ذلك: كوارث طبيعية هكذا يقولون، فيقول الشيخ أحمد بن يحيى النجمي رحمه الله: «من الملاحظ أن كثيرا من الناس يسمون الكوارث من زلازل مدمرة أو أعاصير مهلكة أو فيضانات وغير ذلك يسمون هذه الأمور كوارث طبيعية، وهذا يعتبر شركا أو قد يكون من الشرك الأكبر حينما ينسبون هذه الكوارث إلى الطبيعة، وينسون خالق هذا الكون والمتصرف فيه» ([8]) ، إذًا لا ينبغي هذه المقولة: كوارث طبيعية، نسبة هذه الكوارث إلى الطبيعة، هي التي فعلتها، لا لا ينسب كل ما يتعلق بالكون والتصرف فيه لا ينسب إلا إلى الله وحده سبحانه وتعالى، فهو وحده المتصرف في هذا الكون، وفي هذه الكوارث من الزلازل والأعاصير والفيضانات وغيرها هي من الله عز وجل وحده لا شريك له، يفعل ما يشاء سبحانه وتعالى بقدرته ومشيئته وحكمته عز وجل.

 أيضا من العبارات بعض الخطباء يقولون: صلوا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هكذا يقولون، فلما سئل العلامة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله عن حكم قول بعض الخطباء صلوا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة؟ فأجاب العثيمين رحمه الله: «غير صحيح ، وقد حملهم عليه السجع ، وليس النبي صلى الله عليه وسلم  هو ذات الرحمة في الآية : ﵟوَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ ١٠٧ﵞالأَنبِيَاء : ﵗﵐﵑﵜ ، بل المراد : لنرحم العالمين بإرسالك إليهم» ([9]).

  أيضا من الأخطاء الشائعة عند كثير من الناس يقولون: الإنسان خليفة الله في أرضه الإنسان هكذا يقولون، وهذا فهم خاطئ لقول الله عز وجل: ﵟ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗﵞالبَقَرَةِ : ﵐﵓﵜ ، هذا فهم خاطئ لهذه الآية: ﵟ إِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗﵞالبَقَرَةِ : ﵐﵓﵜ ليس معناها أن الإنسان خليفة في أرضه، يبين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: «ولهذا لا يصلح أن يقال: إن الله يستخلف أحدا عنه، فإنه حي قيوم شهيد مدبر لعباده منزه عن الموت، والنوم، والغيبة ولهذا لما قالوا لأبي بكر: يا خليفة الله. قال: لست خليفة الله، بل خليفة رسول الله، وحسبي ذلك، والله تعالى يوصف بأنه يخلف العبد، كما قال صلى الله عليه وسلم: «اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل»([10]) ، وقال في حديث الدجال: «والله خليفتي على كل مسلم»([11])، وكل من وصفه الله بالخلافة في القرآن فهو خليفة عن مخلوق كان قبله. كقوله: ﵟثُمَّ جَعَلۡنَٰكُمۡ خَلَٰٓئِفَ فِي ٱلۡأَرۡضِ مِنۢ بَعۡدِهِمﵞ [يونس: 14]، وقال تعالى: ﵟٱذۡكُرُوٓاْ إِذۡ جَعَلَكُمۡ خُلَفَآءَ مِنۢ بَعۡدِ قَوۡمِ نُوحٖﵞ [الأعراف: 69]، وقال تعالى: ﵟوَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡﵞ النور: 55] ، وكذلك قوله: ﵟإِنِّي جَاعِلٞ فِي ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗﵞ  [البقرة: 30] أي: عن خلق كان في الأرض قبل ذلك، كما ذكر المفسرون، وغيرهم، وأما ما يظنه طائفة من الاتحادية، وغيرهم أن الإنسان خليفة الله فهذا جهل وضلال» ([12]) .

إذًا لا يجوز قول: الإنسان خليفة الله في أرضه، فالله عز وجل لا يستخلف أحدا عنه؛ لأنه الحي القيوم الشهيد المدبر لعباده المنزه عن الموت والنوم والغيبة كما قال شيخ الإسلام رحمه الله.

 أيضًا من المناهي اللفظية قولهم: الزمن غدار، لما سئل العلامة ابن عثيمين رحمه الله عن هذه العبارات: هذا زمان أقشر، أو الزمن غدار، أو يا خيبة الزمن الذي رأيتك فيه، فأجاب رحمه الله: «هذه العبارات التي ذكرت في السؤال تقع على وجهين:

الوجه الأولى: أن تكون سبا وقدحا في الزمن فهذا حرام، ولا يجوز؛ لأن ما حصل في الزمن فهو من الله عز وجل، فمن سبه فقد سب الله، ولهذا قال الله تعالى في الحديث القدسي: «يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر أقلب الليل والنهار»([13]) .

