التنفير من التحزب والتكفير


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

  إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أما بعد؛

فان أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 إخواني الأفاضل من الأصول والمقاصد التي جاءت الشريعة الإسلامية بتقريرها وتأصيلها والحث عليها وحدة الصف، والالتفاف حول الجماعة وحول إمام المسلمين، وعدم شقّ العصا والخروج عنهم وعليهم، وقد ورد ذلك في نصوص شرعية كثيرة جدا، وأوضح ذلك من خلال الأمور التالية:

 الأول: قال الله عز وجل في محكم التنزيل في سورة الفاتحة: ﵟٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ٦ صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ ٧ﵞ ﵝالفَاتِحَة : ﵖ - ﵗﵜ  ، العبد يسأل ربه الهداية إلى الصراط المستقيم، وهذا الصراط واحد قال: ﵟٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ٦ ﵞ وقد بينه الله سبحانه وتعالى والنبي صلى الله عليه وسلم في السنة، بين الله أتباع الصراط المستقيم أهل الحق فقال ﵟٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ٦ ﵞ أي صراط؟ ﵟصِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ ﵞ كأنك تقول: يا رب دلني على صراط المنعم عليهم طيب عندنا سؤال من هم المنعم عليهم؟ جاء الجواب في قول الله عز وجل في سورة النساء: ﵟوَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَۚ وَحَسُنَ أُوْلَٰٓئِكَ رَفِيقٗا ٦٩ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵙﵖﵜ ، فتبيّن أن الصراط المستقيم الذي أمر الله بسلوكه هو ما عليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته وأهل العلم، وهذا ما أكده بقوله: ﵟوَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٥٢ صِرَٰطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِۗ أَلَآ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلۡأُمُورُ ٥٣ﵞ ﵝالشُّورَى : ﵒﵕ - ﵓﵕﵜ ،

 فمن أراد سلوك الصراط المستقيم والهداية إلى هذا الصراط فلن يجد غير سبيل النبي محمد صلى الله عليه وسلم وسبيل الصحابة والتابعين ومن بعدهم ممن سار على نهجهم وطريقهم، واتبع أثرهم وسنتهم وهم القرون الثلاثة التي زكاها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»([1])  ، ولما ذكر النبي الله عليه وسلم الاختلاف بين أن السلامة منه بلزوم هذا الصراط فقال: « مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا » من ، ما الحل؟ هذا الداء، ما الدواء؟ « فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي » تذكروا قول الله سبحانه وتعالى: ﵟوَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ ٥٢ ﵞ « فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المهديين من بَعدي، » تذكروا قول الله سبحانه وتعالى: ﵟ فَأُوْلَٰٓئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّـۧنَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّٰلِحِينَۚ ﵞ ، فقال « فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المهديين من بعدي، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ »([2])  ولمّا ذكر اختلاف هذه الأمة وتفرقها بين أن سبيل النجاة هو اتباع  ماذا؟ هذا الصراط فقال: «تَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلاَّ فِرْقَةً وَاحِدَةً، قيل : يَا رَسُولَ الله مَنْهم؟ قَالَ: مَنْ كَانَ عَلَى مَا أنَا عَليه اليَوم وَأَصْحَابي»([3]) ، فمن أراد الحق والهداية في غير هذا الصراط انحرف يقينا ولابد.

 الأمر الثاني الذي أود الإشارة إليه: جاءت نصوص الشريعة تأمر العباد بلزوم جماعة المسلمين، وعدم الخروج عنهم أو عليهم ويمكننا تقسيم هذه الجماعة إلى قسمين:

 الأول: ما اتفق عليه المسلمون من أمر الدين، فإن أهل الإسلام ملزمون باتباعهم فيه وعدم مخالفتهم، قال الله عز وجل: ﵟوَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا ١١٥ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵕﵑﵑﵜ .

 الثاني: جماعة المسلمين وإمامهم، وهذا ما أشار له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»([4])  .

