صفةُ النَّارِ وأهلِها


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

  إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعدُ:

مقدمــة:

       النارُ هي الدارُ التي أعدَّها الله للكافرين به، وهي الخزيُ الأكبر، والخسرانُ العظيم، قال الله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}[آل عمران:192].

والنار مخلوقةٌ، لا تفنى ولا تبيد، وهي موجودةٌ الآن، أُعدَّت للكافرين، قال شارح الطحاوية: (اتفقّ أهلُ السُنة على أن الجنة والنار مخلوقتان، موجودتان الآن).

وفي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي رَأَيْتُ الجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ عُنْقُودًا، وَلَوْ أَصَبْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا، وَأُرِيتُ النَّارَ، فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَاليَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ)([1]).

وفي الموطأ والسنن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  (إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَيْرٌ يَعْلَقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ)([2]).

يقوم على النار ملائكةٌ خلقُهم عظيمٌ، لا يعصون الله ما أمرهُم ويفعلون ما يؤمرون، قال الله تعالى: {نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ}[التحريم:6].

صفة النار:

موقع النار الآن: لا يعلمه إلا الله، وهذا القول أرجح الأقوال لعدم وجود الدليل.

 

سعةُ النارِ:

واسعةٌ ضخمة، بعيدٌ قعرها، تستوعب النار أعداداً هائلة من الكفرةِ المجرمين، ويبقى فيها متَّسعٌ لغيرهم.

عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: (لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ)([3]).

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَدْرُونَ مَا هَذَا؟» قَالَ: قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الْآنَ)([4]).

قال الله تعالى: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ}[الفجر:23]، وقال صلى الله عليه وسلم: (يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا)([5])، فالنار ضخمة وواسعة ومتفاوتة في شدة حرِّها، فليست درجة واحدة، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار.

أبواب جهنم:

قال تعالى: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ}[الحجر43 :44].

 

وقود النار:

قال تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}[البقرة:24]، وقال تعالى: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[التحريم:6]، وقال تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ}[الأنبياء:98].

جهنُم حرّهاَ شديد: {نَارٌ حَامِيَةٌ}{تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ}{وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ}، إنها تأكلُ كلَّ شيءٍ، وتدمَّرُ كلَّ شيءٍ، قال تعالى: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا}[الإسراء:97]، فالكفار لا يجدون طعم الراحة {فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ}[البقرة:86].

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ ابْنُ آدَمَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا، مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ)([6])، بل من شدَّة حرَّها يأكل بعضُها بعضاً كما صحَّ في الحديث: (اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ)([7]).

 

أهلُ النيرانِ وجرائمهم:

أهلُها المخلَّدون فيها: لا يرحلون، ولا يبيدون، وهم الكفرةُ والمشركون والمنافقون، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا}[فاطر:36].

أما مَن ذكروا بأسمائهم أنهم في النار فمنهم:  

o  فرعون: قال الله تعالى: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ}[هود:98].

o  امرأة نوح وامرأة لوط: قال الله تعالى: {وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ}[التحريم:10].

o  أبو لهب وامرأتُه: قال الله تعالى: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}[المسد3 :4]، وغيرهم.

الذين يدخلون النار ولا يخلدون في النار:

هم أهلُ التوحيد: لهم ذنوبٌ كثيرةٌ فاقت حسناتهم، فخفَّت موازينُهم، فهؤلاء يدخلون النار إذا شاء ربنا تبارك وتعالى، ثم يخرجون بشفاعةٍ الشافعين، ويُخرِج اللهُ برحمتِه أقواماً لم يعملوا خيراً قط.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُعَذَّبُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ فِي النَّارِ حَتَّى يَكُونُوا فِيهَا حُمَمًا ثُمَّ تُدْرِكُهُمُ الرَّحْمَةُ فَيُخْرَجُونَ وَيُطْرَحُونَ عَلَى أَبْوَابِ الجَنَّةِ)([8]).

 

الذنوبُ المتوعَّدُ عليها بالنار: ولا يُخلَّدُ أصحابُها في النار.

فمنهم:

     1- الفِرَقُ المُخالِفةُ للسنِّة: لحديث الفرقة الناجية: (كُلُّهَا فِي النَّارِ، إِلَّا وَاحِدَةً)([9]).

     2- الجائِرونَ في الحُكمِ: في سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ، فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ)([10]).

   3- الكذبُ على الرسول صلى الله عليه وسلم:  ففي الصحيحين عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  (لَا تَكْذِبُوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ يكَذِبَ عَلَيَّ يَلِجِ النَّارَ)([11]).

   4- الكبرُ: في صحيح مسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ)([12]).

وقال صلى الله عليه وسلم: (يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ)([13]).

       5- قتلُ النفس بغيرِ حقٍ: قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا}[النساء:93].

     6- أكلُ الربا: قال الله تعالى:  {وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة:275].

