نفحات قرآنية في السعادة النفسية


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين،

 أما بعد فنلتقي وإياكم أيها الإخوة الكرام في كلمة بعنوان:" نفحات قرآنية في السعادة النفسية سائلين الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم سعادة الدارين.

 إن الله تبارك وتعالى أمرنا بتدبر كتابه وتلاوة كلامه، قال سبحانه: ﵟكِتَٰبٌ أَنزَلۡنَٰهُ إِلَيۡكَ مُبَٰرَكٞ لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ ٢٩ﵞ ﵝص : ﵙﵒﵜ ، والله تبارك وتعالى مدح عباد الرحمن بقوله: ﵟوَٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ لَمۡ يَخِرُّواْ عَلَيۡهَا صُمّٗا وَعُمۡيَانٗا ٧٣ﵞ ﵝالفُرۡقَان : ﵓﵗﵜ ، وقال سبحانه في تلاوة القرآن: ﵟإِنَّ ٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ يَرۡجُونَ تِجَٰرَةٗ لَّن تَبُورَ ٢٩ لِيُوَفِّيَهُمۡ أُجُورَهُمۡ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ غَفُورٞ شَكُورٞ ٣٠ﵞ ﵝفَاطِر : ﵙﵒ - ﵐﵓﵜ، فالمسلم يحرص أن يتعبد لله تبارك وتعالى بتلاوة كلامه عز وجل لينال كل خير ويحصل له كل خلق طيب وكل عمل كريم، كما قال سبحانه عن كتابه: ﵟإِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَبِيرٗا ٩ﵞ ﵝالإِسۡرَاء : ﵙﵜ، فالإنسان إذا أخذ القرآن والتزم به فإن الله عز وجل يهديه لكل خير للتي هي أقوم في أمور الإيمان والأعمال والأخلاق، فهو على خير وفضل من ربه سبحانه وتعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم كما وصفه ربنا تبارك وتعالى قال: ﵟوَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٖ ٤ﵞ ﵝالقَلَم : ﵔﵜ، سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم كيف كان؟ قالت: « كان خلقه القرآن» ([1])، أي كان يمتثل أوامر القرآن ويجتنب ما نهى الله عنه، ويكثر من ذكر الله كما أمر الله عز وجل، ويتدبر ما ذكره الله عز وجل في القرآن من قصص الأمم السابقة، ويأخذ منها العبرة، فهدي النبي صلى الله عليه وسلم هو أكمل الهدي، وكل مسلم وكل مسلمة عليه أن يجعل قدوته رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال سبحانه: ﵟلَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞﵞ ﵝالأَحۡزَاب : ﵑﵒﵜ ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص في أمر الدعاء على ربط العبد بربه تبارك وتعالى والتضرع إليه، فكان من دعائه صلى الله عليه وسلم أنه يطلب من ربه تبارك وتعالى أن يجعل القرآن ربيع قلبه ونور صدره وجلاء حزنه وذهاب همه، كما قال في آخر الحديث يعني من قال الدعاء الطويل من ضمنه هذه العبارة قال: «إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحاً» ([2])  فالقرآن له أثر في تزكية نفس الإنسان وفي شعوره بالطمأنينة والراحة، كما قال: «أن تجعل القرآن ربيع قلبي» قال العلماء: كما أن فصل الربيع هو الذي تظهر فيه آثار البركة وآثار إحياء الأرض الميتة كذلك القرآن إذا التزم به الإنسان وتدبره أحيا قلبه وأنار بصيرته، وشرح صدر وأكسبه الطمأنينة وسكينة النفس، ثم أمر السعادة أيها الإخوة هو مطلب كل إنسان في هذه الحياة الدنيا، بل حتى الكائنات الحية الأخرى تطلب الراحة وتطلب السعادة، فالله عز وجل لم يتركنا دون أن يهدينا إلى الطريق الصحيح في طلب هذه السعادة وطلب هذه الطمأنينة التي هي راحة القلب، وطريق