قواعد وأحكام في الرؤى والأحلام


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 
القسم: 

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أما بعد؛

 فإننا نحمد الله عز وجل على نعمة الإسلام، ومقال اليوم بعنوان: "قواعد وأحكام في الرؤى والأحلام"، والحديث عن الرؤى وضوابطها وأحكامها ذو أهمية بالغة خاصة في هذا الزمن الذي اختلط فيه الحق بالباطل، وتحدث في الرؤى وأولها من ليس أهلا لذلك، وأهم الأسباب التي حثتنا على الكلام في هذا الأمر المهم -موضوع الرؤى والأحلام-.

 هناك أسباب شجعتنا على الكلام في هذا الأمر المهم من خلال هذا المقال، من هذه الأسباب: غلو البعض في تقدير الرؤيا، ورفعها فوق مكانتها حتى يعتبرها البعض تشريعا، أو ينقض بها شرع الله عز وجل، فيحلل الحرام أو يحرم الحلال بناء على رؤيا رآها، أو يدعي بها علم شيء من الغيب.

 أيضا من الأسباب التي دعتنا للكلام في هذا الموضوع استهانة بعضهم بالرؤى والأحلام، والتفريط في شأنها فلا يراها شيئا بل يقلل من قيمتها، ويعتبرها كلام عجائز وخرافات وأساطير، أيضا من الأسباب نتكلم عن هذا الموضوع تبيانا للمنهج الوسط فيها، فلا إفراط ولا تفريط، فالرؤى ليست وحيا وتشريعا، كما أنها ليست عبثا وتخليطا، بل منها ما هو حق، ومنها ما هو باطل، أيضا نتكلم عن موضوع الرؤى والأحلام لارتباطها بواقع الناس، فكثيرا ما يتحدث الناس عنها خاصة النساء، فمعرفة الأحكام والقواعد التي تتعلق بالرؤى والأحلام مما تدعو الحاجة لبيانه وإيضاحه، ومن هنا يأتي هذا المقال.

 إن منزلة  الرؤى في الإسلام عظيمة، وأي منزلة أعظم من مجيئها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فها هو إبراهيم عليه السلام يعزم على ذبح ابنه من أجل رؤيا رآها وهاهو إسماعيل عليه السلام ينقاد لذلك، قال الله عز وجل: ﵟ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعۡيَ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ قَالَ يَٰٓأَبَتِ ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّٰبِرِينَ ١٠٢ فَلَمَّآ أَسۡلَمَا وَتَلَّهُۥ لِلۡجَبِينِ ١٠٣ وَنَٰدَيۡنَٰهُ أَن يَٰٓإِبۡرَٰهِيمُ ١٠٤ قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡيَآۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١٠٥ﵞ ﵝالصَّافَّات : ﵒﵐﵑ - ﵕﵐﵑﵜ ، إلى آخر هذه الآيات، كما نجد الرؤيا أيضا تشغل جزءا كبيرا من سورة يوسف وما فيها من رؤيا يوسف عليه السلام، ورؤيا صاحبي السجن، ورؤيا الملك وهكذا في سورة الأنفال نجد رؤيا محمد صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر حينما رأى الكافرين قلة  ليشجع الله المؤمنين على قتالهم، وهكذا يتبين لنا منزلة الرؤى في الاسلام ، و يُعْلَم أن رؤيا الأنبياء حق ووحي، فليست كرؤى سائر الناس، الرؤيا ممهدة لنزول الوحي تقول عائشة رضي الله عنها: «أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِنْ الْوَحْيِ: الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ،  فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ »([1]) ، إلى آخر الحديث، ويقول صلى الله عليه وسلم: «رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ»([2])  ، وكانت الرؤيا جزءا من النبوة؛ لأن فيها ما يعجز ويمتنع كالطيران وقلب الأعيان والاطلاع على شيء من علم الغيب، ولا خلاف بين أهل الحق أن الرؤيا الصادقة حق، وأنها من الله لا ينكرها إلا أهل الإلحاد، وبعض أهل الأهواء، قال الخطابي رحمه الله: «قيل معناه أن الرؤيا تجيء على موافقة النبوة لا أنها جزء باق من النبوة، وقيل المعنى أنها جزء من علم النبوة؛ لأن النبوة وإن انقطعت فعلمها باق وتعقب بقول مالك فيما حكاه بن عبد البر أنه سئل أيعبر الرؤيا كل أحد فقال أبالنبوة يلعب؟ ثم قال الرؤيا جزء من النبوة فلا يلعب بالنبوة، والجواب أنه لم يرد أنها نبوة باقية، وإنما أراد أنها لما أشبهت النبوة من جهة الاطلاع على بعض الغيب لا ينبغي أن يتكلم فيها بغير علم»([3]) .

