وقفات مهمة مع التحالف الإسلامي العسكري «1»


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

أضحى الإرهاب اليوم، كما لا يخفى على أحد، ورماً سرطانيًّا يهدد الأمن والسلام والاستقرار في شتى بقاع العالم، على أيدي تنظيمات إرهابية وحشية لا تجيد سوى لغة العنف والقتل ولا تعرف سوى ثقافة القهر والاستبداد والطغيان، وذلك تحت شعارات براقة زائفة واهية، تحاول من خلالها أن تبرر لنفسها وللمغترين بها إجرامها الذي لا يبرر، مع ما يصحب ذلك من عمليات غسل أدمغة في الفضاء الإلكتروني لاجتذاب واستقطاب هواة القتل وأصحاب النفوس المريضة وأصحاب العواطف الهوجاء البعيدة عن الدين والعقل.

والتخطيط في الدهاليز المظلمة لعمليات إجرامية تهدف في محصلتها إلى إحداث أكبر قدر من الضرر في سائر الدول والمجتمعات بدون استثناء، سواء على مستوى الجناية على الإنسان وهدر كرامته وحقه في الحياة أو على أي مستوى تدميري آخر مهما كانت دناءته، ممزوجا بحراك إعلامي مكثف من قبل هذه التنظيمات لتحقيق هذه الأغراض المشينة.

إن هذه الحقيقة التي سردتها لا تخفى على أحد اليوم، فالعالم بمختلف دوله وشعوبه في نظر «داعش» أعداء يجب القضاء عليهم والفتك بهم، سواء العالم العربي أو الإسلامي أو الدولي، فالكل مستهدف، غير أنني أقول هنا: إن هناك حقيقة أخرى عن هذا التنظيم المجرم، أعلن عنها الإرهابيون صراحة وروَّجوها في منشوراتهم وغرسوها في عقول أتباعهم، هذه الحقيقة تكمن في أن العالم الإسلامي على وجه التحديد هو هدفهم الأساس ووجهتهم الأولى في عمليات التخريب والتدمير والإرهاب، وواقع إجرامهم في كثير من مناطق العالم الإسلامي شاهد على ذلك، وقد يستغرب البعض سر هذا الحقد الأسود المتأجج.

وهذا ليس بغريب في الحقيقة حينما نعلم ما يحمله هؤلاء من أفكار تكفيرية ظلامية مهلكة، فهم يبررون لأتباعهم استهداف العالم الإسلامي على وجه الخصوص بأنه ديار كفر، وأن كفر من فيه - في نظرهم - كفر ردّة، وكفر غيرهم كفر أصلي، والمرتدون أولى بالقتال والفتك، وبلادهم أَولى بأن يخرِّبوا فيها ويفسدوا أمنها وأمانها، والمرتد عندهم كل من خالفهم ولم ينضم إليهم، ما يبيّن للجميع أن أكبر متضرر وأول مستهدف من قبل تنظيم «داعش» هو العالم الإسلامي دولا وشعوبا.

وإيمانا بخطر هذه الآفة الفتاكة، وضرورة التنسيق المشترك للقضاء عليها، أعلنت المملكة العربية السعودية في خطوة تاريخية رائدة عن إنشاء تحالف إسلامي عسكري، بمشاركة 34 دولة تمثل أغلبية دول العالم العربي والإسلامي، بهدف تنسيق وتوحيد الجهود لمكافحة الإرهاب والقضاء عليه على نطاق واسع، وقد لاقى هذا التحالف التاريخي ترحيبا وتأييدا إقليميا ودوليا كبيرا.

إن مثل هذه الخطوة التاريخية تمثل ضرورة قصوى، وخاصة في هذه المرحلة، فالخطر الكبير الذي يحدق بالعالم ككل وبالعالم الإسلامي على وجه التحديد والمتمثل في جماعات الإرهاب المسلح لا يمكن اجتثاثه والقضاء عليه إلا عبر جهود منسقة وشراكات فاعلة متينة على أعلى المستويات، ولا مناص من استعمال الحزم والقوة كضرورة ملحة عبر التكاتف الأمني والاستخباراتي والعسكري بين الدول لمجابهة ووأد هذا الإرهاب المسلح الذي تمارسه التنظيمات المتطرفة ضد الدول والشعوب، فلا يفلُّ الحديد إلا الحديد.

سيما وأن «داعش» أضحى أفعى قاتلة تحاول أن تضع بيضها في أماكن شتى لتفرخ هنا وهناك عن أفاع سامة تسعى لنفث سمومها في جسد الأمة والفتك بها، ما يتطلب تنسيق الجهود وحشد الطاقات الإسلامية للقضاء على هذه الأفاعي السامة في مختلف الأماكن عبر عمليات تطهير شاملة، وهذا ما يسعى إليه التحالف الإسلامي العسكري المعلن عنه، والذي يهدف أيضا إلى جانب العمل الأمني والعسكري إلى المعالجة الفكرية والإعلامية لظاهرة الإرهاب والتطرف.

وما يؤكد أهمية هذا التحالف الإسلامي، الذي يجمع أغلبية الدول الإسلامية، أن الإرهابيين يمارسون أعمالهم الوحشية وجرائمهم الشنيعة تحت ستار الإسلام، وذلك بقلب مفاهيمه وتحريف تصوراته ومحاولة خداع الناس وتوهيمهم بأن ما يقومون به هو من تعاليم الإسلام، في متاجرة رخيصة منهم بالدين لتحقيق أغراضهم الدنيئة، وقد اتُّخذت ممارساتهم الهمجية ذريعة لتشويه صورة الإسلام وتأجيج روح العداء ضد المسلمين.

والإسلام بريء من أفاعيل المتطرفين النكراء، وتعاليم الإسلام الناصعة تحرِّم منكراتهم وتجرِّمها، وإن التحالف الإسلامي رسالة مباشرة وصريحة إلى العالم أجمع بأن المسلمين يرفضون الإرهاب، بل يتصدون له، وأن الإرهابيين في نظر المسلمين مفسدون في الأرض، وأن إفسادهم ضد تعاليم الإسلام وضد مصالح المسلمين.

وإن دولة الإمارات أبدت ترحيبها المستمر بالجهود المتنوعة التي ترمي إلى القضاء على الإرهاب، وترجمت ذلك في مواقف ملموسة على أرض الواقع، فهي جزء من التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وعضو في التحالف الإسلامي العسكري للقضاء على هذا الداء، كما أنها حرصت في مختلف المحافل على توحيد جهود المسلمين ورص صفوفهم وتقديم المبادرات والمقترحات التي تخدم هذا الجانب.

ومن ذلك على سبيل المثال مشروع ميثاق العمل البرلماني الإسلامي في مكافحة الإرهاب، والذي تقدمت به دولة الإمارات إلى منظمة التعاون الإسلامي، ولاقى موافقة اللجنة التنفيذية لاتحاد مجالس الدول الأعضاء، وهو ما يعكس إيمان قيادتنا الرشيدة الراسخ بأهمية التعاون وضرورة تنسيق الجهود لمواجهة التحديات والتغلب عليها، وبالأخص فيما يتعلق بظاهرة الإرهاب والتطرف.