السعادة كما قلنا بينه الله تبارك وتعالى في كتابه وبينه النبي صلى الله عليه وسلم وذلك بالأخذ بالأسباب الشرعية للسعادة ومن أعظمها طاعة الله تبارك وطاعة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يحرص المسلم على الصحبة الصالحة التي تدله على الخير ويحذر صحبة السوء التي تقربه من الشر ومما يغضب الله تبارك وتعالى، فطريق السعادة بحمد الله واضح في الكتاب والسنة، ومن أعظم السعادة التمسك بهذا القرآن، كما قال الله تبارك وتعالى: ﵟطه ١ مَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ ٢ﵞ ﵝطه : ﵑ - ﵒﵜ ، فالله عز وجل لم ينزل شرعه ودينه وكتابه ليعيش الناس في شقاء أو في حرج وتعب ومشقة، إنما أراد أن يهديهم إلى ما فيه راحة قلوبهم واطمئنان نفوسهم باتباع ما أمرهم به ربهم تبارك وتعالى وبالحذر مما نهاهم عنه، فكما قال الله عز وجل: ﵟمَآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰٓ ٢ إِلَّا تَذۡكِرَةٗ لِّمَن يَخۡشَىٰ ٣ﵞ ﵝطه : ﵒ - ﵓﵜ ، أي تذكرة لمن يريد مرضاة الله تبارك وتعالى ويخشاه ويريد ما عنده سبحانه وتعالى، والعلماء رحمهم الله ذكروا أمورا ثلاثة قالوا عنها هي عنوان السعادة، أمور ثلاثة إذا التزم بها المسلم والمسلمة كان هذا عنوان سعادته وفلاحه في الدنيا والآخرة، وهي أنه إذا أعطاه الله ومنحه نعمة حرص على شكر الله تبارك وتعالى، ويشكر الله بمعنى يستخدم هذه النعمة في طاعة الله ويثني على الله عز وجل بلسانه، وإذا ابتلي بأمر من الأمور أو مصيبة من المصائب كفقد إنسان مثلا عزيز عليه أو خسارة مال أو نحوه فإنه يلزم الصبر حتى لا يحرم الأجر من ربه تبارك وتعالى، والأمر الثالث الذي هو من عنوان السعادة أن المسلم إذا أذنب استغفر إذا وقع في ذنب وزلت قدمه فإنه لا يقنط من رحمة ربه بل يستغفر الله تبارك وتعالى يدعو الله عز وجل دائما أن يغفر له هذا الذنب، وإذا تأملنا أيها الإخوة هذه الأمور الثلاثة شكر النعم والصبر على البلاء واستغفار الذنب، نجدها موجودة بكثرة في الآيات وفي الأحاديث ومؤكد عليها، فمن شكر نعمة الله عز وجل أن الله عز وجل قال: ﵟوَإِن تَعُدُّواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَآﵞ ﵝالنَّحۡل : ﵘﵑﵜ فماذا نعمل يا رب نشكر هذه النعم، ونحمد الله عليها، كما قال سبحانه: ﵟقَالَ رَبِّ أَوۡزِعۡنِيٓ أَنۡ أَشۡكُرَ نِعۡمَتَكَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَيَّ وَأَنۡ أَعۡمَلَ صَٰلِحٗا تَرۡضَىٰهُ وَأَصۡلِحۡ لِي فِي ذُرِّيَّتِيٓۖ إِنِّي تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلۡمُسۡلِمِينَ ١٥ﵞ ﵝالأَحۡقَاف : ﵕﵑﵜ نحن في الحقيقة أيها الإخوة نعيش في نعم عظيمة ونعم كبيرة جدا، وقد يأتي بعض الأفكار السلبية عند بعض الناس أنه ينتظر مثلا أن يبلغ رصيده المالي كذا حتى يقول أنا الآن وصلت إلى السعادة، لا يا أخي أنت قل الحمد لله على النعمة التي أنت فيها الآن، عش في السعادة الآن من الآن أنت الآن في نعمة لو قارنا أنفسنا بأماكن أخرى أو بأشخاص آخرين ستجد نفسك أنت الآن من أغنى الأغنياء كما قال ذاك الرجل قال: هل أنا من الفقراء لما عدد له عندي منزل وعندي خادم وعندي الآن نقول سيارة وعندي وظيفة قال أنت من الملوك، فنحن في حقيقة الأمر اليوم كأننا ملوك من هذه النعم نسأل الله المزيد من فضله وأن يعيننا على شكر هذه النعم.