 والمطالع لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يجد الأحاديث في الرؤيا والثناء عليها كثيرة، ويكفي في فضل الرؤى والثناء عليها قوله صلى الله عليه وسلم: «الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ من الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ »([4])  ، ففي فضل الرؤى والأحلام أحاديث كثيرة، هذه الأحاديث هي موضوع هذا المقال، ومع هذا القدر العظيم للرؤيا في الإسلام فإن فيها من المنافع ما الله به عليم، فإذا تأملنا رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر كم حصل بها من منافع، واندفع بها من مضار، هكذا أيضا رؤياه صلى الله عليه وسلم في الفتح، كم حصل بها من زيادة إيمان وتم بها من كمال إيقان، وكانت من آيات الله العظيمة، وتأمل رؤيا عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما في الأذان والإقامة، وكيف صارت سببا لشرع هذه الشعيرة العظيمة التي هي أعظم الشعائر الدينية، ومرائي الأنبياء والصالحين لا تحصى ما اشتملت عليه من المنافع المهمة والثمرات الطيبة، وهي من جملة نعم الله عز وجل على عباده، ومن بشارات المؤمنين وتنبيهات الغافلين، وفيها تذكرة للمعرضين، وإقامة الحجة على المعاندين، وعلى كل حال فالرؤيا فيها من بديع الله ولطفه ما يزيد المؤمن في إيمانه، ولا خلاف في هذا بين أهل العلم والحق من أهل الرأي والأثر لا ينكر الرؤيا إلا أهل الإلحاد وبعض أهل الأهواء، قال ابن عبد البر رحمه الله: «وعلم تأويل الرؤيا من علوم الأنبياء وأهل الإيمان، وحسبك بما أخبر الله من ذلك عن يوسف عليه السلام، وما جاء في الآثار الصحاح فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأجمع أئمة الهدى من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين أهل السنة والجماعة على الإيمان بها وعلى أنها حكمة بالغة ونعمة يمنّ الله بها على من يشاء، وهي المبشرات الباقية بعد النبي صلى الله عليه وسلم»([5]) .

 نظرًا لما سبق في هذه المقدمة من أسباب الكلام عن الرؤى والأحلام، وأهمية الرؤى ومنزلة الرؤى في الإسلام، سنتكلم في هذا المقال عن أحكام الرؤى والأحلام من خلال النقاط التالية: أسباب الكلام في هذا المقال، تعريف الرؤيا وأنواعها، الحلم والشيطان، منافع وفوائد الرؤيا، آداب المسلم إذا رأى رؤيا، ما هو موقفه من هذه الرؤيا، أيضا نذكر وصايا وتوجيهات لمن رأى رؤيا، وهكذا نذكر أهمية علم التعبير وعناية العلماء به، أقسام المعبرين للرؤى، الضوابط الشرعية في تأويل الرؤيا، منهج تعبير الرؤيا، وصايا وتوجيهات للمعبرين.

 أما تعريف الرؤيا وأنواعها وآدابها، فالرؤيا لغة: مصدر رأى في المنام رؤيا على وزن فعلة، وهي ما رأيته في منامك ، والرؤيا في اصطلاح العلماء عرفت بعدة تعريفات، قال ابن القيم رحمه الله: «فالرؤيا أمثال مضروبة يضربها الملك الذي قد وكله الله بالرؤيا ليستدل الرائي بما ضرب به من المثل على نظيره، ويعبر منه إلى شبهه»([6])  ، وقيل إن الرؤيا: إدراك أمثلة منضبطة في التخيل جعلها الله أعلاما على ما كان أو يكون، وقيل: الرؤى هي عبارة عن خيالات يخلقها الله تعالى في ذهن النائم، فيراها ويعيش معها ويتأثر بها، وهي لغز عجيب وعالم غريب، يدل على عظيم صنع الله وبديع خلقه وقدرته سبحانه وتعالى، قال القرطبي: «وقيل: إن لله ملكا يعرض المرئيات على المحل المدرك من النائم، فيمثل له صورا محسوسة؛ فتارة تكون تلك الصور أمثلة موافقة لما يقع في الوجود، وتارة تكون لمعاني معقولة غير محسوسة، وفي الحالتين تكون مبشرة أو منذرة»([7])  .