والوجه الثاني: أن يقولها على سبيل الإخبار فهذا لا بأس به، ومنه قوله تعالى عن لوط عليه الصلاة والسلام: ﵟوَقَالَ هَٰذَا يَوۡمٌ عَصِيبٞ ٧٧ﵞهُود : ﵗﵗﵜ أي: شديد، وكل الناس يقولون: هذا يوم شديد، وهذا يوم فيه كذا وكذا من الأمور وليس فيه شيء. وأما قول: "هذا الزمن غدار" فهذا سب؛ لأن الغدر صفة ذم ولا يجوز، وقول: "يا خيبة اليوم الذي رأيتك فيه" إذا قصد يا خيبتي أنا، فهذا لا بأس فيه، وليس سبا للدهر، وإن قصد الزمن أو اليوم فهذا سب فلا يجوز»([14]) ، إذًا هذا تفصيل جيد من الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في هذه المسألة، في هذه الألفاظ التي جاءت، فإذا كان هذا القول زمان أقشر زمن غدار يا خيبة الزمن، إذا كانت هذه العبارات تقع على وجه السبّ والقدح يقول الشيخ هذا حرام لا يجوز، أما إذا قال على سبيل الإخبار، يخبر عن أن هذا اليوم عصيب يوم حزين قال هذا لا بأس به، هذا تفصيل جيد من الشيخ رحمه الل.

 هنا أيضا مقولة شاعت بين الناس وخاصة عند الزيارات عندما يزوره في بيته يقول صاحب البيت: زارتنا البركة أو يقولون: تباركت علينا في الزيارة هذه،  فسئل الشيخ العثيمين رحمه الله عن قول عامة الناس: تباركت علينا زارتنا البركة، فأجاب رحمه الله قائلا:

 «قول العامة (تباركت علينا) لا يريدون بهذا ما يريدونه بالنسبة إلى الله - عز وجل - وإنما يريدون أصابنا بركة من مجيئك، والبركة يصح إضافتها إلى الإنسان، قال أسيد بن حضير: لما نزلت آية التيمم بسبب عقد عائشة الذي ضاع منها قال: ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر، وطلب البركة لا يخلو من أمرين:

 الأمر الأول: أن يكون طلب البركة بأمر شرعي معلوم مثل القرآن الكريم قال الله تعالى: ﵟوَهَٰذَا كِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ مُبَارَكٞ ﵞ الأَنعَام : ﵕﵕﵑﵜ ، فمن بركته أن من أخذ به وجاهد به حصل له الفتح، فأنقذ الله به أمما كثيرة من الشرك، ومن بركته أن الحرف الواحد بعشرة حسنات وهذا يوفر للإنسان الجهد والوقت.

 الأمر الثاني: أن يكون طلب البركة بأمر حسي معلوم، مثل العلم فهذا الرجل يتبرك به بعلمه ودعوته إلى الخير، قال أسيد ابن حضير: ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر، فإن الله قد يجري على أيدي بعض الناس من أمور الخير ما لا يجريه على يد الآخر.

 وهناك بركات موهومة باطلة مثل ما يزعمه الدجالون أن فلاناً الميت الذي يزعمون أنه ولي أنزل عليكم من بركته وما أشبه ذلك، فهذه بركة باطلة لا أثر لها، وقد يكون للشيطان أثر في هذا الأمر لكنها لا تعدو أن تكون آثاراً حسية بحيث أن الشيطان يخدم هذا الشيخ فيكون في ذلك فتنة. أما كيفية معرفة هل هذه من البركات الباطلة أو الصحيحة؟ فيعرف ذلك بحال الشخص، فإن كان من أولياء الله المتقين المتبعين للسنة المبتعدين عن البدع فإن الله قد يجعل على يديه من الخير والبركة ما لا يحصل لغيره، أما إن كان مخالفا للكتاب والسنة، أو يدعو إلى باطل فإن بركته موهومة، وقد تضعها الشياطين له مساعدة على باطله» ([15]) .