 الأمر الثاني وهو الصبر على البلاء طبيعة هذه الحياة الدنيا أيها الإخوة أن فيها شيء من البلاء والامتحان فهي ليست دار الخلود، نحن هنا ضيوف عما قريب نرحل من هذه الحياة الدنيا ووقتنا وبقائنا أيضا فيه بعض التعب وفيه بعض الابتلاء من الله تبارك وتعالى نقابل هذا الابتلاء بالصبر؛ لأننا نعلم كما قال تعالى: ﵟقُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَاﵞ ﵝالتَّوۡبَة : ﵑﵕﵜ ، وقال سبحانه مبينا حقيقة هذه الحياة الدنيا : ﵟوَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ ١٥٥ ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٞ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ ١٥٦ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ ١٥٧ﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵕﵕﵑ - ﵗﵕﵑﵜ، فالمسلم والمسلمة إذا تصوروا حقيقة هذه الحياة الدنيا يعني لا يمكن أن تعيش في هذه الحياة بدون شيء من الابتلاء والتعب والمشقة مرض أو نحوه من الأمور، فلا يجزع إذا أصيب بمصيبة بل يقول هذا من الابتلاء أشكر الله على النعمة وأصبر على هذا البلاء حتى أكون على خير، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عَجَبًا لأمْرِ المُؤمنِ إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خيرٌ»([3])  لماذا لأنه حتى في البلاء يرى نفسه سعيدا لماذا لأنه سيصبر وينال الأجر على هذا البلاء يعني ليس مجرد ألم وتحمل مشقة بدون أجر من الله تبارك وتعالى، ثم الأمر الأخير وهو الثالث من عنوان السعادة هو الاستغفار عند الذنب كما أمرنا ربنا تبارك وتعالى بالتوبة، فقال سبحانه: ﵟوَتُوبُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ ٣١ﵞ ﵝالنُّور : ﵑﵓﵜ ، والمؤمن يحتاج إلى التوبة في كل حين في كل وقت يستغفر الله عز وجل؛ لأنه يرى نفسه مقصرا في جنب الله تبارك وتعالى، فمهما عمل من الطاعة من الخير صحيح ويشكر الله على هذه النعمة وهذا الفضل لكن أيضا يرى ما عمله بعين التقصير في حق الله تبارك وتعالى، فيكثر من الاستغفار ولو وقع في ذنب أو وقع في معصية فلا يكون من القانطين من رحمة الله، كما قال تعالى: ﵟوَمَن يَعۡمَلۡ سُوٓءًا أَوۡ يَظۡلِمۡ نَفۡسَهُۥ ثُمَّ يَسۡتَغۡفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا ١١٠ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵐﵑﵑﵜ ، وقال سبحانه: ﵟقُلۡ إِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِيٓ إِلَيۡهِ مَنۡ أَنَابَ ٢٧ﵞ ﵝالرَّعۡد : ﵗﵒ، فنحرص على الإنابة والتوبة إلى الله تبارك وتعالى حتى نحقق هذه السعادة وهي سعادة مغفرة الذنوب والأجر من الله تبارك وتعالى وعلامة سعادة المسلم أنه إذا عمل خيرا فكأن هذا الخير وراء ظهره لا يراه بمعنى كأنه يمتنّ على الناس أو يمتن على الله تبارك وتعالى أنني أنا فعلت وأنا مثلا أقرأ كل يوم كذا جزء وأنا أقوم الليل وأنا أكفل الأيتام مثلا هذا الخير طيب ومن توفيق الله عليك واشكر الله على هذه النعمة لكن لا تجعله أمامك اجعله كأنك لم تعمل، فتجتهد وتزيد في الإحسان وفي جانب الذنب والمعصية إذا عمل معصية يجعلها أمام وليست وراءه حتى يذكر هذه النفس لأنه قد قصر بالله عز وجل فيبادر دائما إلى التوبة ويزيد في الاجتهاد في العمل الصالح إلى الله تبارك وتعالى، وأعظم أسباب السعادة كما ذكر الله عز وجل الإيمان والعمل الصالح، كما قال سبحانه: ﵟمَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗﵞ ﵝالنَّحۡل : ﵗﵙﵜ ، فالحياة الطيبة مربوطة بماذا؟ بالإيمان بالله تبارك وتعالى وهذا يتضمن الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم بما جاء من شرعه وهديه صلى الله عليه وسلم، وكذلك العمل الصالح إذًا مدار السعادة على أمرين: الإيمان بالله تبارك وتعالى والعمل الصالح، كما قال تعالى: ﵟفَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗﵞ ﵝالنَّحۡل : ﵗﵙﵜ ، الحياة الطيبة بطاعة الله تبارك وتعالى لذلك قال العلماء المؤمن الذي يجتهد في العمل الصالح تجده إذا جلست إليه من أشرح الناس صدرا ومن أطيبهم عيشا حتى لو كان تجده ربما تقول أنه في بلاء أو في نقص من العيش، أو ما عنده كثير من متاع الدنيا لكن تجد نفسه مطمئنة هنا تجد السعادة بطاعة الله تبارك وتعالى، كما أن الإكثار من ذكر الله من أعظم أسباب السعادة والطمأنينة، قال سبحانه: ﵟٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطۡمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكۡرِ ٱللَّهِۗ أَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ ٢٨ﵞ ﵝالرَّعۡد : ﵘﵒﵜ، وقال عليه الصلاة والسلام: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ»([4]) ، فالذي يذكر الله بأنواع الذكر تلاوة القرآن من أعظم الذكر الدعاء التسبيح الاستغفار دائم الذكر كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الصحابي قال: «لا يَزالُ لِسَانُكَ رَطبًا مِنْ ذِكْرِ الله»([5]) ، فإذا ذكر ربه فإنه كمنزلة الحي، قال العلماء الحي يستطيع أن يقوم بشؤونه وينفع نفسه، وكذلك ينفع الآخرين، أما الميت فلا يستطيع نفع نفسه ولا نفع غيره، فانظر فضيلة ذكر الله تبارك وتعالى، وكما قال الله: ﵟأَلَا بِذِكۡرِ ٱللَّهِ تَطۡمَئِنُّ ٱلۡقُلُوبُ ٢٨ﵞ ﵝالرَّعۡد : ﵘﵒﵜ ، وهذا من السعادة العظيمة التي يحصل عليها المسلم، وقال عليه الصلاة والسلام في أمر السعادة قال: «إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنِ» ([6])، فنفهم من حديث النبي صلى الله عليه وسلم أن من السعادة البعد عن الفتن سواء كانت في أمور الدين أو الدنيا، فالمسلم الناصح لنفسه لا يدخل نفسه في مواقع الفتن أو في الأماكن التي فيها فتن ثم قد يندم أنه وقع منه تقصير أو وقع منه شيء سواء كان في أمور الدين كما قلنا أو أمور الدنيا، فيحذر من الوقوع في الفتن، ويسأل الله العافية دائةا، والله عز وجل كما أمرنا بتلاوة القرآن وربط ذلك بمصالح وفوائد عظيمة جدا فقال سبحانه: ﵟوَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا ٤ﵞ ﵝالمُزَّمِّل : ﵔﵜ لماذا لأن ترتيل القرآن هو الطريق إلى التدبر وفهم معاني القرآن والعمل بها، والانتفاع من هذا القرآن، ومن سعادة المؤمن بتلاوة القرآن وتدبره أنه يتذكر الأجر العظيم في هذه التلاوة، فيفرح ويسعد بهذا الأجر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قَرَأ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ حَسَنَةٌ » ثم قال في آخر الحديث: « لاَ أقول: ألم حَرفٌ، » ، يعني ليست هذه الثلاثة حرفا واحدا بل كل حرف له حسنة والحسنة بعشر أمثالها قال: « وَلكِنْ: ألِفٌ حَرْفٌ، وَلاَمٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ»([7])   وقال عليه الصلاة والسلام: «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة» ([8]) ، يعني الذي يحسن تلاوة القرآن وينبني على حسن التلاوة حسن التدبر كذلك والعمل، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه كما جاء في رواية: «وهو عليه شاق فله أجران» يعني بعض الناس يقول أنا عندي صعوبة في تلاوة القرآن انظر هذه البشارة العظيمة من النبي صلى الله عليه وسلم لك أجران أجر على تلاوتك وأجر على المشقة الذي تجدها في التلاوة، قد تقف مثلا تقرأ كلمة وتقف فأنت على خير استمر وبإذن الله يتيسر لك تلاوة هذا القرآن وتدبر معانيه، ومن أسباب السعادة كما أشرنا إلى ذكر الله تبارك وتعالى من ذكر الله الدعاء أن يحرص المسلم على دعاء الله تبارك وتعالى دائما، وكما قال عليه الصلاة والسلام: «الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ»([9]) ، وأعظم الدعاء ما جاء في القرآن على لسان الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وكذلك الأدعية النبوية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن الدعاء دعاء موسى عليه السلام: ﵟقَالَ رَبِّ ٱشۡرَحۡ لِي صَدۡرِي ٢٥ وَيَسِّرۡ لِيٓ أَمۡرِي ٢٦ﵞ ﵝطه : ﵕﵒ - ﵖﵒﵜ، فهذا دعاء مرتبط بانشراح الصدر الذي هو سعادة الإنسان، فانشراح الصدر وطيب الخاطر والنفس هو السعادة التي ينشدها المسلم، فالمسلم عليه إذا قرأ القرآن يتدبر في الآيات إذا مر دعاء يحرص أن يقول هذا الدعاء مثلا حتى ينفعه الله تبارك وتعالى به، ويتذكر المسلم عند تلاوته للقرآن قول الله تبارك وتعالى: ﵟوَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٞ وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَﵞ ﵝالإِسۡرَاء : ﵒﵘﵜ فيعلم أن القرآن فيه شفاء له من ما يجده من يعني تعب أو إرهاق أو نحوه من الأمور الحسية وكذلك المعنوية ودائما يسأل ربه أن يقيه نزغات الشيطان ووساوسه، فإذا وقانا الله وساوس الشيطان ونزغات الشيطان فقد فتح لنا طريق الخير وطريق السعادة، كما قال تعالى: ﵟوَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنۡ هَمَزَٰتِ ٱلشَّيَٰطِينِ ٩٧ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحۡضُرُونِ ٩٨ﵞ ﵝالمُؤۡمِنُون : ﵗﵙ - ﵘﵙﵜ، ومن أسباب السعادة العظيمة أيها الإخوة المرتبطة بالقرآن أن يتدبر المسلم آيات النعيم التي تذكر نعيم الجنة، فهذه فيها فرح وسرور وانشراح صدر وإقبال على الطاعة فيزيد الله عز وجل المسلم من خير إلى خير، فإذا قرأ قول الله تبارك وتعالى: ﵟإِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ٢٢ عَلَى ٱلۡأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ ٢٣ تَعۡرِفُ فِي وُجُوهِهِمۡ نَضۡرَةَ ٱلنَّعِيمِ ٢٤ﵞ ﵝالمُطَفِّفِين : ﵒﵒ - ﵔﵒﵜ يقف عندها يتأملها حتى تزيده إقبالا على ربه تبارك وتعالى، وإذا قرأ قول الله عز وجل: ﵟمَّثَلُ ٱلۡجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلۡمُتَّقُونَۖ فِيهَآ أَنۡهَٰرٞ مِّن مَّآءٍ غَيۡرِ ءَاسِنٖ وَأَنۡهَٰرٞ مِّن لَّبَنٖ لَّمۡ يَتَغَيَّرۡ طَعۡمُهُۥ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ خَمۡرٖ لَّذَّةٖ لِّلشَّٰرِبِينَ وَأَنۡهَٰرٞ مِّنۡ عَسَلٖ مُّصَفّٗىۖ وَلَهُمۡ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَٰتِ وَمَغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡﵞ ﵝمُحَمَّد : ﵕﵑﵜ ، كل هذا النعيم يشجع الإنسان على الاستمرار على الطاعة ويدخل عليه الفرح والسرور، وفي الجانب الآخر كذلك لا يهمل المسلم مراقبة الله عز وجل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل قال ما الإحسان قال: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّهُ يَرَاكَ»([10]) ، فيتدبر  الآيات الواردة في هذا المعنى مثل قول الله عز وجل: ﵟوَلَقَدۡ خَلَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ وَنَعۡلَمُ مَا تُوَسۡوِسُ بِهِۦ نَفۡسُهُۥۖ وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنۡ حَبۡلِ ٱلۡوَرِيدِ ١٦ إِذۡ يَتَلَقَّى ٱلۡمُتَلَقِّيَانِ عَنِ ٱلۡيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ قَعِيدٞ ١٧ مَّا يَلۡفِظُ مِن قَوۡلٍ إِلَّا لَدَيۡهِ رَقِيبٌ عَتِيدٞ ١٨ﵞ ﵝق : ﵖﵑ - ﵘﵑﵜ، فهذا الشعور بأن الله يرانا ويسمع كلامنا يدفعنا إلى إحسان العمل وإحسان الظن بالله عز وجل ينبني على إحسان العمل، ومن أكثر الأسباب التي قد يعني توقع الإنسان في عدم السعادة أو في الشعور بالتعب والشقاء في الدنيا انشغاله بما يحصل من النزاع بينه وبين الناس، وإذا تأملنا في القرآن نجد منهج القرآن في حسن التعامل مع الناس، كما قال الله تبارك وتعالى: ﵟخُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ ١٩٩ﵞ ﵝالأَعۡرَاف : ﵙﵙﵑﵜ هذه الآية منهج في التعامل مع الناس لا تشغل نفسك بكل أحد أساء إليه يعني أنت الآن ماشي على طريق إذا انشغلت مع كل واحد ها أساء إلي أو أخطأ علي لن تصل إلى وجهتك في النهاية لأنك تتوقف كثيرا مع أمور لا تفيدك شيئا فالراحة لك في ماذا أنك لا تعطيها انتباهك كأنك لم تسمع هذه الكلمة، وكما يقول الإمام الشافعي رحمه الله في هذا المعنى([11]) :