 أما أنواع الرؤية؛ فقد دلت السنة أن الرؤيا أنواع، وليست على حدٍ سواء، فمنها ما هو حق ومنها ما هو حديث نفس، ومنها ما هو تحزين من الشيطان للمسلم، وهذه الأحاديث منها ما رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داوود والترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا، وَرُؤْيَا الْمُسْلِمِ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، وَالرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ، فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ»([8])  ، هذا الحديث صحيح بين فيه النبي صلى الله عليه وسلم أنه في آخر الزمان لا تكاد رؤيا مسلم تكذب، وبين أن أصدق هذه الأمة رؤيا أصدقهم حديثا، وذكر لنا أن رؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءا من النبوة، ثم بين لنا أنواع الرؤيا، فقال صلى الله عليه وسلم: « وَالرُّؤْيَا ثَلَاثَةٌ: فَرُؤْيَا الصَّالِحَةِ بُشْرَى مِنَ اللهِ، وَرُؤْيَا تَحْزِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَرُؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ الْمَرْءُ نَفْسَهُ» هذه ثلاثة أنواع للرؤيا بينها النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ»، إذا رأى في منامه حلما أو رؤيا يكرهها فليقم من نومه وليتوضأ وليصلي، حديث ثانٍ أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الرؤيا ثلاث: فبشرى من الله، وحديث النَّفس، وتَخويف من الشَّيطان، فإن رأى أحدكم رؤيا تعجبه فليقصَّها، إن شاء، وإن رأى شيئا يكرهه، فلا يقصُّه على أحد، وليقم يصلي»([9]) ، إذًا بين النبي صلى الله عليه وسلم أنواع الرؤيا قال: «الرؤيا ثلاث: فبشرى من الله، وحديث النَّفس، وتَخويف من الشَّيطان»، والحديث الثالث حديث عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الرؤيا ثلاثة: منها تهويل من الشيطان ليحزن ابن آدم، ومنها ما يهمّ به الرجل في يقظته فرآه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة»([10])  ، ، هذه الأحاديث الثلاثة دلت على أن الرؤيا ثلاثة أنواع: النوع الأول: رؤيا الحق وهي المنتظمة التي لا تخليط فيها، وقد سماها في رواية أخرى في البخاري: «الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ» وفي أخرى أيضا في الصحيحين: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ»وفي رواية الإمام أحمد: «الرُّؤْيَا الحَسَنَةُ» وفي رواية في الصحيحين أيضا: «رُؤْيَة بُشْرَى»، وهي التي يحصل بها التنبيه على أمر في اليقظة صحيح، هذا النوع الأول الرؤيا الحق.

 النوع الثاني من أنواع الرؤى التي بينتها هذه الأحاديث رؤيا حديث نفس، حديث النفس هي التي تكون عما يحدث به الإنسان نفسه، أو يكون مهتما به ومشغولا به في حال اليقظة، فإذا نام رأى ذلك في منامه .

النوع الثالث: رؤيا من الشيطان، وهي رؤية تحزين وتهويل وتخويف، يدخل كل ذلك الشيطان على الإنسان في نومه ليشوش يقظته، إذًا الحلم والشيطان فيستغل الشيطان المسلم في نومه خاصةً إذا نام ولم يراعي آداب النوم ولم يذكر الله عز وجل، فيوسوس له في نومه ويتلعب به بطرق مختلفة، من هذه الطرق: أن يريه في النوم ما يحزنه كأن يرى نفسه مرتكبا لمحرمات وعظائم، أو أنه يتكلم في الله ورسله بما يسوء، أو ينكر شيئا من الغيب ونحو ذلك، وقصد الشيطان من ذلك تشكيكه في دينه، وزرع النفاق وعدم الثقة فيه، وهذا من عداوة الشيطان لبني آدم أن يريه في نومه ما يحزنه، أيضا من تلاعب الشيطان بالمسلم في نومه أن يريه في المنام ما يسبب الفرقة بينه وبين المؤمنين، ويلبس عليهم كأن يرى في منامه ما يخالف له الأحكام الشرعية الثابتة، أو يرى من يحكم على بعض المسلمين بالكفر، أو يرى ملائكة تأمره بفعل المعاصي، أو يرى نفسه أنه أصلح الناس وأفضلهم أو أنه مهدي زمانه ونحو ذلك، إذًا هذا أيضا من تلاعب الشيطان في المنام عن طريق الحلم، ولذلك إذا رأى الإنسان ذلك فليعلم يقينا أن ذلك من الشيطان للتفريق بين المؤمنين وإفساد الدين، وعليه أن يتبع سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم في الرؤيا المكروهة، لا يحدث بذلك أحد بل ينساه وكأنه لم يكن، ويتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤيا المكروهة، الاستعاذة بالله من شر هذه الرؤيا، التفل عن يساره ثلاثا لطرد الشيطان، الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، أن يتحول عن جنبه الذي كان عليه تفاؤلا بتحول حاله إلى الأحسن، أن يقوم ويتوضأ ويصلي ليطمئن قلبه، أيضا أن لا يحدث بها أحدا.