إذًا إذا كان طلب البركة بأمر شرعي مثل القرآن مثل بركة علم هذا العالم يقال: زارتنا البركة يعني بركة علم هذا العالم الذي زارنا، فهذا يجوز يقول الشيخ التبرك بعلمه ودعوته إلى الخير، واستدل بحديث: (ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر)، فهناك بركة لآل بكر في علمهم، وفيما حصل من خير من هذه الأسرة -أسرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه- خيرا على الإسلام والمسلمين بفضل الله عز وجل وببركته سبحانه وتعالى، أما البركة الموهومة لإنسان ميت فهذه يقول الشيخ هي باطلة، ولا أثر لها بل قد يكون للشياطين أثر في هذه الأمور والآثار الحسية.

 أيضا من الألفاظ الشائعة عند الناس يقولون عندما يقول شيخ أو أحد الناس يقول لأحد الناس أنت كذا أنت طيب أنت كذا رزقك الله كذا أنت كذا يرد عليه ويقول: فأل الله ولا فألك، أو يقول حصل كذا من الحوادث مات فلان يقول القائل: فأل الله ولا فألك، فهذه أيضا عبارة سئل عنها الشيخ العثيمين رحمه الله قال: « هذا التعبير صحيح، لأن المراد الفأل الذي هو من الله، وهو أني أتفاءل بالخير دونما أتفاءل بما قلت، هذا هو معنى العبارة، وهو معنى صحيح أن الإنسان يتمنى الفأل الكلمة الطيبة من الله ـ سبحانه وتعالى ـ دون أن يتفاءل بما سمعه من هذا الشخص الذي تشاءم من كلامه» ([16])، فالشيخ رحمه الله أقر هذه العبارة وأنه لا بأس بها، وليست من الألفاظ المنهية: فأل الله ولا فألك.

 أيضا من الألفاظ التي قد يراها البعض من الألفاظ المنهية، وقد أجازها العلماء (لك الله)، لو قال شخص لشخص (لك الله)، فسئل الشيخ العثيمين رحمه الله فقال: « لفظ ( لك الله) الظاهر أنه من جنس  لله درك  وإذا كان من جنس هذا فإن هذا اللفظ جائز، ومستعمل عند أهل العلم وغيرهم، والأصل في هذا وشبهه الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه، والواجب التحرز عن التحريم فيما الأصل فيه الحل» ([17]).

 أيضا من الألفاظ، يقول بعض الناس إذا حلف: وحق الله، عندما يحلف يقول: وحق الله، الجواب من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أفتت بقولها: «لا يجوز الحلف إلا بالله أو صفة من صفاته، وحق الله هو عبادته وحده لا شريك له، وذلك من أفعال العباد، فلا يجوز الحلف به» ([18])، فإنه لا يجوز الحلف (وحقّ الله)، لا يجوز الحلف بهذه اللفظة؛لأن الحلف لا يكون إلا بالله أو بصفة من صفات، يقولون حق الله هو عبادته وحده، وذلك من أفعال العباد، فلا يجوز الحلف بأفعال العباد؛ لأنها مخلوقة.

 أيضًا من العبارات الشائعة عند كثير من الناس يقولون عن شخص من الأشخاص هذا مفكر إسلامي، أو هذا فكر إسلامي هذه العبارة، يقول العلامة ابن عثيمين رحمه الله: «ومما يحذر عنه كلمة ( فكر إسلامي ) ؛ إذ معنى هذا أننا جعلنا الإسلام عبارة عن أفكار قابلة للأخذ والرد ، وهذا خطر عظيم أدخله علينا أعداء الإسلام من حيث لا نشعر ، والإسلام شرع من عند الله وليس فكرا لمخلوق» ([19])، إذًا هذه العبارة (فكر إسلامي) لا تجوز ولا يطلق على إنسان رجل مفكر إسلامي؛ لأن الأفكار قابلة للأخذ والرد، أما الإسلام فشرع من عند الله عز وجل فيجب قبوله ولا يجوز رده، والإسلام ليس فكرا لمخلوق، فلا تجوز هذه العبارة فكر إسلامي أو مفكر إسلامي لا تجوز.

