النفس الأخير عند دعاة التنوير هو التكفير!


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

عندما يبدأ دعاة التنوير تنويرهم المزعوم برمي المجتمعات بالظلامية؛ فالنتيجة المتوقعة هي رمي من خالفهم بالتكفير، كما يفعل دعاة الإخوان المسلمين، وبالفعل وقع ما كان يتوقع في مواقع التواصل الاجتماعي من بعض كبراء التنويريين ومنظِّريهم، حيث رمى من خالفه (بالزندقة والشِّرك) فهم بعد أن أظهروا للناس محاربتهم للتكفير وقعوا في نفس هذه الظاهرة الخطيرة التي تعد جريمة دينية ووطنية ودولية، وهذا مما يؤكد تلاقي فكر التنوير مع الإخوان المسلمين وخدمته، وكذلك يؤكد عدم صلاحية أصحاب هذه الأفكار لتوجيه المجتمعات؛ إذ في غضون سنوات معدودة طفحت ألسنتهم بهذه الموبقات الكبيرة، والحمد لله الذي أظهر ما كانوا يسترون؛ حتى يعرف الناس حقيقة منهجهم.

وهذا الرمي بالشرك والزندقة ظاهرة خطيرة سببها الجهل والحقد والولاء للحزب، وثمارها الوخيمة: تقاتل المسلمين، وتفرق كلمتهم، وانتهاك أعراضهم، وسفك دمائهم، وذهاب أمنهم، وفساد أرضهم، وضعف قوتهم.

لهذا أتى الإسلام الحنيف بوأد هذه الظاهرة فقال تعالى: {وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ}([1])، قال جماعة من المفسرين: “هو قول الرجل لأخيه: يا كافر، يا فاسق”([2])، وقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- التحذير من التكفير، فقال: ”إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهِ أَحَدُهُمَا ([3])، وتخوَّف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- على أمته ممن يحمل القرآن ثم ينقلب حاله؛ فيرمي المسلمين بالتكفير والشرك، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-: “إنَّ مَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ حَتَّى إِذَا رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عَلَيْهِ وَكَانَ رِدْئًا لِلْإِسْلَامِ غَيَّرَهُ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ فَانْسَلَخَ مِنْهُ، وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَسَعَى عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ، وَرَمَاهُ بِالشِّرْك” قُلْتُ: “يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ الْمَرْمِيُّ أَمِ الرَّامِي؟” قَالَ : “بل الرَّامِي([4])، وأكَّد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم- على هذا التحذير من التكفير في حجة الوداع، فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم-: “فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، إِلَى يَوْمِ تَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ، أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟”، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: “اللَّهُمَّ اشْهَدْ، فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَلَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ([5]).

فيجب على العلماء والعقلاء والنصحاء علاج مثل هذه الظاهرة في أول ظهورها باستئصال عروقها حتى لا تنتشر؛ لأنها آفة خطيرة فتاكة معدية، تقال اليوم ككلمة، وغدًا يخرج منها ألف كلمة.

سلم الله بلادنا ومجتمعاتنا من هذه الآفات.

________________________________

 ([1]) الحجرات:11

 ([2]) التمهيد لابن عبد البر(16/315).

 ([3]) رواه البخاري(6103)، ومسلم(60).

 ([4]) رواه ابن حبان في صحيحه (3777).

 ([5]) رواه البخاري (7078).