تنبيهات ومسائل بين يدي مناقشة المخالفين في برامج التواصل


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فإن مما ابتلينا به هذه الأيام ولا سيما مع مايسمى بشبكات التواصل الاجتماعية وأجهزة الهواتف الذكية المتضمنة لبرامج المحادثات كالواتساب ونحوه، المناقشات والمجادلات ولا سيما مع بعض أهل الأهواء والبدع من الخوارج والإخوان ومن نحا نحوهم..

وأحببت هنا أن أنبه إلى مسائل مهمة متعلقة بذلك:

المسألة الأولى:

المنع عن دخول المجموعات الخاصة بأهل الأهواء، فإنه يحصل بسبب ذلك التعرض للشبهات وربما أدى إلى المؤانسة معهم وهو خلاف ما أمر الله به من عدم الجلوس مع من يخوض في الآيات والشرع بغير علم ولا بصيرة، قال تعالى: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره...} الآية.

قال العلامة الشوكاني: «في هذه الآية موعظة عظيمة لمن يتسمح بمجالسة المبتدعة، الذين يحرّفون كلام الله، ويتلاعبون بكتابه وسنة رسوله ، ويردّون ذلك إلى أهوائهم المضلة وبدعهم الفاسدة، فإنه إذا لم ينكر عليهم ويغير ما هم فيه فأقلّ الأحوال أن يترك مجالستهم ، وذلك يسير عليه غير عسير».

فالواجب هو منابذة أهل البدع وهجرهم. وهو أمر مجمع عليه عند السلف. كما هو مبثوث ومشهور في كتب الاعتقاد

المسألة الثانية:

إن كان في المجموعة صاحب هوى وبدعة، فينبغي نصحه وإرشاده، لا مجادلته ومناظرته، فقد نهى السلف عن مجادلة أهل الأهواء، ووقع على ذلك الإجماع، وعلى هذا دل حديث عائشة مرفوعا: (أولئك الذين سمى الله فاحذروهم).

قال الإمام اللالكائي: «فما جني على المسلمين جناية أعظم من مناظرة المبتدعة! ولم يكن لهم قهر ولا ذل أعظم مما تركهم السلف على تلك الجملة، يموتون من الغيظ كمدا ودرداً ولا يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلا. حتى جاء المغرورون ففتحوا لهم إليها طريقا، وصاروا لهم إلى هلاك الإسلام دليلا، حتى كثرت بينهم المشاجرة، وظهرت دعوتهم بالمناظرة، وطرقت أسماع من لم يكن عرفها من الخاصة والعامة». [شرح أصول الاعتقاد 1/29].

المسألة الثالثة:

ليست المناظرة والمجادلة لكل أحد، فإن من المناظرات ما تكون سببا لإضعاف المسلمين إما بسبب ضعف المناظر أو عدم بيانه للحجة.

يقول شيخ اﻹسلام ابن تيمة رحمه الله: «وقد ينهون عن المجادلة والمناظرة، إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجة، وجواب الشبهة، فيخاف عليه أن يفسده ذلك المضل، كما ينهي الضعيف في المقاتلة أن يقاتل علجاً قويا من علوج الكفار؛ فإن ذلك يضره ويضر المسلمين بلا منفعة». [درء التعارض 173/7]

المسألة الرابعة:

لا بد من التفريق بين المقبل الراغب في معرفة الحق والمعاند المجادل، فالأول يبين له الحق ويرشد إلى الدليل ويترفق به.

وأما الثاني وهو من تشرب الهوى في قلبه وضاق صدره عن أدلة الشرع ودلالات النصوص، فمثل هذا ينبغي زجره ورد باطله والتغليظ عليه.

قال العلامة الاجري رحمه الله: «فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَمَاذَا نَصْنَعُ؟ قِيلَ لَهُ: إِنْ كَانَ الَّذِي يَسْأَلُكَ مَسْأَلَتَهُ، مَسْأَلَةُ مُسْتَرْشِدٍ إِلَى طَرِيقِ الْحَقِّ لا مُنَاظَرَةً، فَأَرْشِدْهُ بِأَلْطَفِ مَا يَكُونُ مِنَ الْبَيَانِ بِالْعِلْمِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَوْلِ الصَّحَابَةِ، وَقَوْلِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ مُنَاظَرَتَكَ وَمُجَادَلَتَكَ فَهَذَا الَّذِي كَرِهَ لَكَ الْعُلَمَاءُ، فَلا تُنَاظِرْهُ وَاحْذَرْهُ عَلَى دِينِكَ كَمَا قَالَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِنْ كُنْتَ لَهُمْ مُتَّبِعًا فَإِنْ قَالَ: فَنَدَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِالْبَاطِلِ وَنَسْكُتُ عَنْهُمْ؟! قِيلَ لَهُ: سُكُوتُكَ عَنْهُمْ وَهِجْرَتُكَ لِمَا تَكَلَّمُوا بِهِ أَشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ مُنَاظَرَتِكَ لَهُمْ كَذَا قَالَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ».