 هنا أيضا عبارة مهمة يتداولها الناس نعرف ما هو الحكم فيها، بعض أهل العلم يعتبروها ممنوعة وبعضهم أجازها، لكنها جاءت في الأدلة الشرعية قولهم: (صادفت فلانا)، هذه العبارة لا بأس باستعمالها يعني قال: قابلت فلانا صدفة لأن مراد المتكلم بهذه الكلمة أنه قابله بدون اتفاق سابق وبدون قصد منه، ليس المراد أنه قابله بدون تقدير من الله عز وجل كما يفهم البعض، ليس المراد منها صادفت فلانا يعني قابلته بدون تقدير من الله لا يعني هذا القائل، الذي يقول هذه الكلمة يعني إذا قال صادفت فلانا يعني قابلته دون اتفاق سابق، قابلت فلان بدون قصد وبدون موعد من الاثنين هذا لا بأس به، وقد جاءت هذه الكلمة في بعض الأحاديث ما رواه مسلم في صحيحه([20]) عن أنس الله عنه قال: «فانطلقتُ به-يعني بعبد الله بن أبي طلحة-  إلى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فصَادفتٌه ومعه ميسم»، يعني قابلته بدون اتفاق سابق، قابلته بدون قصد منه وبدون موعد سابق كلمة شائعة عند العرب، وجاءت في هذا الحديث، وجاء أيضا عند أبي داود([21]) حديث لقيط ابن صبرة:  «كُنْتُ وَافِدَ بَنِي الْمُنْتَفِقِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ نُصَادِفْهُ فِي مَنْزِلِهِ , وَصَادَفْنَا عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ - رضي الله عنها -»، إذًا جاء من ألفاظ الصحابة: (نصادفه صادفنا صادفته)، وبذلك أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء: «ليس قول الإنسان قابلت فلانا صدفة محرما ولا شركا؛ لأن المراد منها قابلته دون سابق وعد أو اتفاق على اللقاء مثلا، وليس في هذا المعنى حرج» ([22])، وسئل شيخ العثيمين رحمه الله أيضا: ما رأي فضيلتكم في استعمال كلمة (صدفة): فأجاب رحمه الله: «رأينا في هذا القول أنه لا بأس به وهذا أمر متعارف وأظن أن فيه أحاديث بهذا التعبير صادفْنا رسول الله صادفَنا رسول الله ، والمصادفة والصدفة بالنسبة لفعل الإنسان أمر واقع ؛ لأن الإنسان لا يعلم الغيب فقد يصادفه الشيء من غير شعور به ومن غير مقدمات له ولا توقع له ، ولكن بالنسبة لفعل الله لا يقع هذا ، فإن كل شيء عند الله معلوم وكل شيء عنده بمقدار وهو - سبحانه وتعالى - لا تقع الأشياء بالنسبة إليه صدفة أبدًا ، لكن بالنسبة لي أنا وأنت نتقابل بدون ميعاد وبدون شعور وبدون مقدمات فهذا يقال له : صدفة ، ولا حرج فيه ، وأما بالنسبة لفعل الله فهذا أمر ممتنع ولا يجوز» ([23]) .

هذه ألفاظ ذكرناها في هذه المحاضرة الثانية أمثلة، ولعلها تأتي أيضا محاضرة ثالثة بعدها، فهي سلسة محاضرات نجمع فيها من كلام أهل العلم ومن فتاواهم ما يتعلق بالمناهي اللفظية ليحذر المسلم، وليعلم أنه مسئول عما يتلفظ به.

 نسأل الله عز وجل أن يفقهنا وإياكم في ديننا، كما نسأله عز وجل أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء وفتنة، نسأله عز وجل أن يوفق ولاة أمورنا لما يحبه ويرضاه، وأن يرزقهم البطانة الصالحة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وسلم.

 


 

([1]) رواه الترمذي (2406)، وهو في صَحِيح الْجَامِع (1392).

([2]) رياض الصالحين - باب تحريم الغيبة والأمر بحفظ اللسان- (ص421).

([3]) مجموع فتاوى ابن عثيمين (ص67).

([4]) سلسلة الهدى والنور (273).

([5]) مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (3/119).

([6]) فتاوى سؤال على الهاتف (1/148).

([7]) شرح حديث جبريل في تعليم الدين (ص79).

([8]) شرح موجز لكتاب التوحيد (ص299).

([9]) ثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين (ص12).

([10]) رواه مسلم (1342).

([11]) رواه مسلم (2937).

([12]) منهاج السنة (7/353).

([13]) رواه البخاري (4826)، ومسلم (2246).

([14]) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (1/198).

([15]) المناهي اللفظية (ص41-43).

([16]) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (3/120).

([17])  مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (3/127).

([18])  فتاوى اللجنة الدائمة (23/54).

([19])  مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (10/828).

([20]) رقم (2144).

([21]) رقم (142).

([22]) فتاوى اللجنة الدائمة (3/539).

([23]) مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (3/117-118).