 الأمر الثالث: جاء في الشريعة بالنهي عن الافتراق في الدين وفي الدنيا قدر الاستطاعة، قال الله عز وجل: ﵟ۞ مُنِيبِينَ إِلَيۡهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٣١ مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ ٣٢ﵞ ﵝالرُّوم : ﵑﵓ - ﵒﵓﵜ ، وقال سبحانه: ﵟٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْﵞ ﵝآل عِمۡرَان : ﵓﵐﵑﵜ ، وقال: ﵟإِنَّ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗا لَّسۡتَ مِنۡهُمۡ فِي شَيۡءٍۚ إِنَّمَآ أَمۡرُهُمۡ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ ١٥٩ﵞ ﵝالأَنۡعَام : ﵙﵕﵑﵜ ، ولكن الله سبحانه وتعالى جعل الافتراق والاختلاف سنة كونية ليبتلي العباد في طاعتهم لربهم وقبول أمره وامتثال نهجه بتركه وتصديق خبره والإيمان به، قال الله عز وجل: ﵟوَلَوۡ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ ١١٨ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ وَتَمَّتۡ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمۡلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلۡجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجۡمَعِينَ ١١٩ﵞ ﵝهُود : ﵘﵑﵑ - ﵙﵑﵑﵜ ،وقال عز وجل: ﵟوَلَوۡ شَآءَ ٱللَّهُ لَجَعَلَكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَكُمۡ فِي مَآ ءَاتَىٰكُمۡۖ فَٱسۡتَبِقُواْ ٱلۡخَيۡرَٰتِۚ إِلَى ٱللَّهِ مَرۡجِعُكُمۡ جَمِيعٗا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ ﵞ ﵝالمَائـِدَة : ﵘﵔﵜ ، فيجب على العبد المكلف أن يجتهد في البحث عن الحق واتباعه مع سؤال الله سبحانه وتعالى الهداية له والثبات عليه، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم -وهذا ينبغي أن يحفظه المسلم وأن يداوم عليه بإلحاح كما يداوم على ﵟٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ ٦ ﵞ- «اللهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ، وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»([5])  ، وهذا باختلاف الواقع بين المسلمين في دينهم وفي أمور جماعتهم وإمامهم أدى إلى جملة من المحاذير الشرعية، سفكت الدماء، نهبت الأموال، اختل جانب الولاء والبراء في عقيدة المسلم، صار ولاؤه لمن يوافقه وبراؤه ممن يخالفه ولو كان مسلما، وأدخل في دين الله ما ليس منه من التكفير والتقاطع والتدابر، ولأجل هذا جاءت كلمات أهل العلم من أهل الحق في التحذير من الاختلاف المذموم الذي أوصلهم إلى ما يطلق عليه اليوم بالتحزب والحزبية، والانتماء لغير الحق، وإذا نظرنا إلى كلمة حزب في القرآن نجد أن الله قسم الناس إلى قسمين:

 الأول: حزب الله، وهم أهل الإيمان قاطبة، قال الله سبحانه: ﵟوَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ ٥٦ﵞ ﵝالمَائـِدَة : ﵖﵕﵜ ، وقال عز وجل: ﵟأُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ٢٢ﵞ ﵝالمُجَادلَة : ﵒﵒﵜ .

