وصايا لأبنائنا الطلاب


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 

مع بدء العام الدراسي الجديد يتوافد أبناؤنا الطلبة إلى مدارسهم، وينتظمون في صفوفهم، متسلحين بالعزائم، طلاباً وبراعم، فأحببت أن أضع بين أيديهم هذه الوصايا الموجزة، لتكون لهم كالمصابيح، سائلاً الله تعالى أن ينفع بها، فأقول:

أيها الطالب المثابر استحضر قيمة العلم وشرَفه، ومكانة العالم كيف رفعه الله وشرَّفه، فالعلم يُلبسك ثوب الجمال، ويزيّنك بجميل الخصال، ولن تزال في رقي ورفعة ما دام العلم رفيقك، والاجتهاد طريقك، والتفوق هدفك، والتخرج بامتياز غايتك، والعلم خيرٌ من المال، لأن العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والعلماء ورثة الأنبياء، وهم في الأرض كالنجوم في السماء.

ومن فضائل العلم أنَّ شهادة أهله مقرونة بشهادة الله تعالى وملائكته في قوله سبحانه: {شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم}، فانظر كيف بدأ الله تعالى بنفسه، وثنَّى بملائكته، وثلَّث بأهل العلم، لعظيم شرفهم، وعلو منزلتهم.

فيا ولدي الطالب ابذل وسعك لبلوغ هذه المنزلة الرفيعة، واغتنم عامك الدراسي الجديد من أوله، ليكون عاماً متميزاً، وكن مثابراً مبادراً، ولا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، وهذه حكمة شهيرة، ولتطبيقها فوائد كثيرة، فاستذكر دروسك أولاً بأول، وأدّ واجباتك دون تأخير، ولا تجعل الدروس تتراكم عليك، فيفوتك قطار التعلم.

وقد تدركه بعد ذلك وقد لا تدركه، وتذكّر أن من كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة، ومن جَدَّ وجد، ومن زرع حصد، وأنت إذا بذرت اليوم بذرة، وأوليتها العناية والرعاية، فستصبح غداً شجرة مورقة، وافرة الأغصان والثمار.

ومستقبلك كهذه الشجرة، إن أنت غرست بذورها وسقيتها الآن بالتعلم والتفوق أصبحت غداً شجرة بل شجرات وبساتين، وإن أنت أهملت ولم تبذر فكيف لشجرة أن تنمو من فراغ، وكيف لصحراء قاحلة أن تتحول يا ولدي إلى جنة خضراء دون بذل الأسباب، فاعمل ليكون مستقبلك جنة خضراء، وابدأ زراعتها من الآن وأنت في أيامك الأولى على مقاعد الدراسة.

واعلم يا ولدي الطالب أن الشيطان يحرص على أن يُضعف همتك، ويجعلك في مؤخرة الركب، وقد يوهمك أنك ضعيف، وأنه لا مكان لك بين المتفوقين، فاعلم أن كلامه مجرد وهم، لا أساس له من الواقع، فقد وهبك الله القدرة، وأعطاك الإرادة، فلا تقل لا أستطيع، بل اكسر هذا الحاجز، واعلم بأن الإرادة سر النجاح.

وقَدْرُ الرجل على قَدْرِ همّته، وفي أعماقك طاقات كامنة، فاغتنمها لتكون مبدعاً، وتبني لك مستقبلاً مشرقاً، وثق بالله تعالى، فالإمكاناتُ تُكتسَب بالمثابرة، والفهمُ يتوقَّد بالتركيز والمراجعة، والحفظُ يقوى بالتدرب والممارسة، ومن سبقك بالأمس تستطيع أن تسبقه اليوم، بل أن تكون في مقدمة الركب، فإياك أن تلتفت وراءك، بل اجتهد فيما أمامك.

ومما يعينك على ذلك يا ولدي الطالب أن ترتّب أمورك في المدرسة وخارجها، ففي الصف كن حاضر القلب، صافي الذهن، ولا تجعل الشرود يواتيك، فيخطفك من الدرس، ويغيب عنك الشرح، وكلما أعطيت الحصة الدراسية حقها ارتقيت في الحاضر والمستقبل، وسَهُل عليك حفظ المعلومات، وحلّ الواجبات، والنجاح في الامتحانات.

وكذلك رتّب أمورك خارج المدرسة، فأعط المذاكرة في المنزل حقها، واجعلها لك كالهواية الجميلة، لينقلب التعب إلى متعة، واعتبر كتابك الدراسي كالصديق الحميم، وإذا غلبك الملل فاستحضر حلاوة النجاح، فيكون ذلك لك كالدواء، فتزداد همتك، وإذا أرخى الليل سدوله فاترك السهر، ونم مبكراً لتستيقظ نشيطاً، وتذهب إلى مدرستك مستجمع القوى.

واحرص يا ولدي الطالب في مدرستك على توقير معلميك، وأنزل نفسك منهم منزلة المتعلم قلباً وقالباً، وصورة وحقيقة.

وذلك لا يكون إلا بأن تعرف لهم فضلهم، وتحفظ لهم قدرهم، كيف لا وأنت تتلقى منهم أثمن العطايا، وأنفع الهدايا، إذْ يمدونك بمصابيح العلم، ومفاتيح الفهم، فتستنير في سَيرك، وتهتدي في طريقك، فلا تقع في حفرة الجهل فتردى، ولا تضل الطريق فتشقى، ومن تواضع لمعلميه بارك الله له في علمه، وزاده منه نصيباً وافراً، وفتح له من الخير أبواباً كثيرة، وربنا سبحانه يقول:

{واتقوا الله ويعلمكم الله}، والتقوى أن تكون لربك مطيعاً، ولعباده محسناً، وقال تعالى: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان}، واحرص يا ولدي على أن تعامل زملاءك أفضل معاملة، فأنتم جميعاً أبناء سفينة واحدة، فكونوا خير قدوة في التآخي، وابنوا من القيم المثلى صفاً مثالياً، وصرحاً أخلاقياً، وكونوا مضرب المثل في جمال أخلاقكم، ونبل سلوككم، فنبيُّنا صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق».

وتذكر يا ولدي الطالب أنك موضع أمل أسرتك، وثروةٌ لوطنك، فكن عند حسن الظن بك، واجعل لنفسك أسمى الأهداف والغايات، فأنت تتعلم لترتقي، وتنفع أسرتك، وتبني وطنك، وتكون خير سند لقيادتك ودولتك، فأهدافك سامية، وهمتك عالية، والشاعر يقول: «على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ».

ودور الأسرة كبير في توفير الأجواء المناسبة لأبنائها، وإعانتهم على دروسهم وواجباتهم، وتزويدهم بدفعات الأمل ودفقات التفاؤل، ليشقوا طريقهم بجدارة، ويحققوا النجاح بامتياز، فيكونوا موضع فخر واعتزاز.

نسأل الله أن يوفق أبناءنا جميعاً لكل خير وسداد وتوفيق ونجاح.