 للرؤيا منافع وفوائد قد تخفى على كثير من الناس، فالرؤيا الصادقة من الله فيها منافع جمة، الرؤيا الصادقة من الله، الرؤيا الصالحة، الرؤيا الحسنة فيها منافع كثيرة أنها تثبيت من الله عز وجل للمؤمنين، ولذلك جاء في الحديث الصحيح الذي مر معنا أنه لا يبقى في آخر الزمان إلا المبشرات فقالوا: ما هي يا رسول الله؟ قال: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الرَّجُلُ أَوْ تُرَى لَهُ» ، وأنه في أخر الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب كما مر معنا، حيث أشد ما يكون المؤمن إلى تثبيت الله تعالى له في هذا العصر الذي قلّ فيه المعينون، وكثر فيه المخالفون والمناوئون، يريه الله عز وجل هذه الرؤيا الصادقة لتثبيته، وهذه عظيمة، أيضا من المنافع أن هذه الرؤيا الصادقة من الله فاتحة خير في أمور كثيرة، فمن المسلمين من يهتدي للحق بسبب هذه الرؤيا، كما حصل للفضيل بن عياض ومالك بن دينار وجمع من الناس قديماً وحديثاً، ومنهم من يزداد إيمانا ويقوى إيمانه بسبب هذه الرؤيا الصادقة، كما حصل لعبد الله ابن عمر في رؤياه المشهورة التي عبرها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ، فَكَانَ عَبْدُ اللهِ، بَعْدَ ذَلِكَ، لَا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا»([11]) ، أيضا من فوائد الرؤيا الصادقة أنها فاتحة خير في أمور الدنيا، كالدلالة على الرزق أو على العلاج أو على العائن والأمثلة لذلك أكثر من أن تحصى، وكم من مريض رأى من أصابه بالعين بذاته أو رأى رمزا يدل عليه فأخذ من أثره فشفاه الله عز وجل.

 إذا تكررت الرؤيا والأحلام عند المسلم فهناك حالات عند الناس، من هذه الحالات اهتمام صاحبها بالأمر إذا اهتم الإنسان بشيء ما أشغله في واقعه فإنه كثيرا ما يراه في منامه، والمرجع ذلك همّ القلب فان كان مشتغلا بالدين والإيمان رأى ما يناسب ذلك، كصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يحدثونه برؤاهم كل يوم، وإن كان هذا المسلم مشغولا بدنيا كزواج أو دراسة أو تجارة فإنه غالبا ما يرى أو يحلم أو يحدث نفسه بما يناسب ذلك في المنام فتتكرر الرؤى والأحلام عنده.

أيضا من الحالات في تكرر الرؤى العجز عدم التمكن من الشيء، فإذا أغلقت أمام الإنسان الأبواب في أمر ما رأى في منامه فتحا له أو بديلا عنه، ولذا تكثر الرؤى والأحلام لدى المساجين كما حصل للمسجونين مع يوسف عليه السلام لعل هذه الرؤى تكون تطمينا وتثبيتا.

 أيضا من حالات تكرر الرؤى التطلع للمجهول والغيب الذي أخفاه الله عز وجل لحكمته عن الإنسان لأن الإنسان بطبعه يتطلع لمعرفة الغيب فإن كان منحرفا اتجه للعرافين والكهنة والمنجمين وغيرهم، نسي أن الله عز وجل لا يقبل له صلاة أربعين يوما بذهابه لهؤلاء، أما المؤمن فإنه يتطلع إلى الرؤيا التي قد يفتح الله بها شيئا من ذلك، ينظر إليها أنها بشارة بخير أو تحذير من شر.

 ما هي آداب المسلم إذا رأى رؤيا؟ بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم جملة من الآداب التي تشرع للمسلم حينما يرى رؤيا سواء كانت رؤيا صالحة محبوبة، أو كانت رؤيا مكروهة، ولذلك قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «فحاصل ما ذكر من أدب الرؤيا الصالحة ثلاثة أشياء أن يحمد الله عليها وأن يستبشر بها وأن يتحدث بها لكن لمن يحب دون من يكره وحاصل ما ذكر من أدب الرؤيا المكروهة أربعة أشياء: أن يتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان وأن يتفل حين يهب من نومه عن يساره ثلاثا ولا يذكرها لأحد أصلا، ووقع عند المصنف- البخاري- في باب القيد في المنام عن أبي هريرة خامسة وهي الصلاة ...وزاد مسلم سادسة وهي التحول»([12]) .

 إذًا نتكلم عن آداب الرؤى المحبوبة وآداب الرؤى المكروهة، بناءً على الأدلة التي مرت معنا نلخصها، آداب الرؤيا الصالحة إذًا:

 الأدب الأول: أن يحمد الله عليها، ودل على ذلك ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها، فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره»([13])،  إذًا هذا الأدب الأول من آداب الرؤيا الصالحة أن يحمد الله عليها.