 القسم الثاني: حزب الشيطان وهم أتباعه ومن خالف الشريعة، قال سبحانه: ﵟٱسۡتَحۡوَذَ عَلَيۡهِمُ ٱلشَّيۡطَٰنُ فَأَنسَىٰهُمۡ ذِكۡرَ ٱللَّهِۚ أُوْلَٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱلشَّيۡطَٰنِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱلشَّيۡطَٰنِ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ ١٩ﵞ ﵝالمُجَادلَة : ﵙﵑﵜ ، وقد يطلق لفظ الحزب على الجماعة من الناس في الأمور الدنيوية وأمور الحياة كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: « إنَّ نِسَاءَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كُنَّ حِزْبَيْنِ: فَحِزْبٌ فِيهِ عَائِشَةُ، وَحَفْصَةُ، وَصَفِيَّةُ، وَسَوْدَةُ، وَالْحِزْبُ الْآخَرُ: أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ نِسَاءِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم»([6])  ، وكل تجمُّع فيه مخالفة لأهل الإيمان وجماعتهم فهو من التحزب المذموم المنهي عنه فإنه ليس من حزب الله؛ لأن الله نهى عن التفرق وأمر بالاجتماع والتآلف، قال الله عز وجل: ﵟوَإِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمۡ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗ وَأَنَا۠ رَبُّكُمۡ فَٱتَّقُونِ ٥٢ فَتَقَطَّعُوٓاْ أَمۡرَهُم بَيۡنَهُمۡ زُبُرٗاۖ كُلُّ حِزۡبِۭ بِمَا لَدَيۡهِمۡ فَرِحُونَ ٥٣ﵞ ﵝالمُؤۡمِنُون : ﵒﵕ - ﵓﵕﵜ ، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: «  فأمر تعالى الرسل بما أمر به أممهم: أن يأكلوا من الطيبات، وأن يعملوا صالحا، وأن يعبدوه وحده، وأن يطيعوا أمره وحده، وأن لا يتفرقوا في الدين؛ فمضت الرسل وأتباعهم على ذلك، ممتثلين لأمر الله، قابلين لرحمته، حتى نشأت خلوف قطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب مما لديهم فرحون، فمن تدبر هذه الآيات ونزلها على الواقع تبين له حقيقة الحال، وعلم من أيّ الحزبين هو، والله المستعان»([7])  وممّا ورد في ذمّ التحزب مع الأمر بلزوم جماعة المسلمين وحزب المؤمنين الذي هو حزب الله حديث حذيفة رضي الله عنه لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم، قلت: فهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: «نَعَمْ، قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، فَمَا تَرَى إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ»، فَقُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ»([8])  ، والحديث واضح دلالة في أن الأمر بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم عند الافتراق والفتن، في حال عدم وجود هذه الجماعة وهذا الإمام هل الحل في إنشاء أحزاب؟ الجواب: لا، جاء الحل وجاء البيان في حديث النبي صلى الله عليه وسلم قال: فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ» ، وممّا ورد في ذمّ التحزب ما رواه أحمد في كتابه العلل([9])  في رواية ابنه عبد الله عن الحسن قال: «شَهِدْتُهُمْ يَوْمَ تَرَامَوْا بِالْحَصَى فِي أَمْرِ عُثْمَانَ حَتَّى جَعَلْتُ أَنْظُرُ فَمَا أَرَى أَدِيمَ السَّمَاءِ مِنَ الرَّهْجِ فَسَمِعْتُ كَلَامَ امْرَأَةٍ مِنْ بَعْضِ الْحُجَرِ فَقِيلَ لِي هَذِهِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ -قيل عائشة وقيل أم سلمة- فَسَمِعْتُهَا تَقُولُ: إِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قد بَرِيء مِمَّنْ فَرَّقَ دِينَهُ وَاحْتَزَبَ» ، وذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء([10])  عن قتادة قال: حدثنا مطرف -ومطرف هو مطرف بن عبد الله بن الشخير العامري- قال عنه الذهبي: الإمام القدوة الحجة أبو عبد الله وهو تابعي- يقول: حدثنا مطرف قال: «كنا نأتي زيد بن صوحان، فكان يقول: يا عباد الله، أكرموا وأجملوا، فإنما وسيلة العباد إلى الله بخصلتين: الخوف والطمع، فأتيته ذات يوم، وقد كتبوا كتابا، فنسقوا كلاما من هذا النحو: إن الله ربنا، ومحمد نبينا، والقرآن إمامنا، ومن كان معنا كنا وكنا، ومن خالفنا كانت يدنا عليه، وكنا، وكنا، قال: فجعل يعرض الكتاب عليهم رجلا رجلا، فيقولون: أقررت يا فلان؟ حتى انتهوا إلي، فقالوا: أقررت يا غلام؟ قلت: لا، قال -يعني زيدا-: لا تعجلوا على الغلام، ما تقول يا غلام؟ قلت: إن الله قد أخذ عليّ عهدا في كتابه، فلن أحدث عهدا سوى العهد الذي أخذه علي،-لماذا تأخذون علينا عهودا غير ما أخذه الله علينا في كتابه، أخذ الله علينا عهدا أن نطيعه ونطيع رسوله وأن نطيع وليّ أمرهﵟيَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵙﵕﵜ  أولو الأمر ما العلماء وإما ولاة الأمر الذين هم السلاطين والحكام-  فرجع القوم من عند آخرهم ما أقر منهم أحد، وكانوا زهاء ثلاثين نفسًا» ، فكان هذا الأمر متقرّرًا حتى عند سلفنا رحمهم الله تعالى من ذمّ التحزب والتفرق وترك جماعة المسلمين والخروج عليه، أو إحداث جماعات ينتسب لها وتبايع دون جماعة إمام المسلمين، وممّا يدل على ذمّ  التحزب الآثار السيئة المترتبة عليه، وأذكر منها بعضا:

أولا:  مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة وعدم التفرق عنها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى من أميره شيئا فكرهه فليصبر، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت، إلا مات ميتة جاهلية»([11])، ولعل اليوم الناظر فيما يسمّى بالأحزاب السياسية، هذه الأحزاب تعارض الإمام وتخرج عنه وتدعو للثورة عليه وتدخل في مظاهرات وفي ثورات وغيرها، وهذا فيه خروج عن الجماعة، وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَته جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ»([12])  ، فهذه الأحزاب تؤدي إلى مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلزوم الجماعة، وعدم التفرق عنها.

 ثانيا: في الحزب يعقد الولاء والبراء على مبادئ الحزب، وليس على الدين والإيمان بالله، الأصل أن تكون محبة العبد وولاؤه لله ولرسوله وللمؤمنين،

قال الله عز وجل: ﵟوَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ ٥٦ﵞ ﵝالمَائـِدَة : ﵖﵕﵜ ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أعطى لله تعالى، ومنع لله، وأحب لله، وأبغض لله، فقد استكمل إيمانه»([13])  وجاء في حديث عند الطبراني([14]) : «إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ: الْمُوَالَاةُ فِي اللهِ ، وَالْمُعَادَاةُ فِي اللهِ، وَالْحُبُّ فِي اللهِ، وَالْبُغضُ فِي اللهِ» ، أما أهل الأحزاب فإن ولائهم لأعضاء حزبهم ولموافقيهم، وبراؤهم ممن خالفهم ولو كان مسلما مؤمنا، بل يتبرؤون حتى من العلماء ومن طلاب العلم ولو كانوا من أهل التقوى ومن أهل الإيمان ومن عرف عنه صلاح الحال لكن ليسوا معهم، فيتبرؤون منهم ويحذرون الناس من مجالستهم فقط لأنهم ليسوا من حزبهم.

 الأمر الثالث الذي يبين لنا خطر هذه الحزبيات: تكفير المخالف، واستباحة دماء المسلمين، والنبي صلى الله عليه وسلم قد تبرأ ممن فعل ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ قَاتَلَ تَحْتَ رَايَةٍ عمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِعَصَبَةٍ، أَوْ يَدْعُو إِلَى عَصَبَةٍ، أَوْ يَنْصُرُ عَصَبَةً، فَقُتِلَ، فَقِتْلَته جَاهِلِيَّةٌ، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي، يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، وَلَا يَتَحَاشَى مِنْ مُؤْمِنِهَا، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ»، والله حديث عظيم، الذين يدخلون تحت هذه التنظيمات وهذه الأحزاب ويكفرون أمة الإسلام ويكفرون جيوش المسلمين وقوات الأمن عند المسلمين وحكام المسلمين وشعوب المسلمين، يكفرونهم ويرون بالخروج عليهم، وباستباحة دمائهم وقتلهم فليتأملوا هذا الحديث، والعاقبة السيئة المترتبة على ما يفعلون، والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من إطلاق لفظ الكفر على المسلم الواحد فكيف بإطلاقه على جماعات المسلمين، عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا»([15])  ،

