إدارة الوقت


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد:

حياكم الله وبيَّاكم، وجعل الله تبارك وتعالى الجنة مثوانا ومثواكم، وكتب لكم أجر هذه الخطوات.

موضوع اليوم أمر له أهمية بالغة في حياة العبد المسلم، وهو عن إدارة وقته.

إدارة الوقت إذا تأملنا في النصوص الشرعية وجدنا أن النصوص تعظم أمر الوقت، فقد أقسم الله جل وعلا بالأزمنة في آيات كثيرة، وهذا دليلٌ على عِظَمِ المقْسَم به، قال جل وعلا: ﵟوَٱلضُّحَىٰ ١ﵞ ﵝالضُّحَى : ﵑﵜ، قال: ﵟوَٱلۡعَصۡرِ ١ﵞ ﵝالعَصۡر : ﵑﵜ قال تعالى: ﵟوَٱلَّيۡلِ إِذَا يَغۡشَىٰ ١ﵞ ﵝاللَّيۡل : ﵑﵜ، ﵟوَٱلۡفَجۡرِ ١ﵞ ﵝالفَجۡر : ﵑﵜ، وهذه المخلوقات العظيمة التي أقسم الله جل وعلا هي الأزمنة، وهي مواسم العبادة التي يتعبد بها الإنسان لربه جل وعلا، وهذا دليل على عِظَمِ أمر الوقت؛ لأنه حياة الإنسان.

والإنسان إنما هو ليالٍ وأيام، وكما قيل: "إذا ذهب بعض أيامه ولياليه فقد ذهب جزءٌ من عمره"، وكلما تقدم الإنسان كلما اقترب من أجله ولعظيم أمر الوقت، فالله جل وعلا جعل الزمان من دلائل عظمته وقدرته وقوته، وضرب به الأمثلة للعباد: يتفكَّرون، ويتدبرون، ويتأملون، ويتعلمون عظم هذه المخلوقات، ومن ذلك قول ربنا جل وعلا: ﵟقُلۡ أَرَءَيۡتُمۡ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيۡكُمُ ٱلَّيۡلَ سَرۡمَدًا إِلَىٰ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَنۡ إِلَٰهٌ غَيۡرُ ٱللَّهِ يَأۡتِيكُم بِضِيَآءٍۚ أَفَلَا تَسۡمَعُونَ ٧١ﵞ ﵝالقَصَص : ﵑﵗﵜ، وهذا ضرب مثل بهذا الزمان وهو وقت، وحياة الإنسان بين ليلٍ ونهارٍ، بين ليلٍ يسكن فيه وبين نهارٍ فيه معاشه وعمله ورزقه وكسبه، ولذلك من عظم أمر الوقت أن الله ربط الكثير من العبادات بالأزمنة، فالصيام له زمان والحج له زمان ﵟٱلۡحَجُّ أَشۡهُرٞ مَّعۡلُومَٰتٞﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵗﵙﵑﵜ ، ولا يصام الفرض إلا في شهر رمضان وهو أحد الأزمنة، ولا تخرج الزكاة إلا إذا حال الحول وهو زمان، وهكذا ارتبطت كثير من العبادات بالوقت، فكان الوقت أمراً مهما جدا، ومن تتبع أهمية الوقت فيما يتعلق بالعبادات لرأى أن للوقت أثراً عظيما جداً في كثير من المسائل: (في مسائل الطهارة- في مسائل الصلاة -في مسائل الزكاة- وفي مسائل الصيام-وفي مسائل الحج- وفي مسائل البيوع- وفي مسائل المعاملات وفي غير ذلك).

ولعظم أمر الوقت فقد نبهنا نبينا صلى الله عليه وسلم على أنه نعمة عظيمة، ولماذا نعمة؟ لأنه الأنفاس التي نتنفَّسها، الحياة التي نعيشها، قال صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَتَانِ مَغبونٌ فيهما كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ، وَالفَرَاغُ»([1]) إذًا وجود الوقت في حياة الإنسان نعمة، ولا يتخلى الإنسان عن وقته إلا إذا مات، فإنه إذا مات انقطع عن الفراغ، انقطع عن اكتساب الوقت، انقطع عن استغلال الوقت، ولذلك هل يُسأل الإنسان عن هذا الوقت الذي يظن كثير من الناس أنه شيءٌ يملكه؟

-       نعم يُسأل عنه لقوله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ -وذكر مما يُسأل عنه-: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ،  وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ»([2])  ، إذًا أنت مسؤول عن عمرك، عن حياتك، عن لياليك وأيامك، عن الساعات التي تمضي عليك، بل عن الدقائق التي بين يديك، هذه أنت مسؤول عنها فيما تنفق هذه الساعات، وفيما يمضي عليك هذا العمر وهذه السنون وهذه الأيام وهذه الشهور وهذه الدقائق والثواني.

·       والإنسان في حياته كلها هو يعيش ثلاثة أزمنة:

أ‌-                 زمن ماضٍ قد ولّى بما فيه.

ب‌-           وبين زمن حاضر، وهو زمن العمل وهو يومك وأنت ابن يومك.

ت‌-           وبين زمن يأتي، لا تدري أتدركه أم تكون ممن فارق الأيام قبل قدومها.

