هدي النبي ﷺ مع القرآن


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد

إخواني الأفاضل من النعم العظيمة التي أنعم الله بها علينا إنزال القرآن الكريم قال سبحانه: " قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّه ِنُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَن ِاتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ "

فهو كتاب رباني احتوى على البيان والنور اللذان تحصل بهما الهداية لمن أراد سلوك الطريق الموصلة إلى الله سبحانه وتعالى.

أنزله الله جل وعلا على النبي محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام، ولقد اعتنى به نبينا صلى الله عليه وسلم عناية عظيمة، فنريد أن نسلط الضوء على هدي نبينا صلى الله عليه وسلم في التعامل مع كتاب الله لأنه هو الأسوة والقوة الحسنة الذي أمرنا باتباعه كما قال تعالى : " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا"

إخواني الأفاضل : لقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بتلاوة القرآن وترتيله في بداية النبوة وفي أول زمن البعثة وفي أوائل ما نزل من القرآن، فأول ما نزل من الآيات كما تعلمون قول الله سبحانه وتعالى : " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِيخَلَقَ " وهذا الأمر يشمل عموم القراءة إلا أن انصرافها للقرآن أولى وأقوى، ولذلك جاء الأمر في سورة المزمل وهي من أوائل ما نزل من القرآن بترتيل القرآن وتلاوته قال تعالى :" يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا "

وأمره ربه كذلك بتلاوة القرآن قال تعالى : " وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (91) وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَن ِاهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ "

فامثل صلى الله عليه وسلم الأمر وبادر إلى تلاوة كتاب ربه سبحانه وتعالى ، كما قال ابن القيم رحمه الله :" كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَائِمًا وَقَاعِدًا وَمُضْطَجِعًا وَمُتَوَضّئًا وَمُحْدِثًا وَلَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُ مِنْ قِرَاءَتِه ِإلّا الْجَنَابَةُ "

تعالوا ننظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم لنتعرف على هديه في تعامله مع كتاب ربه، فهو القدوة والأسوة لكل مسلم.

فمن هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع كتاب الله سبحانه وتعالى المداومة على تلاوته آناء الليل وأطراف النهار ، فكان يكثر من تلاوته في الصلاة خصوصا صلاة قيام الليل وكان يقول : "أفضل الصلاة طول القيام" وربما قرأ البقرة والنساء وآل عمران في ركعة واحدة.

ومن هديه صلى الله عليه وسلم في تلاوة القرآن الاستعاذة قبل القراءة ممتثلا قول الله تبارك وتعالى :"فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " فكان يقول :" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه" وكان أحيانا يقول :" أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم "

ومن هديه في التلاوة أن قِرَاءَتهُ كانت تَرْتِيلًا لَا هَذّا وَلَا عَجَلَةً بَلْ قِرَاءَةً مُفَسّرَةً حَرْفًا حَرْفًا .ممتثلا قولا الله سبحانه : " وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا " ، وَكَانَ يَقْطَعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً، فيقف على رؤوس الآي ولا يصلها بما بعدها ،وَكَانَ يَمُدّ عِنْدَ حُرُوفِ الْمَدّ فَيَمُدّ الرّحْمَنَ وَيَمُدّ الرّحِيمَ.

وتقول أم المؤمنين حفصة رصي الله عنها وهي تصف قراءته وصلاته: "كَانَ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِالسُّورَةِ فَيُرَتِّلُهَا حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا "

وَكَانَ يُحِب ّأَنْيَسْمَعَ الْقُرْآنَ مِنْ غَيْرِهِ وَأَمَرَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَرَأَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَسْمَعُ . وَخَشَعَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِسَمَاعِ الْقُرْآنِ مِنْهُ حَتّى ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ ، عن عبدِ اللهِ ابن مسعوِد قالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ  صلى الله عليه وسلم : «اقْرَأْ عَلَىَّ». قُلْتُ: آقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟! قَالَ:«نَعَمْ؛ فَإِنِّى أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِن ْغَيْرِى». قالَ : فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ {سُورَةَ النِّسَاءِ}،حَتَّى إذابَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}؛ قالَ لى: «أَمْسِكْ» (وفيروايةٍ: "حسْبُكَ الآن"، فالْتَفَتُّ إليهِ) , فإذا عَيْناهُ تَذْرِفانِ.

وربما مر بالقارئ يتلو القرآن فيقف يستمع إلى تلاوته (( لَوْ رَأَيْتَنِيْ وَأَنَا أَسْتَمِعُ قِرَاءَتَكَ الْبَارِحَةَ، لَقَدْ أُعْطِيْتَ مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاود َ)) . قُلْتُ: "أَمَا وَاللهِ يَارَسُولِ اللهِ، إِنْ أَعْلَمْ أَنَّكَ تَسْمَعُ قِرَاءَتِي لحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيْراً "

وكان صلى الله عليه وسلم يتدبر القرآن إذا تلاه أو سمعه

وربما قام الليل بآية واحدة {إِن ْتُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} .

وكان صلى الله عليه وسلم يتغنى بالقرآن ويحسن صوته به {التِّينِ والزَّيتونِ}. فـما سمِعتُ أحداً أحسَنَ صوْتاً منْه، أو قراءةً "

وكان يعجبه الصوب الحسن فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْه ِوَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ فَسَمِعَ قِرَاءَةَ رَجُلٍ، فَقَالَ: " مَنْ هَذَا؟ " قِيلَ: عَبْدُ اللهِ بْنُ قَيْسٍ، فَقَالَ: " لَقَدْ أُوتِيَ هَذَا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ "

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أنه لا يختم القرآن في أقل من ثلاث ليال "كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاثٍ  "

وربما قرأ السورة فيها سجدة فيسجد ويسجد من وراءه ، فعن ابنِ عُمَرَ قالَ: " كانَ النبيُّ  صلى الله عليه وسلم  يَقرأُ السورةَ التي فيها السجدةُ ونحنُ عندهُ، فيسجُدُ، ونسجدُ معَه، فنزدحمُ، حتى ما يجدُ أحدُنا لِجبهتهِ موْضعاً يسجُدُ عليهِ "

فعلينا أن نقبل على كتاب ربنا سبحانه وتعالى وأن نعطيه حقه من التلاوة والتدبر والعمل، ولا نكون من هجر تلاوته أو تدبره أو عمله.

وفقنا الله جميعا لما يحبه ويرضاه، وجعلنا من أهل القرآن وخاصته...