 الأدب الثاني: أن يستبشر بها، ودل على ذلك ما رواه مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ، وَالرُّؤْيَا السَّوْءُ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَمَنْ رَأَى رُؤْيَا فَكَرِهَ مِنْهَا شَيْئًا فَلْيَنْفُثْ عَنْ يَسَارِهِ، وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، لَا تَضُرُّهُ وَلَا يُخْبِرْ بِهَا أَحَدًا، فَإِنْ رَأَى رُؤْيَا حَسَنَةً، فَلْيُبْشِرْ وَلَا يُخْبِرْ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ»([14])  إذًا الأدب الثاني أن يستبشر بالرؤيا الصالحة.

 الأدب الثالث: أن يتحدث بها إذا أراد يجوز له أن يتحدث بالرؤيا الصالحة لكن لمن يحب لمن يثق به، دون من يكره، دل على ذلك ما في الصحيحين عن أبي سلمة قال: «إِنْ كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِي، قَالَ: فَلَقِيتُ أَبَا قَتَادَةَ، فَقَالَ: وَأَنَا كُنْتُ لَأَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِي، حَتَّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ، فَلَا يُحَدِّثْ بِهَا إِلَّا مَنْ يُحِبُّ، وَإِنْ رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشَرِّهَا، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ»([15]) إذًا الأدب الثالث أن يتحدث بها لكن لمن يحب دون من يكره، والدليل ما جاء في هذا الحديث الذي في الصحيحين:« فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ، فَلَا يُحَدِّثْ بِهَا إِلَّا مَنْ يُحِبُّ» هذه ثلاثة آداب للرؤية الصالحة المحبوبة.

 هناك ستة آداب عند الرؤية المكروهة جاءت عليها الأدلة:

 الأدب الأول: أن يتعوذ بالله من شرها، وقد مر قبل قليل حديث أبي قتادة رضي الله عنه في الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم أثناء الحديث « وَإِنْ رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتْفُلْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشَرِّهَا، وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ».

 الأدب الثاني من آداب الرؤية المكروهة: التعوذ من شر الشيطان ثلاثا أيضا حديث أبي قتادة في صحيح البخاري الذي مرّ معنا قبل قليل: «فمن رأى شيئا يكرهه فلينفث عن شماله ثلاثا، وليتعوذ من الشيطان فإنّها لا تضره».

الأدب الثالث من آداب الرؤية المكروهة: النفث أو التفل أو البصق عن يساره ثلاثا، وأيضا دليله وحديث أبي قتادة أيضا الذي مر معنا قبل قليل: «فمن رأى رؤيا فكره منها شيئا فلينفث عن يساره»، وفي لفظ: «فليتفل عن يساره ثلاثا»، وجاء أيضا في لفظ آخر في حديث جابر: «فَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا».

 الأدب الرابع من آداب الرؤية المكروهة: عدم ذكرها لأحد أبدا لا لمحب ولا لغيره، لا يجوز له أن يتكلم فيها نهائيا الرؤيا المكروهة، دل عليه حديث أبي سعيد الخدري الذي مر معنا قبل قليل، قال صلى الله عليه وسلم: « وَلَا يُخْبِرْ بِهَا أَحَدًا » هذا نهي صريح، وهكذا في حديث أبي قتادة قال صلى الله عليه وسلم: «فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد، فإنها لا تضره»، وفي لفظ: «وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ» هذا الأدب الرابع من آداب الرؤيا المكروهة عدم ذكرها لأحد أبدا.

 الأدب الخامس: الصلاة بعد الرؤيا، و مر معنا في حديث أبي هريرة في الصحيحين: «فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلّ».

 الأدب السادس من آداب الرؤيا المكروهة: التحول عن جنبه الذي كان عليه إذا كان ينام على جنبه الأيمن أو على ظهره أو على جنبه الأيسر يغير يتحول عن جنبه الذي كان عليه، دل  على ذلك حديث جابر عند مسلم قال صلى الله عليه وسلم: «وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ» .

 ما هو موقف المسلم إذا رأى رؤيا؟ لا ينبغي للإنسان أن يشغل نفسه بالرؤى لكن إذا حصلت له رؤيا حسنة أمكنه تعبيرها فإنه يعبرها وإن لم يعبرها ووثق في أحد وسأله عبرها له، وإن كان فيها شيء لا يعجبه فيأخذ بالآداب التي أرشد إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم آداب الرؤيا المكروهة التي مرت معنا قبل قليل، أما أن يشتغل أو يشغل المسلم نفسه بالرؤى وبتعبيرها فإنه قد يشتغل بذلك عن غيره مما هو أهم منه، والعلماء ما كانوا يحرصون على الاشتغال بالرؤى هذا يحتاج إلى وقت، ليبحث ويقرأ عن فلان وعن فلان، أما بعض المعبرين المعاصرين الذين تصدروا للتعبير فسوقهم رائجة الناس يشغلونهم أكثر مما يشغلون العلماء في مسائل الدين وفي مسائل الفقه وفي الأمور التي يحتاجون إليها في أمور دينهم، فينبغي للمسلم أن لا يشغل نفسه بالرؤى هذا هو الموقف الصحيح للمسلم، إذا رأى رؤيا.

