التذكير بالمأثور في أحكام زكاة التُّمور


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

ونحن نعيش هذه الأيام موسمًا ينتظره الناس، الصغير والكبير، والبدويّ والحضريّ، والكل يترقب اكتساء النخيل بأحد اللونين: الأحمر أو الأصفر، فيتنعم بنعمة أنعمها الله علينا جميعًا، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: {وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ (35)} [يس: 34 - 35]، إنها لنعمة عظيمة نتنعم بها، فحُق لنا أن نعي واجبنا تجاهها، فنشكر الله عزّ وجلّ عليها، ونؤدي حقه سبحانه فيها، وإنّ من حق الله فيها إخراج زكاتها.
وبهذه المناسبة أُذّكر إخواني في هذه الوقفة اليسيرة مع أحكام زكاة التمور، أخصُّ بها من أنعم الله عليهم فامتلكوا النخيل، سواء كانت في بيوتهم أو في مزارعهم، فأقول وبالله التوفيق:

مشروعية زكاة التُّمور :

الزكاة ركن من أركان الإسلام، وهي قرينة الصلاة في القرآن، فهي من أعظم العبادات في الإسلام بعد الصلاة، والزكاة تجب في عدة أصناف وموارد ثبت وجوبها بأدلة الكتاب والسنة، وإن من أبرز أصنافها الواجبة: زكاة الزروع. قال سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت الأنهار والغيم العشر، وفيما سقي بالسَّانية* نصف العُشر) رواه مسلم.
وقد انعقد الإجماع على وجوب الزكاة فيها، ومن تلك الأصناف وأبرزها: التُّمور.

نصاب زكاة التُّمور:

النصاب هنا هو أقل ما تجب فيه الزكاة من التّمر، وقد حدّدت السنة النبويّة نصاب الزروع عمومًا - والتمر منها- كما جاء في الحديث الصحيح: (ليس فيما دون خمسة أوسق** صدقة) والخمسة أوسق هي حجمٌ مقدَّرٌ وليس وزناً، ولكن من باب التيسير وتقريب العبادة على المسلمين فقد قُدِّر حجمها بالوزن؛ فتبلغ الخمسة أوسق بالوزن الحديث: [653] كيلو جراماً، هذا مع مراعاة أن يكون الحجم أو الوزن المقدر على التمر وليس على أصله - وهو الرطب - استنادًا إلى ما وردت به سنة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.

وقت وجوب زكاة التّمور:

- زكاة التمر تجب مباشرة عند الحصاد:

لا يراعى الحول في زكاة الزروع، بل يراعى الموسم والمحصول لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141]، فمتى ما حُصد المحصول وجبت الزكاة فيه، ولا تجب قبل ذلك إلا إذا قطف قبله لمصلحة؛ كأن يبيعه رُطَبًا.

- تقدير الزكاة يكون قبل الحصاد:

رغم أن الزكاة تجب عند الحصاد؛ إلا أنه على صاحب النخل قبل ذلك - عند بدء نضجها وبدو صلاحها - أن يراعي أن الزكاة تكون على جميع الثمر؛ فيحسب حسابه إذا ما تصرف بشيء منه قبل حصاده ويكون ذلك عن طريق الخرص، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يبعث من يخرص على الناس نخلهم، أي: ينظر فيما حملته من الثمر – الرُّطَب- فيُقدّر بظنه ورأيه المبني على خبرته: كم ستُنتج النخيل من التمر؛ فيبني عليه كم ستكون زكاتها، ثم يدع النخل لأهلها يتصرفون فيها كيف شاءوا؛ دون أن يمسّوا مقدار الزكاة الذي حدده الخارص.

- هل تقدير الزكاة يكون على جميع ما حملته النخل؟

قرر كثير من أهل العلم أنه يُستثنى من الزكاة ما يستعمله صاحب النخل لنفسه وعياله وجيرانه وضيوفه؛ مستدلين بعموم الآية: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} حيث قالوا: الواجب ما كان وقت الحصاد لا ما قبله. كما استدلوا بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (إذا خرصتم فخذوا ودعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع) [رواه أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي]، وفي حديث آخر: (خففوا على الناس في الخرص..) [ابن عبد البر في التمهيد من حديث جابر]، وكذلك ورد في معناه أثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه [عند البيهقي وغيره]، ومع أنه في ثبوت الحديثين والأثر نظر لكنها بمجموعها تشد بعضها بعضاً، كما ذهب إليه النووي وابن الملقن وابن حجر. والعمل على ذلك عند أكثر أهل العلم كما ذكره أبو عيسى الترمذي عند تخريجه للحديث، فهو مشهور مذهب مالك والشافعي وقول أحمد والليث وغيرهم رحمهم الله.