 وقال: «لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ، وَمَنِ ادَّعَى مَا ليْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ، أَوْ قَالَ: عَدُوُّ اللهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ»([16])  ، ولمّا أراد الحسن رضي الله عنه أن يصالح معاوية رضي لله عنه -الحسن بن علي- لما أراد أن يصالح معاوية رضي الله عنه خرج عليه من الخوارج رجل يسمى الجراح ابن سنان ماذا قال للحسن؟ -الحسن صحابي ابن صحابي أمه صحابية جدّه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم- قال: أشركت كما أشرك أبوك، ثم طعنه في أصل فخذه، وقد أدت هذه الأفكار الحزبية إلى مقتل الخليفة الراشد عثمان رضي الله عنه على أيدي ثلة من الغلاة المنحرفين الذين خرجوا في جماعة وصار لهم حزبهم الخاص وهم الخوارج، واشتد هذا الفكر في خلافة علي رضي الله عنه وقتلوا عليا وقالوا لعلي: أنت ارتددت عن الإسلام ، ولا نرجع إلى طاعتك حتى تعود الإسلام، وهكذا بدأت هذه النزعات التكفيرية تخرج وتتزايد مع هذه الأحزاب، نافع يقول: قيل لابن عمر: إن نجدة الحرورية -والحرورية معروفة خوارج هم حزب- يقول: إنك كافر وأراد قتل مولاك إذ لم يقل إنك كافر، قال ابن عمر: والله ما كفرت منذ أسلمت، وذكر ابن كثير في البداية والنهاية([17])  أن من جملة من قتله الخوارج عبد الله بن خباب ابن صاحب النبي صلى الله عليه وسلم -خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم- أسروه ومعه امرأته وهي حامل، قالوا له من أنت؟ قال: أنا عبد الله ابن خباب صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم قد روعتموني، قالوا: لا بأس عليك، حدثنا ما سمعت من أبيك قال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سَتَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي» ، فقادوه بيده، ثم ذبحوه، وجاءوا إلى امرأته فقالت: إني امرأة حبلى ألا تتقون الله في، فذبحوها وبقروا بطنها عن وجهها، فتأملوا رحمكم الله إلى هذه الآثار، وهذا الأمر موجود حتى في العصر الحالي، بعض الدول حصل فيها قتل لدرجة أن أحدهم قتل والده ووالدته لماذا؟ لأنه زوج أخته من رجل في الشرطة، والسبب في هذا يا إخواني ما هو؟ التحزب المقيت أدى إلى هذه النتيجة المقيتة.

 رابعا مما يدلك على سوء عاقبة التحزب: تحريف أحكام الشريعة بما يتوافق مع آراء حزبهم، الأصل أن المسلم يتبع الحق الذي جاء به الوحي، قال الله عز وجل: ﵟوَأَنِ ٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ وَٱحۡذَرۡهُمۡ أَن يَفۡتِنُوكَ عَنۢ بَعۡضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيۡكَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعۡضِ ذُنُوبِهِمۡۗ وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَٰسِقُونَ ٤٩ﵞ ﵝالمَائـِدَة : ﵙﵔﵜ ، المسلم يتبع كلام الله وكلام النبي صلى الله عليه وسلم وما عليه الصحابة والتابعين، وما ذكره أهل العلم واستدلوا عليه باستدلالات صحيحة بالقواعد الصحيحة والأدلة الشرعية، أما أصحاب الحزبيات فإنهم يسعون إلى نصرة مبادئ حزبهم ولو على حساب أصول الدين عن طريق التأويل الباطل، والتلاعب بتفسير النصوص الشرعية فما يكون اليوم حلالا يصبح في مرحلة ما حراما والعكس كذلك، الدين عندهم يتبدل على حسب مراحل الحزب، كما يسميه سيد قطب: فقه الحركة، وجاء عن حذيفة رضي الله عنه قال: فاعلم أن الضلالة حقّ الضلالة أن تعرف ما كنت تنكر وأن تنكر ما كنت تعرف وإياك والتلون فإن دين الله واحد.