المسألة الخامسة:

ينبغي حال المناقشات العلمية تهيئة النفس على الانقياد للحق والتمسك به ولو جاء هذا الحق على لسان المخالف، فلا يمنعن عبدا قبول الحق، مجيئ الحق من خصمه.

قال ابن بطة العُكبُري رحمه الله: « اعلم يا أخي أن مَن كره الصواب من غيره ، ونصر الخطأ من نفسه، لم يؤمَن عليه أن يسلبه الله ما علمه، ويُنسيه ما ذكره، بل يُخَاف عليه أن يسلبه الله إيمانه ،لأن الحق من رسول الله إليك افترض عليك طاعته، فمن سمع الحق فأنكره بعد علمه له فهو من المتكبرين على الله، ومن نصر الخطأ فهو من حزب الشيطان ». [الإبانة 2/206

المسألة السادسة:

ليحذر طالب العلم جعل كلامه وفهمه أصلا يجب الرجوع إليه، ولا يجوز الصدور إلا عنه، فيؤصل بذلك التأصيلات المخالفة للوحيين وفهم السلف، حتى ينتصر لقوله ويلجم خصمه. فإن التأصيلات المحدثة والقواعد المخالفة هي سبيل رد الحق، وفتح باب الضلال.

قال ابن القيم رحمه الله: « وكلُّ من أصَّلَ أصلاً لم يؤصّله اللهُ ورسولُه قادَهُ قسراً إلى ردِّ السنة وتحريفها عن مواضعها فلذلك لم يؤصِّل حزبُ اللهِ ورسولِه أصلاً غيرَ ما جاء به الرسولُ صلى الله عليه وسلم فهو أصلُهم الذي عليه يعولون، وآخيتُهم التي إليها يرجعون ». [شفاء العليل 1/210]

المسألة السابعة:

لا يجوز لطالب العلم المداهنة ، بل يظهر ما عنده من الحجج ويبين وجه الصواب في قوله، ويدفع ويدافع عن الحق، ولا يغتر ببريق الباطل، فإنه بريق زائف، ولمعان تالف.

قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله: «والحق على طالب العلم، والمنتسب إلى الدين والفهم، أكبر منه على غيره، والواجب عليه آكد. والعاقل لا يرضى لنفسه سبيل المداهنة والبطالة». [الدرر 8/312]

المسألة الثامنة:

الغاية عند السلفي لاتبرر الوسيلة، فلا ينبغي للسلفي أن يتجاوز الحد الشرعي عند الكلام على أخطاء المخالفين، فيتقول عليهم ما لم يقولوه، بل ينتقد الباطل وينصر الحق.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: «والكلامُ في النَّاسِ يَجبُ أن يكونَ بعلمٍ وعدل، لا بَجهلٍ وظلمٍ، كحالِ أهلِ البدع». [منهاج السنة 4/337]

المسألة التاسعة:

ينبغي أن تكون الردود والمناقشة لمن يُرجى رجوعه من المغترين بعلم وعدل وأن نبتعد في هذا الباب عن السخرية والاستهزاء ولغو الكلام مما لافائدة منه فإن الرد على المخالفين وبيان السنة من العبادات العظيمة التي ينبغي أن تتوفر فيها الإخلاص والمتابعة.

يقول القرافي رحمه الله: « أرباب البدع والتصانيف المضلة ينبغي أن يشهر في الناس فسادها وعيبها، وأنهم على غير الصواب، ليحذرها الناس الضعفاء فلا يقعوا فيها، وينفر عن تلك المفاسد ما أمكن، بشرط أن لا يتعدى فيها الصدق، ولا يفتري على أهلها من الفسوق والفواحش ما لم يفعلوه، بل يقتصر على ما فيهم من المنفرات خاصة ». [الفروق للقرافي (313/4)]

المسألة العاشرة:

الحرص على عدم الانشغال بهذه الوسائل عن تحصيل العلم وإتقانه، والخوض في باب المناقشات ممن يعلم ولا يعلم، بل من يتكلم في هذا الباب فيجب أن يتكلم بعلم. وأساس كل العلوم ومنها علم الجرح والتعديل هو العلم الشرعي.

قال العلامة الألباني رحمه الله: «الرد على أهل البدع لا يجوز إلا لمن كان عالمًا بالسنة من جه، والبدعة من جهة أخرى، لعلكم تذكرون معي حديث حذيفة بن اليمان في «الصحيحين» حين قال: (كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه).

وهذا كما قال الشاعر: عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه    ****   ومن لا يعرف الخير من الشر يقع فيه

فمن كان عالمًا بالخير والشر كحذيفة بن اليمان ، وكان بالتالي في هذا الزمان عارفًا بالسنة ، فيتبعها ويحض الناس عليها ، وعالمًا بالبدعة فيجتنبها ويحذر الناس منها ، هذا الشخص هو الذي يجوز له أن يجادل أهل البدعة أو المبتدعة».

وفقنا الله وإياكم لصلاح الأقوال والاعمال.

 

وكتبه/ محمد بن غالب العمري.