الإخوان وسرقة الولاء


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

لم يفسد حزب باسم الدين في التاريخ المعاصر كما أفسد الإخوان، بسبب نوعية أفكارهم الانغلاقية المتشددة، وطريقة منهجهم الحركي، القائم على التوغل في المجتمع، وتكوين دويلة سرية داخل جسد الدولة، إليها يُصرف الولاء، ومن أجلها يُعمل ويُضحى، وهي أشبه بورم سرطاني خبيث، يسعى للتفشي في جسد الدول، لابتلاعها بالكامل، وإحلال الولاء للتنظيم عوضاً عن الولاء والانتماء للدولة والقيادة والمجتمع.

وتحقيقاً لأهدافهم عمل الإخوان على كسر روح الولاء للوطن والانتماء للمجتمع، والانحراف عن جادة الأفكار المستنيرة التي ترسخ قيم الولاء الوطني والانتماء المجتمعي ومبادئ التراحم والتلاحم، مستبدلين بذلك كله الولاء لتنظيمهم، والانتماء لتكتلهم، والتعصب لأفكارهم، والعمل على خداع البسطاء والمتحمسين، لكسب تعاطفهم، ثم سرقة ولائهم، ليكون خالصاً للتنظيم، فيصبحوا كالدمى يحركونهم كيفما شاؤوا.

ومن وسائل الإخوان في سرقة الولاء تأجيج مشاعر الحقد والكراهية تجاه المجتمع والقيادة، وتشويه الدولة، والتنفير منها، واستخدام سلاح التكفير، بوصف المجتمع بالجاهلية، والدولة بالكفر، واستخدام سلاح التفسيق ضد المجتمع والدولة، واستغلال أي واقعة لغرس هذه القناعة لدى العضو، وهو ما يعني وضع حواجز نفسية تنفر الشخص من مجتمعه ودولته، واستخدام سلاح الإشاعات، ووسائل الدعاية المضللة، وإباحة الكذب الصراح للتشويه والتنفير لنزع الولاء بدعوى أن الحرب خدعة.

وفي المقابل إيهام الأتباع أن الولاء للتنظيم هو الولاء للقيادة المؤمنة، والعصبة المسلمة، فالقيادة المؤمنة بزعمهم هي قيادة التنظيم، والعصبة المسلمة هم أعضاء التنظيم، ويقابل ذلك الولاء للقيادة الجاهلية والمجتمع الجاهلي، ويصرح سيد قطب بأن التجمع العضوي الحركي «يقوم الولاء لقيادته مقام الولاء للقيادة الجاهلية، ويقوم الولاء فيه للمجتمع الجديد مقام كل ولاء سابق».

وهذا الطرح المتطرف الذي يقوم على سرقة الولاء والأفكار التكفيرية قامت عليه جميع التنظيمات الإرهابية لاحقاً، كالقاعدة وداعش، وظهر واضحاً في خطابات بن لادن، الذي قسم العالم الإسلامي إلى فسطاطين: فسطاط إيمان يجب موالاته، ويشمل الإرهابيين، وفسطاط كفر يجب التبرؤ منه، ويشمل سائر المسلمين، وهذا المعتقد الفاسد والفكر الضال يصادم تعاليم الإسلام الحنيف، ففي الحديث الشريف: «من رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله»، فجعل النبي عليه السلام حرمة تكفير المسلم كحرمة قتله، لشناعة جرم التكفير، ولأن التكفير باب لاستباحة الدماء وإزهاق الأنفس، وقال النبي عليه السلام محذراً من الأفكار الانعزالية والانشقاق عن المجتمع بتنظيمات سرية أو غيرها: «ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية»، والجماعة هم المجتمعون تحت راية الحاكم، والتنظيمات المفارقة لهذه الجماعة ليست لهم شرعية، وحذَّر النبي عليه السلام من الراية العُمِّيَّة، وهي كناية عن جماعة مجتمعين على جهالة، يدعون الناس إليها، ويقاتلون لها.

يُعتبر التنظيم الحركي الذي يتكتل حوله الإخوان من ضروريات منهجهم، وكذلك السمع والطاعة لقيادة التنظيم، وتقديم الولاء والبيعة للمرشد والقيادات، ويتلاعب بعض الإخوان بالألفاظ، فيدعون أنه ليست عندهم بيعة وإنما عهد، والواقع أنه لا فرق، فالنتيجة واحدة، وهي الولاء للتنظيم والانقياد له بتنفيذ الأوامر على طريقة الجندية التامة التي عبَّر عنها حسن البنا.

ويعمل كل فرع من فروع الإخوان على تغذية التنظيم بالكوادر البشرية، لتوسيع دائرة تمدده، عبر اختيارات مدروسة، وخطوات متدرجة، تهدف إلى أن يصبح الفرد ذا ولاء تام للتنظيم، يسير على مبدأ «الولاء للتنظيم مقدم على كل شيء».

وقد يضطر فرع من فروع الإخوان في بلد ما إلى حل التنظيم ظاهرياً، أو فك ارتباطه بالتنظيم الدولي، ولكن هل انتهى الخطر بذلك؟ الواقع أنه لم ينته، فالمشكلة هي في أفكار الإخوان نفسها، التي تفرض وجود التنظيم وإن تم حله اضطراراً في مرحلة ما، وتدعو لإسقاط الحكام وإن تمت مداهنتهم في مرحلة ما، وتعمل على تجنيد الأفراد، وسرقة ولائهم لصالح فكر الإخوان ومنهجهم.

ومن وسائل الإخوان في سرقة ولاء الأفراد عزلهم نفسياً عن المجتمع، وهو ما يسمى عندهم بالعزلة الشعورية، بحيث يصبح الفرد في مجتمعه مجرد جسد يتحرك لتحقيق مصالح وأغراض، فجسده في المجتمع، وقلبه مع التنظيم، ويهدفون من ذلك إلى إماتة المشاعر الإيجابية لدى الفرد تجاه من حوله، وتغذيته بالمشاعر السلبية، ليصبح بكليَّته تابعاً للتنظيم، كما يهدفون أيضاً إلى عزل الفرد عن أي أفكار تخالف منهجهم.

ويوازي هذا المنهج الانعزالي الذي يقيم الحواجز الحديدية على فكر الإنسان تقديس الفكر الإخواني، وتربية الفرد على الإيمان المطلق به، وتأمل هذا الغلو على لسان حسن البنا مخاطباً أتباعه: «إنكم العقل الجديد الذي يريد الله أن يفرق به بين الحق والباطل، وإنكم صلة الأرض بالسماء، فَضُلَت دعوتكم الدعوات، وسمت غايتكم على الغايات، وأخذتم بنور مبين والناس ضلوا سواء السبيل»، وقال أيضاً: «لا خير إلا في طريقكم، ولا صواب إلا فيما تعملون».

وهكذا يُسلب الشخص تفكيره المستقل، ويصبح أسير فكر الإخوان، مكبلاً بأغلال التعصب والتبعية العمياء، ممنوعاً عن توجيه أي نقد أو اعتراض، يجب عليه ألا يعترض لئلا يطرد.

إن مكافحة مثل هذه الأفكار تتطلب تعزيز التلاحم المجتمعي، وغرس قيم الانتماء للوطن، والتحلي بروح المواطنة الصالحة، وتوطيد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ونشر الثقافة المعتدلة، والتحذير من الأجندات الدخيلة، والتنظيمات السرية، والأفكار المتطرفة، وعدم الاغترار بألاعيب الإخوان، فإن منهجهم يدينهم، وإن غيَّروا تكتيكاتهم وخططهم.