    7- أكلُ أموالِ الناسِ بالباطل، وخاصة اليتيم: قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}[النساء 29 :30].

      وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}[النساء:10].

        8- الكاسياتُ العاريات: للحديث الآتي.

  9- والذين يجلدون ظهور الناس ظلماً: لما رواه مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال:  (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ)([14]).

وقال رسول لله  صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَشَدُّهُمْ عَذَابًا لِلنَّاسِ فِي الدُّنْيَا)([15]).

  10- ومن الذنوب المتوعَّدِ عليها بالنار، الذين يعذبون الحيوان: في صحيح مسلم عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عُرِضَتْ عَلَيَّ النَّارُ، فَرَأَيْتُ فِيهَا امْرَأَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ تُعَذَّبُ فِي هِرَّةٍ لَهَا، رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا، وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ)([16]).

وفي سنن النسائي عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ مَثَّلَ بِالْحَيَوَانِ)([17]).

  11-  عدمُ الإخلاص في طلب العلم: عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ، وَلَا لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ، وَلَا تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ)([18]).

  12- الانتحار: في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: (مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا)([19]).

 13-  اقتطاعُ حقِّ المسلم: في صحيح مسلم عن أبي أُمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ)([20]).

  14- أكلُ المالِ الحرام: لحديث: (كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ)([21]).

   15-    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ)([22])، وأوله (مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ).

    16- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا، وَأُذُنَانِ يَسْمَعُ بِهِمَا، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ، فَيَقُولُ: إِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلَاثَةٍ: بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وَبِكُلِّ مَنِ ادَّعَى مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ، وَالْمُصَوِّرِينَ)([23]).

 17-  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُجَاءُ بِرَجُلٍ فَيُطْرَحُ فِي النَّارِ، فَيَطْحَنُ فِيهَا كَطَحْنِ الحِمَارِ بِرَحَاهُ، فَيُطِيفُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلاَنُ، أَلَسْتَ كُنْتَ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: إِنِّي كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ أَفْعَلُهُ، وَأَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ وَأَفْعَلُهُ)([24]).

  كثرة أهل النار:

يدخلُ النار من كل ألفٍ تسعمائة وتسعة وتسعون.

في صحيح البخاري عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: " يَا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟، قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا)([25]).

وأكثرهم من النساء، لماذا؟: في الصحيحين: عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ» فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ العَشِيرَ)([26]).

طعام أهل النار وشرابهُم:

طعامهم الضريعُ والزقّوم، وهو الشوك، وهذا الطعام الذي يأكُلُه أهلُ النار لا يفيدُهُم، فلا يجدون له لذَّة، ولا تنتفع به أجسادُهُم، فأكلُهُم له نوعٌ من أنواع العذاب، ويغصُّون به، وشرابُهُم الحميمُ والغِسلينُ والغسَّاقُ، وهما ما سال من جلود أهل النار من القِيح والصديد، قال الله تعالى: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ}[الدخان43 :46].

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قُطِرَتْ فِي دَارِ الدُّنْيَا لأَفْسَدَتْ عَلَى أَهْلِ الدُّنْيَا مَعَايِشَهُمْ، فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامَهُ؟)([27]).

وقال الله تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}[محمد:15].

وقال الله تعالى: {إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا * وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا}[المزمل12 :13].

وقال الله تعالى: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ}[ص:57].

عذابُ أهلِ النار:

النارُ عذابُها شديدٌ وأليمٌ، حتى أنَّ أهلَها ينسون نعيم الدنيا:

في صحيح مسلم: عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ)([28]).

      إنّ شدَّة النار تُفقدُ الإنسانَ صوابه، وتجعله يجود بكل أحبابه لينجو من النار، قال الله تعالى: {يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ * وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ * كَلَّا إِنَّهَا لَظَى}[المعارج11 :15].

  بل إنهم يبكون حتى تنقطع الدموع:  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يُرْسَلُ الْبُكَاءُ عَلَى أَهْلِ النَّارِ، فَيَبْكُونَ حَتَّى يَنْقَطِعَ الدُّمُوعُ، ثُمَّ يَبْكُونَ الدَّمَ حَتَّى يَصِيرَ فِي وُجُوهِهِمْ كَهَيْئَةِ الْأُخْدُودِ، لَوْ أُرْسِلَتْ فِيهَا السُّفُنُ لَجَرَتْ)([29]).

صور من عذابهم:

في صحيح البخاري: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم:  (إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ رَجُلٌ، عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ، يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي المِرْجَلُ وَالقُمْقُمُ)([30]).

النارُ تحرقُ الجلود:

قال الله تعالى: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ}[النساء:56].

       وقال تعالى: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ}[الحج19 :20].

وقال تعالى: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ}[الأحزاب:66].

وقال تعالى: {يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ}[العنكبوت:55].