 الأمر الخامس الذي يدلك على فساد هذه الحزبيات: أن فيها الدعوة إلى خلع البيعة عن الإمام وعقدها لرئيس الحزب، الذي ينظر في نظام حزب مثلا الإخوان المسلمين أو أي حزب من الأحزاب السياسية أو التي تسمي نفسها دينية، للعلم هذي الأحزاب التي يسمونها أحزاب دينية سياسية في الأصل هذه غالبهم خوارج فعندهم البيعة لمن؟ لمرشد الحزب وكل فئة منهم يبايعون من هو أعلى منهم مرتبة وخلايا والبيعات عندهم كثيرة جدا وترجع إلى بيعة المرشد العام، وهذا خلاف ما عليه الأدلة الشرعية، دلت النصوص الشرعية وفعل الصحابة والإجماع على لزوم بيعة الرعية للإمام، ودلت على عدم جواز النكث في هذه البيعة وخلعها، عن نافع قال: قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطِيعٍ حِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَرَّةِ مَا كَانَ، زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: اطْرَحُوا لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وِسَادَةً، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ آتِكَ لِأَجْلِسَ، أَتَيْتُكَ لِأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ، لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»([18])  ، وقال صلى الله عليه وسلم: « وَمَنْ بَايَعَ إمَامًا فَأعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إن استَطَاعَ، فإنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنْقَ الآخَرِ»([19])  ، وقال صلى الله عليه وسلم: «ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَومَ القِيَامَةِ، وَلاَ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ: -ومنهم-  وَرَجُلٌ بَايَعَ إمَامًا لاَ يُبَايِعُهُ إلاَّ لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطِهِ مِنْهَا سَخِطَ »([20])  ،  يقول ابن بطال في شرح صحيح البخاري: «في هذا الحديث وعيد شديد فى الخروج على الأئمة ونكث بيعتهم لأمر الله بالوفاء بالعقود؛ إذ في ترك الخروج عليهم تحصين الفروج والأموال وحقن الدماء، وفى القيام عليهم تفرق الكلمة وتشتيت الألفة»([21]) ، وجاء عن نافع قال: لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده فقال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وإني لا أَعْلَمُ غَدْرًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايَعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ الْقِتَالُ: وَإِنِّي لا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ، وَلا بَايَعَ فِى هَذَا الأمْرِ إِلا كَانَتِ الْفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ ([22]) ، يقول ابن حجر في فتح الباري نقلاً عن ابن بطال : «وفيه أن الجماعة الموثوق بديانتهم إذا عقدوا عقد الخلافة لشخص بعد التشاور والاجتهاد لم يكن لغيرهم أن يحل ذلك العقد»([23])  ، والناظر في هذه الأحزاب الموجودة الآن البيعة فيها لمن؟ للمرشد ولرئيس الحزب، وهذا مخالف لما عليه النصوص الشرعية.

 الأمر السادس الذي يدلك على مفاسد هذه الأحزاب: أن فيها إحداثا للفرقة بين المسلمين وإضعافا لقوتهم، وتمكينا للعدو منهم، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الْجَمَاعَةُ رَحْمَةٌ، وَالْفُرْقَةُ عَذَابٌ»([24])  ، وقال صلى الله عليه وسلم: «عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة»([25])  .

وهنا سؤال: هل يسمح الحزب الواحد بتعدد الأحزاب داخله في البلدة الواحدة؟ الجواب العقلي يقول: لا يسمحون، حزب مثلا حزب الإخوان هل يسمحون بتشكل أحزاب داخل الحزب هذا؟ الجواب لا، خلايا نعم فيها خلايا لكن حزب في حزب لا يسمحون؛ لأنه سيؤدي لإضعاف صف قوة الحزب، وكذلك بلاد المسلمين، وإن قيل بجواز تعدد الأحزاب في الدولة المسلمة فأي الأحزاب على الحق، وأيها التي يجب على المسلم أن يتبعها وينضم لها؟ وهذا يؤدي إلى تفرقة المسلمين وإضعاف قوتهم، وكل مع حزبه وكل يدافع عن حزبه وينشغلون بالدفاع عن أحزابهم، كذلك العدو إذا أراد أن يغزو بلده يستطيع أن ينشئ حزبا في هذه البلد لأجل أن يسهم في إضعاف هذا البلد.

