دور الوعاظ في صد داعش


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

يعتبر الوعظ أحد أهم روافد الخطاب الديني، ويُعرَّف بأنه الدعوة إلى الله تعالى المقرونة بالترغيب والترهيب، فهو خطابٌ موجَّهٌ إلى القلوب والوجدان، لتحريكها والتأثير فيها، والارتقاء بالأنفس وتزكيتها، وتوجيه السلوكيات وتهذيبها، فهو خطابٌ معنيٌّ بإصلاح الظاهر والباطن، ليكون القلب سليما، واللسان عفيفا، والجوارح مقبلة على الخير ممسكة عن الشر، والواعظ كالطبيب الحاذق، مسؤول عن تشخيص الأدواء، ووصف أنجع الطرق الوقائية والعلاجية النافعة تجاهها.

ونظرا لأهمية الوعظ فإن هناك ضوابط مهمة ينبغي مراعاتها في هذا الباب ليؤتي ثماره، منها: استناد الموعظة إلى العلم النافع الصحيح المستمد من القرآن والسنة وقواعد الشريعة الغراء وفهم العلماء الراسخين المعتبرين، وبمقدار الالتزام بهذا الميزان القويم تتحقق الوسطية ويندحر التطرف وتجني المجتمعات ثمرات الأمن والاستقرار.

والتزام البُعد المقاصدي الذي يراعي حفظ الضرورات الكبرى والمصالح العامَّة، سواء على مستوى الأفراد أو الأسر أو المجتمع أو الوطن. والعناية بالطرح المعتدل، فلا يغلِّب الواعظ جانب الوعيد على الوعد أو العكس، لئلا يوقع الناس في اليأس والقنوط أو التساهل والتفريط، بل يلتزم مراعاة حاجات المدعيين ترغيبا وترهيبا بحسب مقتضى الحاجة، ويعتني بالغاية الأسمى في هذا الباب، وهو تحبيب الخالق تعالى إلى خلقه، وجمع الخلق على الحق، يقول أبو أمامة الباهليّ رضي الله عنه: «حبِّبوا اللهَ إلى الناس يُحببكم الله»، ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أيها الناس، لا تُبغِّضوا اللهَ إلى عباده».

ومراعاة الحال والواقع، والعناية بالمعاصرة وتجديد لغة الخطاب، ليلبي الطرح احتياجات الناس، ويتصف بالأسلوب الذي يناسبهم، ويدفع عنهم الأخطار التي تهددهم، ومن أهمها خطر الإرهاب والتطرف والتشدد.

ذلك الذي يتطلب من الواعظ وممن ينظِّم برامج الوعظ في المؤسسات الدينية في المجتمعات الإسلامية حسن تحديد الموضوعات الوعظية، على ضوء استراتيجية عليا تقوم على أولويات صائبة ومعطيات سليمة ومخرجات صحيحة تصب في تعزيز وسطية ديننا الحنيف، وترسيخ وحدة الصف واجتماع الكلمة، والتصدي لأفكار داعش وأخواتها.

ومن المخرجات التي تعين على تحقيق هذه الأهداف في باب الوعظ: العناية بالعقيدة الوسطية السليمة، والثقافة الإيجابية المعتدلة، التي تربي الإنسان على الوسطية في مختلف الأبواب، وتصونه من الانحرافات العقائدية كالتكفير والخروج والأفكار الطائفية وأفكار الكراهية وغيرها. وتنمية الوازع الديني الذي يقوي صلة الإنسان بربه، واستحضار مراقبته له، ويحفظه من التورط في الجرائم المختلفة وبالخصوص الجرائم الإرهابية.

وترسيخ منظومة الأخلاق الجميلة في المجتمعات؛ مثل: الرحمة والإيثار والإحسان والبر والصلة وغيرها. وتعزيز الهوية الوطنية، وغرس الانتماء للوطن، وما يندرج في هذا الباب من ترسيخ ثقافة السمع والطاعة لولي الأمر، والالتفاف حول القيادة الرشيدة، واحترام مؤسسات الدولة، وتعميق ثقافة الدفاع عن الوطن والمحافظة على ثرواته ومنجزاته.

وتقوية الشعور بنعمة الأمن والاستقرار، وتعميق الإحساس بالمسؤولية المشتركة تجاه الوطن وأمنه وسلامته. ونشر قيم الوحدة والاجتماع، ونبذ أسباب الفرقة والاختلاف، وإضعاف أسباب الكراهية والبغضاء ومعالجتها.

والتأكيد على قيم الإسلام الرفيعة في التسامح وحسن التعامل مع الآخر وترسيخ العلاقات الإنسانية الناصعة والتعايش السلمي، سواء بين المسلمين أنفسهم، أو بينهم وبين غيرهم. والتأكيد على حرمة الدماء وصيانة الأنفس، وعرض الأدلة القرآنية والنبوية في تقرير هذا الأصل المتين.

والتحذير من الشبهات التي تسعى لاغتيال العقول ونشر التصورات والمفاهيم المغلوطة والنيل من أمن الوطن، والتوعية بمخاطر الأفكار الإرهابية والمتطرفة وأضرارها البالغة على الأفراد والأسر والمجتمعات والأوطان. وترشيد العواطف وضبطها، والتوعية بضرورة مراعاة المقاصد الشرعية وتغليب المصالح العليا والتعريف بأهداف التشريع الإسلامي ومقاصده الجميلة.

وإعلاء قيمة العلم والتعلم والتعليم والكلمة الطيبة كوسيلة مثلى للخير والإصلاح ونشر الإيجابيات وإضعاف السلبيات.

وبالمقابل فإن على الواعظ أن يحذر من جملة من السلبيات التي تضر بالوعظ ولا تخدم إلا التنظيمات الإرهابية المتطرفة، والتي منها: القول بلا علم، وإطلاق الأحكام الجزاف من تحريم أو تشديد أو تكفير، فقد حذر الله من ذلك فقال: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً}.

والتركيز على تهييج النفوس على التوبة والزهد ونحو ذلك، من دون بيان الطرق الصحيحة التي توصل الشخص إلى تطبيق هذه المعاني تطبيقا وسطيا معتدلا في واقعه، فلربما أراد أحد المستهدفين أن يستقيم فيظن أن طريق الاستقامة هو في الإرهاب وإزهاق الأنفس وسفك الدماء، وقد بين العلماء ضرر هذا المسلك منذ القديم، وسطروا ذلك في مؤلفاتهم، وممن نبه على ذلك العلامة ابن الجوزي رحمه الله في (تلبيس إبليس).

والتركيز على سلبيات المجتمع، وتغليب جانب التشاؤم والنظرة السوداوية وسوء الظن، وإظهار المجتمع على غير صورته الحقيقية، مما يدفع بالمدعيين إلى اليأس والإحباط والعزلة الشعورية، واتهام المحيط بالفسق والفجور والكفر، ليصبحوا فريسة لكل شائعة أو فكر خبيث يستهدف ضرب المجتمع وإلحاق الأذى به.