الإنكار من الكتاب والسنة وضروريات الشرع على من يدعو لمنابذة الحكّام


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد،

مواصلة لتقرير منهج الإسلام الصحيح القائم على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في باب الإمارة والولاية؛ أقدم بين يديكم هذا التقرير الجميل، والجامع في موضوعه الذي كتبه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وتعليق  الإمام العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - في شرحه له.

ولأن خير الكلام ما قلّ ودلّ أكتفي بسرد كلام ابن تيمية كما أورده في كتابه (السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية)، وأذكر تعليق الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - من كتابه: التعليق على السياسة الشرعية في حاشية المقال.

قال ابن تيمية رحمه الله:

 يجب أن يُعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين؛ بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها*؛ فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع، لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم) رواه أبو داود، من حديث أبي سعيد وأبي هريرة.

 وروى الإمام أحمد في المسند عن عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمروا عليهم أحدهم) فأوجب صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر، تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع؛ ولأن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ولا يتم ذلك إلا بقوة وإمارة.

وكذلك سائر ما أوجبه من الجهاد والعدل وإقامة الحج والجُمَع والأعياد ونصر المظلوم وإقامة الحدود لا تتم إلا بالقوة والإمارة ولهذا رُوي : (أن السلطان ظل الله في الأرض)* ويقال: "ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة بلا سلطان" والتجربة تبين ذلك.

ولهذا كان السلف كالفضيل بن عياض و أحمد بن حنبل وغيرهما يقولون: "لو كان لنا دعوة مستجابة لدعونا بها للسلطان".

وقال النبي صلى الله عليه و سلم: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم)* رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهم تحيط بهم من ورائهم) رواه أهل السنن.

وفي الصحيح عنه أنه قال: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة)، قالوا: لمن يا رسول الله ؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم).

ــــــــــــــــــــــــــ

* ولهذا ننكر أشد الإنكار على الذين يدعون إلى منابذة الحكّام وعدم السمع والطاعة لهم، حتى لو كان الأمراء فُسّاقاً أو لهم معاص عظيمة أو لهم ظلم، فإن طاعتهم واجبة والخضوع لأمرهم واجب، إلا في شيء واحد، وهو: أن يأمروا بمعصية، فهؤلاء لا سمع لهم ولا طاعة، لكن مهما فسقوا في أنفسهم وظلموا الخلق، فالواجب طاعتهم والسمع لهم، وعدم منابذتهم؛ لما يترتب على منابذتهم وعصيانهم والتمرد عليهم من المفاسد العظيمة، فلا بد من أمير ولا بد من إمرة، ولا بد من اعتقاد إمرته وأنه واجب السمع والطاعة، لا بد من هذا..

ولو كان أمير له إمرة وقوة، لكن يُنابَذ ويُعصَى ويُتَمرد عليه، فلا فائدة، بل هذا شرّ كبير، ولا يمكن أن تستقيم أحوال الأمة بمثل هذا؛ ولهذا أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالسمع والطاعة للأمراء، وإن ضربوا ظهورنا وأخذوا أموالنا، وإن لم يعطونا حقنا؛ فإن الواجب علينا أن نعطيهم حقهم ونسأل الله حقنا.

* يعني: أن الله يظلل به عن الفتن والشرور.

* هذا حق الله، وحق المجتمع، وحق الولاة: حق الله (أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً)؛ وحق المجتمع: (أن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا)، تمسُّك بالدين، وألا نتفرق، وأن نجتمع ما أمكننا الاجتماع؛ والثالث: حق الولاة: (أن تناصحوا من ولاه الله أمركم).

والمناصحة في كل شيء بحسبه، إما بالقول مشافهة إذا أمكن، وإما بالكتابة، وإما بالوساطة: يوسطون من يتكلم مع السلطان إذا كانوا لا يستطيعون؛ ومن المناصحة لهم: تأليف القلواب على وليّ الأمر، وأن يُبتعد عن كل ما يوجب النفرة عليه، والحقد والعداوة؛ لأنه ليس من النصيحة للإنسان أن تملأ قلوب الناس عليه حقداً وعداوة، بل أن تملأ القلوب تأليفاً، وأن تعتذر عما يمكن الاعتذار عنه، وإذا كان شيء لا بد من إدانته، فالمناصحة.

أما ملء القلوب على ولاة الأمور بما هم عليه من الخطأ، فهذا لا يزيد الأمر إلا شدّة...


هذا ما أردت كتابته نصحا لإخواننا وتوجيها لهم للطريق الصحيح في التعامل الشرعي مع واقعنا من أحداث وفتن تستعر على غير هدى والله المستعان.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


 

محبكم
عبد الرحمن الحمادي
غفر الله له ولوالديه وآله