مقدار الواجب في زكاة التّمور:

حددت سنّة النبي صلى الله عليه وسلم قدر الواجب في التّمور إذا كانت تبلغ النصاب، من ذلك حديث مسلم المتقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فيما سقت الأنهار والغيم العشر، وفيما سقي بالسَّانية نصف العُشر) وفي حديث آخر عند البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: (فيما سقت السماء والأنهار والعيون، أو كان بَعْلاً*** العُشر، وفيما سقي بالسواني، أو النضح: نصف العُشر). ويتبين من الحديثين اختلاف مقدار الواجب في زكاة التّمر بحسب الجهد المبذول في الري على النحو الآتي: 
1. في حالة الري دون تكلفة يكون الواجب هو العُشر ( 10 % ).
2. إذا سُقي بآلة وكُلفة ففيه نصف العُشر ( 5 % ). 
3. إذا سُقي بهما مناصفة ففيه ثلاثة أرباع العُشر (7.5 % ) كما قرره أهل العلم. 
4. إذا سُقي بأحدهما أكثر اعتبر أكثرها فوجبت الزكاة بمقتضاه. 
5. إذا جُهل المقدار الذي سُقي به وجب العشر لأنه المتيقن. 
وبالاطلاع على حال أكثر مزارع النخيل في واقعنا اليوم، نجد أكثرها إن لم تكن غالبها تقوم على الري بكلفة من صاحبها؛ فينطبق عليها البند الثاني في قدر الواجب وهو نصف العُشُر ( 5 % ).
ومن خلال ما تقدم تتبين حكمة الله عزّ وجلّ وتتجلى في أنه سبحانه خفف الزكاة على المتكلف في ريّها وجعل زكاته على النصف من زكاة من لم يتكلف في زرعه، ومن هنا ننبه على من لديه عُمّالاً وتكاليف تشغيلية للمزرعة فإنه لا يخصمها من عائد محصوله ثم يزكي ما بقي؛ لأنه روعي في القدر الواجب حيث صارت زكاته بقدر نصف العٌشر بدلاً من العُشر، وهذه مسألة يغفل عنها البعض فوجب التنبيه.
 

مسائل مهمة:

1. إذا تفاوت التمر رداءة وجودة فإن الزكاة تُؤخذ من أوسطه فما فوق، ولا تؤخذ مما دون الوسط. والدليل على ذلك في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} [البقرة: 267] أي: اقصدوا في نفقتكم الطيب الذي تحبونه لأنفسكم، ولا تيمموا الرديء الذي لا ترغبونه ولا تأخذونه إلا على وجه الإغماض والمسامحة واعلموا أن الله غني عنكم، ونفع صدقاتكم وأعمالكم عائد إليكم.
2. إذا اختلفت أراضي النخيل وتعددت، فإن صاحبها يجمع ما أنتجته جميع أراضيه ويضمها إلى بعض في حساب زكاتها، مع مراعاة أن ما تنتجه النخيل في البيوت والمساكن داخلة في حساب الزكاة طالما كانت تبلغ النصاب لوحدها أو بضمها إلى نخيل صاحبها في مزارعه التي يمتلكها.
3. الأصل أن يُخرج المزارعُ زكاة نخله تمرًا وهذا هو رأي الجمهور استنادًا إلى ما وردت به سُنّة النبي صلى الله عليه وسلم وما جرى عليه العمل بعد ذلك، غير أن مذهب السادة الحنفية يرى جواز إخراج القيمة، وذلك بأن يحسب كمية الواجب من المحصول، ثم يقدر قيمتها بالسوق ويخرجها نقداً. والراجح والله أعلم ما ذهب إليه جمهور أهل العلم، مع مراعاة أنه إذا لم يجد صاحب الزرع من يأخذ زكاته تمرًا أو تعذر عليه إخراجها تمرًا فلا حرج من إخراج القيمة بدل التمر، والله تعالى أعلم.

 

هذا ما تيسر تلخيصه في هذه الوقفة السريعة مع زكاة التمور، واللهَ أسأل أن ينفع بها.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

محبكم
عبد الرحمن سلمان الحمّادي
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
في رحاب مكة المكرمة بجوار بيت الله الحرام
عصر يوم الجمعة 3 شعبان 1433هـ الموافق 22/06/2012م


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* السانية: هي ما يُسقى عليه الزرع من بعير وغيره.
** الوسق: هو حِمْلُ البعير، وهو ستون صاعاً بصاع النبي صلى الله عليه وسلم، والخمسة أوسق ثلاثمائة صاع، وحيث إن الصاع يزن (2.1766 كجم) على رأي الجمهور، فإن زنة الخمسة أوسق بالكيلو جرام تساوي: ( 653 كجم ).
*** البعل: هو الزرع الذي يشرب بعروقه ولا يحتاج إلى ماء.