 

وأعدَّ اللهُ لأهل النار في النار سلاسل وأغلالاً وقيوداً ومطارق:

قال تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالًا وَسَعِيرًا}[الإنسان:4].

قال تعالى: {إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ}[غافر:71].

وقال تعالى: {وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ}[الحج:21].

ومن شدَّة آلامهم يندمون أشدَّ الندم ويصرخون وينادون ولكن لا يفيدهم ذلك:

قال تعالى: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}[فاطر:37].

وأخيراً يتمنَّون الموت:

قال تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}[الزخرف:77].

بل إن الموت يُذبحُ ذلك اليوم:  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِذَا صَارَ أَهْلُ الجَنَّةِ إِلَى الجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ إِلَى النَّارِ، جِيءَ بِالْمَوْتِ حَتَّى يُجْعَلَ بَيْنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ يُذْبَحُ، ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ لاَ مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ لاَ مَوْتَ، فَيَزْدَادُ أَهْلُ الجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فَرَحِهِمْ، وَيَزْدَادُ أَهْلُ النَّارِ حُزْنًا إِلَى حُزْنِهِمْ)([31]).

ما الذي يُنجي من عذابِ النار ؟

الجواب: الإيمانُ والعملُ الصالحُ، والإخلاصُ، وفي الحديث الصحيح: (مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَلْيَفْعَلْ)([32]).

والمحافظةُ على الإيمان، بالابتعاد عن نواقضه ومبطلاته، والتوبة الدائمةُ من كلَّ الذنوب صغيرِها وكبيرِها، والإكثار من الاستغفار، والخوف من الله، ومراقبته سبحانه في السرَّ والعَلَن، والاستجارةُ به من النار، (اللَّهُم أَجِرنا مِن النارِ) {رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ}[الفرقان:65].

قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: (وَلَا اسْتَجَارَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ اللهَ مِنَ النَّارِ ثَلَاثًا، إِلَّا قَالَتِ النَّارُ: اللهُمَّ أَجِرْهُ)([33]).

وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الجَنَّةَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قَالَتِ الجَنَّةُ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وَمَنْ اسْتَجَارَ مِنَ النَّارِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قَالَتِ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنَ النَّارِ)([34])، والاستعاذة من النار دائماً (اللهم إني أعوذ بك من النار).

هذا ما تيسَّر جمعه فيما يتعلق بوصف النار وما فيها

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

 

 


 

([1]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (1052)، واللفظ له، ومسلم برقم (907).

([2]) موطأ مالك برقم (49).

([3]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (6661)، ومسلم برقم (2848)، واللفظ له.

([4]) صحيح مسلم برقم (2844).

([5]) صحيح مسلم برقم (2842).

([6]) صحيح مسلم برقم (2843).

([7]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (3260)، واللفظ له، ومسلم برقم (617).

([8]) سنن الترمذي برقم (2597) وهو في صحيح الجامع برقم (8103)

([9]) سنن ابن ماجه برقم (3993).

([10]) سنن أبي داود برقم (3573).

([11]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (106)، وسلم برقم  (1)، واللفظ له.

([12]) صحيح مسلم برقم (91).

([13]) سنن الترمذي برقم (2492).

([14]) صحيح مسلم برقم (2128).

([15]) مسند أبو داود الطيالسي برقم (1253)، وهو في صحيح الجامع برقم (998).

([16]) صحيح مسلم برقم (904).

([17]) صحيح سنن النسائي (4139).

([18]) سنن ابن ماجه برقم (254)، وابن حبان والبيهقي، وهو في صحيح الجامع برقم (7370).

([19]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (5778)، ومسلم برقم (109)، واللفظ له.

([20]) صحيح مسلم برقم (137).

([21]) حلية الأولياء لأبي نُعيم (1/ 31)، وهو في صحيح الجامع برقم (4519).

([22]) سنن أبي داود برقم (3597).

([23]) مسند أحمد برقم (8430)، وهو في صحيح الجامع برقم (8051).

([24]) صحيح البخاري برقم (7098).

([25]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (3348)، واللفظ له، ومسلم برقم (222).

([26]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (304)، ومسلم برقم (79).

([27]) سنن الترمذي برقم (2585)، وهو في صحيح الجامع برقم (5250).

([28]) صحيح ملم برقم (2807).

([29]) سنن ابن ماجه برقم (4324)، وهو في صحيح الجامع برقم (8083).

([30]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (6562)، واللفظ له، ومسلم برقم (213).

([31]) متفق عليه: رواه البخاري برقم (6548)، ومسلم برقم (2850).

([32]) صحيح مسلم برقم (1016).

([33]) مسند أحمد برقم (12439)، وهو في صحيح الجامع برقم (5630).

([34]) سنن الترمذي برقم (2572)، وهو في صحيح الجامع برقم (6275).