 الأمر السابع: دعوة الأحزاب السياسية وما تسمى بأحزاب المعارضة إلى معارضة ولي الأمر والإنكار عليه والدعوة للثورة والخروج عليه، هذا كله مخالف للشريعة الإسلامية التي جاءت بالسمع والطاعة لولي أمر المسلمين، وتحريم الخروج عليه، وتحريم الثورات، ومخالف للهدي الشرعي في مناصحة الإمام، الخروج على الحاكم من صفات الخوارج الذين حذر منهم النبي صلى الله عليه وسلم، وما عرفت هذه الثورات إلا عن أهل الكفر كالثورة الفرنسية ونحوها، وأما الشريعة جاءت بالصبر على الحاكم ولو كان ظالما جائرا ومناصحته والدعاء له، عن عوف ابن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خِيَارُ أئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ. وشِرَارُ أئِمَّتِكُم الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ!» ، تأملوا إلى العلاقة بين الإمام والرعية: «شِرَارُ أئِمَّتِكُم الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ!» قال الصحابة: يَا رسول اللهِ، أفَلاَ نُنَابِذُهُم؟ قَالَ: «لاَ، مَا أقَامُوا فِيْكُمُ الصَّلاَةَ، لاَ، مَا أقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْ وُلَاتِكُمْ شَيْئًا تَكْرَهُونَهُ، فَاكْرَهُوا عَمَلَهُ، وَلَا تَنْزِعُوا يَدًا مِنْ طَاعَةٍ»([26])  ، هذا ما عليه أهل السنة والجماعة قاطبة، ولم ينازع في ذلك إلا الخوارج ومن سار على دربهم ومنهجهم، وأصحاب الأحزاب السياسية يطالبون المشاركة في الحكم، والمشاركة في الثورات ونحو ذلك، وليس همهم الإسلام كما يدعون، وما من ثورة خرجت إلا وجاءت بعكس ما خطط لها وما هدفوا لهاـ، أرادوا الحرية فصار لهم عكس ذلك لأن الثورات تؤدي إلى الفوضى وتؤدي إلى ضياع دين الناس وأنفسهم وعقولهم وأعراضهم وأموالهم، تؤدي إلى ضياع هذه المقاصد العظيمة وبالتالي نعلم من هذه الآثار التي ذكرتها لكم وهي قليلة وهناك آثار أخرى لكن لا يتسع المقام لذكرها أن التحزب أمره خطير، وعلينا أن نحذر من هذه الحزبيات ومن أصحابها، وأن نلتف ونجتمع مع جماعة المسلمين ومع إمام المسلمين، نجتمع مع الحاكم الذي ولاه الله علينا، وأن ندعو له بالصلاح، وأن يرزقه الله البطانة الصالحة ومن كان له نصيحة لذي سلطان فلا يبدها علانية، ولكن ليأخذ بيده إن استطاع، فإن قبل منه فذاك، وإلا فقد أدى الذي عليه، هذا هو الهدي النبوي في هذا الجانب، وأما الحزبيات فشر مستطير، وبلاء عظيم، وعلى المسلم أن يحذر منها وأن يفر منها، وإذا دعي للمشاركة في شيء من هذه الأحزاب أن لا يجيب، هذا من الناحية الشرعية، وإنما كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ» ، فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام حصلت فتنة وفرقة قال: «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ عَلَى أَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ»، هذا هو الهدي النبوي الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الحزبيات والأحزاب ولو ادعت أنها دينية أو أحزاب إسلامية أو أحزاب تسعى لكذا وكذا فإن ما وراءها من الشر الشيء العظيم في الدنيا والآخرة، أسأل الله العظيم أن يوفقني وإياكم لكل خير، هذا والله أعلم.

 سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أن لا إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.


 

([1]) رواه البخاري (2652)، ومسلم (2533).

([2]) رواه أبو داود (4607) ، والترمذي (2676).

([3]) رواه الطبراني في المعجم الكبير( 7659).

([4]) رواه البخاري (3606)، ومسلم (1847).

([5]) رواه مسلم (770).

([6]) رواه البخاري (2581).

([7]) إعلام الموقعين (2/160-161).

([8]) رواه البخاري (3606)، ومسلم (1847).

([9]) (2/548).

([10]) (4/192).

([11]) رواه البخاري (7143).

([12]) رواه مسلم (1848).

([13])رواه أحمد (15638).

([14]) رقم (11537).

([15]) رواه البخاري (6104)، ومسلم (111).

([16]) رواه البخاري (3508)، ومسلم (112).

([17]) (7/287).

([18]) رواه مسلم (1851).

([19]) رواه مسلم (1844).

([20]) رواه البخاري (2358).

([21]) فتح الباري لابن بطال (8/279).

([22]) رواه البخاري (7111).

([23]) فتح الباري لابن حجر (13/189).

([24]) رواه أحمد (18472).

([25]) رواه الترمذي (2165).

([26]) رواه مسلم (1855).