نور السنة وظلمات البدعة


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :

مقدمــة

فلا شك أن السُنّة هي الحياة والنور اللذان بهما سعادة العبد وهداه ، وصاحب السنة حيُّ القلب لأنه انقاد لأمر الله واتبع رسول الله ظاهراً وباطناً ، أما صاحب البدعة فهو مُظلم القلب وأحواله كلها مظلمة لأنه خالف هديَ النبي صلى الله عليه وسلم . فمن أراد الله له السعادة أخرجه من ظلمات البدعة إلى نور السنّة ومن تمسك بالسنة ظاهراً وباطناً سلّمه الله من ظلمات البدعة وآثارها . قال عبد الله بن منازل رحمه الله ( لم يبُتل أحدٌ بتضييع السنن إلا يوشك أن يُبتلى بالبدع ) [1]

أما أهم مسائل البحث فهي :

1- مفهوم السُنّة ومفهوم البدعة

2- مـدح السنة وذم البدعة             

3- منزلة صاحب السُنة ومنزلة صاحب البدعة    

4- حكم السُنة وحكم البدعة         

5- أثار السُنة وأثار البدعة على أصحابها  

6- خاتمــة البحث

 

1-  مفهوم السنة ومفهوم البدعة .

السنة هي: الهدي الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه : علماً واعتقاداً وقولاً وعملاً ، وهي السُنة التي يجب اتباعها . قال ابن رجب رحمه الله :( والسنة هي الطريقة المسلوكة ، فيشمل ذلك التمسك بما كان عليه صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون من الاعتقادات والأعمال والأقوال ، وهذه هي السنة الكاملة ) [2]

وقال ابن تيمية رحمه الله: ( السنة هي اّتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطناً وظاهراً واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ).[3]

أما البدعة فهي: طريقة في الدين مُخترعة تضاهي الشريعة ، يُقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه . قاله الشاطبي رحمه الله في الاعتصام (1/53) وقال ابن تيمية رحمه الله ( البدعة في الدين هي ما لم يُشرعه الله ورسوله وهو ما لم يأمر به أمر إيجاب ولا استحباب ) [4]وقال أيضاً (18/346) ( والبدعة ما خالف الكتاب والسنة أو إجماع سلف الأمة من الاعتقادات والعبادات )

2-  مدح السُنّة وذم البدعة :

السنة نعمة مطلقة أمرنا الله بها وجعلها سبيلاً للسعادة في الدنيا والآخرة ، وهي حصن حصين مَنْ دخله كان آمناً ، تُبيّض وجود أصحابها يوم القيامة ، يوم تبيض وجوه وتَسّود وجوه . قال ابن عباس رضي الله عنهما( تبيض وجوه أهل السنة وتسودُّ وجوه أهل البدعة والتفرق )[5]. والسنة هي الحياة والنور اللذان بهما سعادة العبد وهداه وفوزه . وقد جاء مدح السنة في آيات وأحاديث كثيرة يأتي بعضها قريباً .

أما البدعة ، فقد جاء ذمّها أيضاً في نصوص كثيرة وحذّر منها الصحابة والتابعون لهم بإحسان وهذه بعض النصوص والآثار في ذمها :

(1)   قال تعالى (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب اليم )النور(63)

(2) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ )[6]

(3)  وقال أيضاً :"" وشر الأمور محدثاتها و كل بدعةٍ ضلالة"" [7]

(4)  وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ( اتّبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتكم،وكل بدعة ضلالة )[8]     

(5) وقال الشافعي رحمه الله ( حكمي في أصحاب الكلام أن يُضربوا بالجريد ويُحملواعلى الإبل ويُطاف بهم في العشائر والقبائل ويُقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام )[9]

(6) وقال مالك رحمه الله ( من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة لأن الله يقول اليوم أكملت لكم دينكم فما لم يكن يومئذٍ ديناً فلا يكون اليوم ديناً ) [10]

(7) وقال أحمد بن حنبل رحمه الله ( أصول السُنّة عندنا ، التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله والاقتداء وترك البدع ، وكل بدعة ضلالة ) [11]

3-  منزلة صاحب السنة وصاحب البدعة :

* صاحب السنة حيّ القلب لأنه على الصراط المستقيم ، يعتصم بالكتاب والسنة ويتحاكم إليهما في الأصول والفروع ويتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أموره وسُننه ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، فمنزلته عظيمة عند الله تعالى .

* أما صاحب البدعة فمظلم القلب مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، يرى الحق في صورة الباطل ، أعماله مظلمة وأقواله مظلمة وأحواله مظلمة ، معاند للشرع ومشاق له ، ومُتّبعٌ لهواه ، جاهل بكتاب الله وبسنّة رسول الله وبطريقة السلف الصالح ، يعتمد على العقل والتقليد والتعصب ، يعتمد على الأحاديث الضعيفة والموضوعة وما لا أصل له في الدين . من صفاته التناقض والاضطراب والتلون والحيرة وبَغضُ أهل السنة .

4- حكمُ السنّة و حكم البدعة :

   أما السنة فهي الصراط المستقيم الذي يجب اتباعه والسنة التي هي طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم منها ما هو فرض ومنها ما هو مستحب مندوب إليه . وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واجبة على كل مكلف فقد قال عليه الصلاة والسلام :"" من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله[12], والسنة يجب التمسك والاعتصام بها ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"" عليكم بسنتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعُضّوا عليها بالنواجذ ،وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل مُحدثة ضلالة "".[13]

   أما البدعة فلا شك أن كل بدعة في الدين ضلالة ومحرمة لقوله صلى الله عليه وسلم :"" إنّ كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة "" وحكم البدعة أنها مردودة على صاحبها وغير مقبولة لقوله صلى الله عليه وسلم :"" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ""[14]. وقد مر معنا صـ2 قول ابن مسعود رضي الله عنه ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله، أن كل بدعة ضلالة ، فالبدع في العبادات محرمة ولكن التحريم يتفاوت بحسب نوعية البدعة فمنها ما هو كفر ومنها ما هو وسيلة للشرك ومنها ما هو من المعاصي .