هنا وصايا وتوجيهات للرائي للرؤيا نلخصها، خلاصة ما سبق لا تقص الرؤيا إلا على عالم بالشريع،ة الرؤيا الصالحة الرؤيا الحسنة لا تقصها إلا على عالم بالشرع، أو ناصح ودل على ذلك ما رواه الدارمي والترمذي بسند صحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « لَا تُقَصُّ الرُّؤْيَا إِلَّا عَلَى عَالِمٍ، أَوْ نَاصِحٍ»([16]) .

 من الوصايا والتوجيهات أيضا للرائي: الحذر من الكذب في الرؤيا، احذر أن تكذب في الرؤيا، تقول: رأيت في المنام ورأيت وأنت كاذب هذا من كبائر الذنوب، والدليل ما رواه البخاري عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من تحلّم بحُلمٍ لم يره كلّف أن يعقد بين شعيرتين، ولن يَفعل»([17]) ، إذًا الحذر من الكذب في الرؤيا، أيضا من الوصايا والتوجيهات للرائي: عدم قص الرؤيا المخيفة على أحد قد مر معنا حديث أبي قتادة في الصحيحين، أيضا من الوصايا للرائي أن يكون صادقا في كلامه ويحذر من الكذب، كذلك يحرص على أن يقص الرائي الرؤيا على المعبر بنفسه لا يوكل أحدا أن يسأل لا هو بنفسه يقص الرؤيا الصالحة على المعبر بنفسه، لذكر التفاصيل ليسهل على المعبر أن يعبر هذه الرؤيا، أيضا من الوصايا والتوجيهات للرائي أن يقص جميع ما رآه على المعبر لا يترك منه شيئا لأهمية ذلك في تعبير الرؤيا.

 الآن نتكلم عن أهمية علم التعبير وعناية العلماء به، علم التعبير في الشريعة له أهمية بالغة كما أشرنا في أول المقال، وكذلك أيضا ذكر الله عز وجل في كتابه هذا العلم -علم التعبير- مما يدل على عناية الإسلام بعلم التعبير تعبير الرؤى، كذلك بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آدابا وأحكاما للرؤى كما مر معنا، وهكذا وردت أخبار عن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم مما يدل على اهتمامهم بهذا العلم وعنايتهم بأحكامه، وما يتضمنه من الحكم والأحكام والمعاني، ولذلك كما جاء في الصحيحين من حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ممّا يكثر أن يقول لأصحابه: «هل رأى أحدٌ منكم من رؤيا» قال: فيقصّ عليه من شاء الله أن يقص»([18]) .

 إذًا اعتنى الإسلام بعلم التعبير، ولذلك العلماء اعتنوا بذلك، ويقول عبد الله ابن عمر رضي الله عنه: «إنّ رِجَالا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم كانوا يَرَوْنَ الرُّؤْيَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَيَقُصُّونَهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -  فَيَقُولُ فِيهَا رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا شَاءَ اللهُ»([19])  ، وهكذا أخبار كثيرة تدل على أهمية هذا العلم لذلك العلماء اعتنوا بهذا العلم، وقال الحافظ: «وفيه أن الاهتمام بأمر الرؤيا بالسؤال عنها وفضل تعبيرها واستحباب ذلك بعد صلاة الصبح لأنه الوقت الذي يكون فيه البال مجتمعا»([20])  والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحرص على تعليم أصحابه أحكام الرؤيا لأنها إن كانت صادقة تكون من الله وهي من أجزاء النبوة، والتصديق بها حق وفيها من بديع حكمة الله عز وجل ولطفه ما يزيد المؤمن في إيمانه وطاعته، والرؤيا من عجائب صنع الله عز وجل وبديع تكوينه، قال أبو الوليد الباجي رحمه الله: «ولذلك كان يقول: «إنه ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة» حضا لهم على تعليمها، والاهتبال بها ليبقى لهم بعده جزء من النبوة، يدخل عليهم بها مسرة ويحضهم على مصلحة ويزجرهم بها عن معصيته»([21]).

 

 

 ونتكلم عن أقسام المعبرين، أقسام المعبرين خمسة، الذين يعبرون الرؤى خمسة أقسام:

 القسم الأول: قسم اعتمد في تعبيره على انتقاء بعض الرموز من هذه الرؤيا، انتقاء بعض الرموز، فيعبر الرؤيا وهذا فيه اعتداء على حال الرائي؛ لأن الرؤيا واقع متكامل لا يتجزأ لا بد أن يعرف جميع تفاصيل الرؤيا، جميع الرموز لهذه الرؤيا، فهذا القسم على خطأ اعتمد في تعبيره على النزعة الانتقائية لبعض الرموز فقط.