لمّا عفوت ولم أحقد على أحد   ***   أرحت نفسي من همّ العداوات

 ارتحت راحة كبيرة من انشغال القلب بماذا فلان اليوم تكلم علي فلان قال عني كذا وخاصة إذا دخل أناس في الأمر فلان يقول فلان يفعل، اترك هذا الأمر كله خذ العفو وأمر بالعرف اظهر له خير وعامله بالخير وأعرض عن الجاهلين، فهو إما إنسان يعرف أصول التعامل فيعاملك بالخير وإذا كان خلاف ذلك فهو جاهل فأعرض عن الجاهلين ولا تشغل نفسك بهم، وكذلك من الأمور التي قد تؤثر على قضية السعادة والطمأنينة انشغال خاطر الإنسان ببعض الوساوس والأفكار، فيأتيه يعني الشيطان يقول له اليوم سيحصل لك كذا في العمل سيقولون عنك كذا مثلا سيكتب عنك تقرير في العمل أنك خالفت أو فعلت يعني توقعات لا أساس لها من الصحة، أو يعني خرج ولده في سفر يقول لا أكيد سيصبح له حادث يعني توقع الشر دائما هذا الشعور ينبغي على الإنسان أن لا يسترسل معه يوقف التفكير في هذا الجانب كن متفائلا، النبي صلى الله عليه وسلم تعرض لبلاء كثير مع ذلك كان من أشرح الناس صدرا فأكثرهم تفاؤلا، فقدم دائما التفاؤل وإذا وقع شيء فاصبر كما قلنا الصبر على البلاء لكن دائما استبشر أنه سيأتيك الخير من الله تبارك وتعالى، ويعلم المسلم أن السعادة الحقيقية في الآخرة والشقاء الحقيقي أيضا في الآخرة ، فيجتهد في أن يكون مآله في الآخرة إلى خير قد يحصل شيء في الدنيا أو نحوه فلا يتأثر به كثيرا، يجتهد في تحقيق السعادة الكبرى والسعادة الأبدية في الآخرة.

 هذا والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم نسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياكم سعادة الدنيا والآخرة وأن يوفقنا لشكر نعمه، كما أتقدم بالشكر لمؤسسة رأس الخيمة للقرآن الكريم وعلومه على إتاحتهم لهذه الفرصة وحرصهم على إلقاء المحاضرات النافعة وعقد المسابقات التي تخدم كتاب الله عز وجل، أسأل الله عز وجل أن يبارك فيهم وأن يبارك فيكم على حسن استماعكم.

 وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

 

([1]) رواه أحمد (24601).

([2]) رواه أحمد (3712).

([3]) رواه مسلم (2999).

([4]) رواه البخاري (6407).

([5]) رواه ابن ماجه (3793)، والترمذي (3375).

([6]) رواه أبو داود (4263).

([7]) رواه الترمذي (2910).

([8]) رواه مسلم (798).

([9]) رواه أبو داود (1479)، وابن ماجه (3828)، والترمذي (2969).

([10]) رواه مسلم (1).

([11]) أدب الدنيا والدين للماوردي (223) .