5-   آثار السنة وآثار البدعة على أصحابها :

* أما آثار السنة على أصحابها فهي كثيرة منها :

النجاة من الضلال والأهواء والتفرق والحيرة والتناقض وغير ذلك .

قال أحمد بن عطاء ، رحمه الله ، ( من ألزم نفسه آداب السنة ، غمر الله قلبه بنور المعرفة ، ولا مقام أشرف من متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه والتأدب بآدابه قولاً وفعلاً )[15]

قال ابن حبان رحمه الله في مقدمة صحيحه ( وإن من لزوم السنة تمام السلامة وجماع الكرامة ، من لزمها عُصم ومن خالفها ندم )

ومن آثار السنة على أصحابها أنها تكون سبباً لمحبة الله لهم "" وما زال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ) [16]- الملتزم بالسنة ، الداعي إليها ، له مثل أجر من تبعه لأنه دعى إلى هدى.

ومن آثار السنة أنها تحفظ أصحابها من الافتراق والخصومات .

قال ابن قدامة رحمه الله:( وفي اتباع السنة: بركة موافقة الشرع ورضى الرب سبحانه وتعالى ، ورفع الدرجات وراحة القلب ودعة البدن ، وترغيم الشيطان وسلوك الصراط المستقيم ) [17]

* أما آثار البدعة على أصحابها : فإن للبدع آثاراً خطيرة وعواقب وخيمة وأضرار مهلكة منها :

1-  البدع بريد الكفر : عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"" لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع . فقيل يا رسول الله كفارس والروم؟ فقال : ومَنْ الناس إلا أولئك)[18]

2-  القول على الله بغير علم :وذلك بالعمل بالأحاديث الضعيفة والموضوعة ،و التأويل والرد والتحريف لنصوص الكتاب والسنة .

3-  ومن آثار البدع على أصحابها بُغضُهم للسنة وأهلها : قال الإمام إسماعيل الصابوني رحمه الله  ( وعلامات أهل البدع ظاهرة على أهلها بادية،وأظهر آياتهم وعلاماتهم : شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم،واحتقارهم لهم )[19]

4- ردُ عمل المبتدع : لقوله صلى الله عليه وسلم :"" من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو ردّ""[20] 

5-  سوء عاقبة أصحاب البدع :لأن صاحب البدعة يموت على معصية إذا لم يتب منها . قال سفيان الثوري رحمه الله ( البدعة أحب إلى إبليس من المعصية،فإن المعصية  يتاب منها والبدعة لا يتاب منها ) [21]

6-  انعكاس فهم المبتدع فيرى الحسنة سيئة و السيئة حسنة والسنة بدعة والبدعة سنّة .عن حذيفة رضي الله عنه قال ( والله لتُفشون البدع حتى إذا تُرك منها شيء قالوا : تُركت السنّة ) [22]

7- عدم قبول شهادة المبتدع لأنه فاسق بل تجوز غيبته لتحذير الأمة من بدعته .

8- أصحاب البدع معرّضون للفتن والعذاب :قال تعالى(فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) سورة النور(63)

9- المبتدع يحمل إثمه وإثم من تبعه لأنه يدعو إلى ضلالة ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال :"" من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه "" [23]بل أن عمل المبتدع يُنفر عن الإسلام ، فإذا عمل بخرافات بدعته سبب ذلك سخرية الناس بالدين ، وهذا من أخطر أثار البدعة لأن الضرر هنا متعدٍّ

خاتمــة

بعد استعراض بعض ما يتعلق بمفهوم السنة ومدحها ومنزلتها وحكمها وأثارها على أصحابها وكذلك مفهوم البدعة وذمها ومنزلتها وحكمها وأثارها على أصحابها . علينا أن نتعلم السنّة ونعمل بها وندعو الناس إليها ونصبر على ذلك ، ونحذر من البدعة وأهلها ونهجرها وعلينا أن نتثبت في عباداتنا أنها على السنة .

أسأل الله أن يثبتنا على السنة ويعصمنا من البدعة

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .،،،

 


 

[1]الشاطبي في الاعتصام (1/130)

[2] جامع العلوم والحكم (1/120)

[3] الفتاوى (3/157)

[4] الفتاوى (4/107)

[5]تفسير ابن كثير الآية(106) آل عمران

[6]متفق عليه

[7] مسلم (867)

[8] اللالكائي رقم(102)

[9] أخرجه أبو نعيم في الحلية (9/116)

[10] ذكره الشاطبي في الاعتصام (1/65)

 [11]اللالكائي (1/176)

[12]متفق عليه

[13] رواه أبو داود والترمذي وغيرهما

[14]متفق عليه

[15] رواه أبو نعيم في الحلية (10/302)

 [16] رواه البخاري .

[17] ذم الموسوسين صـ41

[18] رواه البخاري (7319)

[19] عقيدة أهل السنة أصحاب الحديث صـ299

[20] رواه مسلم (1907)

[21] شرح السنة للبغوي (1/216)

[22] رواه ابن وضاح صـ124

[23] رواه مسلم (2674)