 القسم الثاني من أقسام المعبرين: قسم اعتمد في تعبيره على النزعة التوافقية لكتب التعبير السابقة، يقيس على ما سبق، ما وجد في الكتب السابقة في تعبير الرؤى، أيضا في هذا اعتداء على الرائي فكل جيل يختلف واقعه عن غيره هذا القسم الثاني أيضا على خطأ.

 القسم الثالث من أقسام المعبرين: قسم اعتمد في تعبيره على النزعة الإلهامية فقط، الإلهام جعلها خاصة على المعبر، وهذا مخالف لما عليه سلفنا الصالح وأئمة الإسلام، ولم يرد عليه دليل ولا اطردت به عادة، يعتمد على إلهامه ما يقع في قلبه لتعبير هذه الرؤيا، وهذا أيضا قسم على خطأ هذه ثلاثة أقسام.

القسم الرابع: قسم اعتمد في تعبيره على النزعة النفسية فقط كعلماء النفس ومن وافقهم، أهمل الجوانب الأخرى الواردة في السنة كالرؤيا الصادقة والحلم الشيطاني، أهملها اعتمد على علم النفس، أيضا هذا على خطأ.

 القسم الخامس: وهو الذي وافق الحق والصواب من المعبرين، قسم اعتمد في تعبيره على النزعة التكاملية من جمع للرموز كلها ومعرفة حال الرائي، هذا القسم هو الصحيح الذي عليه الدليل الشرعي وموافقة علماء الأمة، وهذا الذي أردناه هنا، فالرؤى لغة مصورة لو أحسن فك رموزها ومفرداتها، وتم ربطها بالواقع المعاش لهذا الرائي لأصبحت خطاً صالحاً لحل كثير من مشاكل الحياة، أو الاستعداد لها، ولأصبحت مصدرا من مصادر المعرفة والإلهام.

  ما هو الضابط الشرعي الصحيح في تأويل الرؤيا؟ بما أن الرؤيا الصادقة نوعان النوع الأول :ظاهر لا يحتاج إلى تأويل يقع كرؤيا الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين، ومثال ذلك رؤيا نبي الله إبراهيم عليه السلام في ذبح إسماعيل رؤيا صالحة ظاهرة، لا تحتاج إلى تأويل، النوع الثاني: قسم يحتاج إلى تأويل وتعبير؛ لأنها أمثال يضربها الملك ليستدل الرائي بما ضرب له من مثل، هذا كثير الوقوع ومثاله ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رَأَيْتُ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فِيمَا يَرَى النَّائِمُ، كَأَنَّا فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ، فَأُتِينَا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابٍ، فَأَوَّلْتُ الرِّفْعَةَ لَنَا فِي الدُّنْيَا، وَالْعَاقِبَةَ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّ دِينَنَا قَدْ طَابَ»([22])  .

 فالنبي صلى الله عليه وسلم أوّل هذه الرؤيا؛ لأنها تحتاج إلى تأويل وتعبير، فأخذ من رافع الرفعة عقبة ابن رافع أخذ من هذا الاسم هذا رمز أخذ به النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الرؤيا رافع فأخذ منها الرفعة، ومن عقبة العاقبة عقبة ابن رافع العاقبة الرفعة والعاقبة ومن رطب ابن طاب طيب الدين، فأي تأويل للرؤيا بغير هذا الضابط فهو مردود بهذا النص، إذًا قسم من أقسام الرؤيا الصادقة يحتاج إلى وتعبير؛ لأنها أمثال يضربها الملك ليستدل بها الرائي بما ضرب له من المثل، وهذا الدليل فالنبي صلى الله عليه وسلم رأى فيما يرى النائم: « كَأَنَّا فِي دَارِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ، فَأُتِينَا بِرُطَبٍ مِنْ رُطَبِ ابْنِ طَابٍ» فعبّر هذه الرؤيا الرفعة لنا في الدنيا والعاقبة في الآخرة وأن ديننا قد طاب.

 منهج تعبير الرؤيا: فالمعبر إذا أراد أن يعبر الرؤيا على وجهها الصحيح يلزمه معرفة أدوات التعبير للرؤى فمن لا يملك هذه الأدوات فإنه لا يحسن التعبير؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، تعبير الرؤيا علم ومهارة تكتسب، وما الإلهام في التعبير إلا إحدى المهارات المكتسبة نتيجة تجربة، فإذا أردت تعبيرا موفقا عليك أن تتعلم قواعد الرؤيا أولا، ثم تكتسب مهاراتها وتطبيقاتها لاحقا، أما كيفية التعبير فبعد سماعك تفاصيل الرؤيا من الرائي الجأ إلى الله وجل واطلب منه التوفيق والإعانة والتسديد في تعبير هذه الرؤيا، وضع يدك على رموز هذه الرؤيا المهمة المرتبطة بواقع وحال الرائي، ثم اجمع وألف بين باقي الرموز الأخرى دون ما إهمال لبعض الرموز خذ بجميع الرموز الأخرى، كأنما تنظمها نظما بوضع تصور خاص، أضف لذلك ما ينقدح في ذهنك من معنى عام يربطها جميعا، واحملها على الفعل قدر الإمكان وطبق قواعد الرؤيا المذكورة في هذا المقال التي مرت معنا، فإن أشكل عليك تعبير هذه الرؤيا فقل: الله أعلم فهي نصف العلم، لا يلزمك تأويل كل رؤيا فالرؤيا مثل الفتوى اجتهد، وخذ بأسبابها وبقواعد الفتوى وبقواعد الرؤيا، ثم عبر فإذا لم تسطع أن تصل إلى التعبير أشكلت عليه قل: الله أعلم كالمفتي، إن تبين لك تأويلها فقلت بسم الله، ثم ادع لصاحبها قل له: خيرا أعطيت وشرا كفيت، ثم أول هذه الرؤيا دون جزم، لا تجزم بأنها حق قل: إن صدقت رؤياك فهي كذا وكذا والله أعلم.

 نختم هذا المقال أيضا بتنبيهات ووصايا للمعبرين لمن تصدر لتعبير الرؤى، هذه وصايا مهمة نختم بها هذا المقال، من الوصايا والتوجيهات للمعبرين: الحذر من الإقدام على التعبير من غير دراية ومن غير علم لأصول وقواعد التعبير، «قيل لمالك رحمه الله أيعبر الرؤيا كل أحد فقال أبالنبوة يلعب، وقال مالك: لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها، فإن رأى خيرا أخبر به وإن رأى مكروها فليقل خيرا أو ليصمت، قي:ل فهل يعبرها على الخير وهي عنده على المكروه لقول من قال: إنها على ما أولت عليه فقال: لا ثم قال: الرؤيا جزء من النبوة فلا يتلاعب بالنبوة»([23])  .

 إذًا من الوصايا والتوجيهات للمعبرين الحذر من الإقدام على التعبير من غير دراية ومن غير علم لأصوله، ومن الوصايا: الحذر من الاعتماد على كتب تفسير الأحلام والقواميس التي وضعت لها، حينما يقوم بتعبير رؤى الناس، لا يرجع إلى كتب تفسير الأحلام، من الوصايا: الحذر من أن يكون هدف المعبر تحصيل المال وجمعه، من الوصايا: لابد من استيعاب جميع الرؤيا حينما يقصها عليك الرائي، عدم الاستعجال في تعبير الرؤيا، مراعاة اختلاف هيئات الناس في التعبير، الستر على حال الرائي، أن لا يعجب المعبر بنفسه، عدم التكلف في تعبير الرؤيا، هذه وصايا وتوجيهات للمعبرين ختمنا بها هذا المقال فيما يتعلق بقواعد وأحكام في الرؤى والأحلام.

 نسأل الله عز وجل أن يفقهنا في ديننا، كما نسأله عز وجل أن يحفظ بلادنا دولة الإمارات وبلاد المسلمين من كل سوء وفتنة، كما نسأله عز وجل أن يوفق ولاة أمورنا لكل خير، وأن يرزقهم البطانة الصالحة، اللهم فقهنا في ديننا، اللهم أحينا على الإسلام وأمتنا عليه، اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


 

([1]) رواه البخاري (3).

([2]) رواه البخاري (7017)، ومسلم (2263).

([3]) نقله ابن حجر في فتح الباري (12/363).

([4]) رواه البخاري (6983)، ومسلم (8).

([5]) التمهيد (24/49).

([6]) إعلام الموقعين (1/149).

([7]) الجامع لأحكام القرآن (9/125).

([8]) رواه مسلم (2263)، والترمذي (2270)، وأبو داود (5019)، وأحمد (7642).

([9]) رواه أحمد في المسند وابن ماجه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1341).

([10]) رواه ابن ماجه وابن حبان، وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في فتح الباري (12/407)، والألباني في السلسلة الصحيحة (1870).

([11]) رواه البخاري (1121).

([12]) فتح الباري (12/370).

([13]) رواه البخاري (6638).

([14]) رواه مسلم (2261).

([15]) رواه البخاري (7044)، ومسلم (2261).

([16])  صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2396).

([17]) رواه البخاري (6635).

([18]) رواه البخاري (7047)، ومسلم (2275).

([19]) رواه البخاري (7028).

([20]) فتح الباري (12/446).

([21]) المنتقى شرح الموطأ (7/276).

([22]) رواه مسلم (2770).

([23]) أورده ابن عبد البر في التمهيد (1/288)، والزرقاني في شرح الموطأ (4/148)، وابن حجر في فتح الباري  (12/363).