إذن ما مضى إن كان في حسنات فإن الإنسان يزداد من ذلك الخير، وإن كان في تقصير وتفريط فإنه يبادر إلى الاستغفار والتوبة، وأما زمنك الحالي فأنت تعيشه الآن، وأنت ابن يومك تقضي هذا اليوم فيما يقربك إلى ربك جل وعلا، ولذلك من الأمور المهمة أن نعلم أن مفهوم ما يعتقده البعض بأن الوقت هو المال هذا مفهوم خاطئ، وهو مفهوم من تعلق بهذه الدنيا، إنما الوقت هو الحياة، الوقت هو العمر الوقت هو بقاؤك في الدنيا عيشك تنفسك هذا وقتك، وأما المال فإنه قد يحصل مع الكدِّ وقد لا يحصل، وقد يبذل الإنسان أسباب تحصيله ولا يتيسر له ، ومن نظر إلى أن الوقت هو المال أشغل عمره فيما يضيع فيه عمره وفيما تضيع عليه آخرته، ومن نظر إلى أن الوقت هو الحياة فإنه حرص على أن تقوم هذه الحياة على أمر العبادة لله سبحانه وتعالى تفقها وتعبدا وتمسكا بأخلاقيات البقاء في هذه الحياة من العمل ومن العلم الذي بني عليه هذا العلم، يقول ابن القيم -رحمه الله-:"السَّنَةُ شجرة والشهور فروعها والأيام أغصانها والساعات أوراقها والأنفاس ثمرها، فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة"([3])  ، من كانت أنفاسه في طاعة (في ذكر -في صلاة -في استغفار- في صلة رحم- في بر والدين- في إحسان للغير)، فلا شك أن هذه الثمار ستكون طيبة سيجني من جناها في هذه الدنيا وسجد لذتها أيضا وثمرتها في الآخرة ، ولذلك يقول الحسن البصري -رحمه الله- :"يا ابن آدم إنما أنت أيام مجموعة، كلما ذهب يوم ذهب بعضك"، ولذلك العجب ممن يفرح أو يحتفل بيوم ميلاده، هذا اليوم الذي يقربك إلى أجلك، والحق أنك تجعله يوم محاسبة أن قد بلغت من العمر كذا وكذا وما هو رصيدك من العمل وما هو رصيدك من التقوى وما هو رصيدك من العلم، ومضت سنة من عمرك هل قرّبتك إلى  مولاك وأدنتك منه، وكنت فيها متمسكا بهدي نبيك صلى الله عليه وسلم نافعا لنفسك ولأهلك ولمجتمعك أم كنت من جملة سقط المتاع الذي وجوده كعدمه بل إن وجوده مضرة على نفسه أو مضرة على غيره.

إذًا لابد أن نعلم أن الفرح ليس في قطع الليالي والأيام ومجرد أن تزداد حصيلتنا من هذه الأيام دون وجود عمل صالح، وكما قال القائل:

إنا لنفرح بالأيام نقطعها   ***   وكل يوم لنا يدني من الأجل

وعلى هذا فقبل أن نتكلم عن إدارة الوقت ونعرف بمفهومه لابد أن نعلم أن هناك معوقات تمنع العبد من أن يستغل وقته، أو أن يحرص على عمره، هذه المعوقات هي سبب ضياع العمر، وهي سبب ذهاب الحياة -الحياة الحقيقية- إذ ليست الحياة أن تتنفس إنما الحياة أن تعمل، ولذلك قيل:

فاعمل لنفسك قبل موتك ذكرا   ***   فالذكر للإنسان عمرٌ ثاني

ربما تعيش بعد موتك، إذا كان عملك في حياتك عملا صالحا فيبقى ذكرك ويبقى أثر عملك وقد فارقت الدنيا، من هذه المعوقات:

أولا- عدم محاسبة النفس: تمضي عليك الليالي والأيام دون أن تنظر ماذا قدمت وماذا فعلت، دون أن تتأمل في عبادتك، دون أن تتمعن في تقواك لمولاك، عدم محاسبة النفس دليل الغفلة، والله جل وعلا يقول: ﵟإِنَّ ٱلنَّفۡسَ لَأَمَّارَةُۢ بِٱلسُّوٓءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيٓﵞ ﵝيُوسُف : ﵓﵕﵜ ، ونبينا صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ من هذه النفس يقول: "ونعوذ بالله من شرور أنفسنا" الاستعاذة من شر النفس وأن تقوم نفسك حتى تبلغها إلى مراتب النفس اللوامة التي تساعد صاحبها وتذكر صاحبها وتلوم صاحبها على التقصير ﵟلَآ أُقۡسِمُ بِيَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ ١ وَلَآ أُقۡسِمُ بِٱلنَّفۡسِ ٱللَّوَّامَةِ ٢ﵞ ﵝالقِيَامَة : ﵑ - ﵒﵜ ، وترتقي إلى أن تصل بها إلى النفس المطمئنة، هذه النفس التي هي من دلائل نجاة العبد يوم القيامة بل من وصوله إلى المراتب العالية، ولذلك جاء عن عمر رضي الله عنه أنه قال:" حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن لكم" محاسبة النفس تقتضي أن تحاسبها على فعل الواجبات، وتحاسبها على التقصير في ذلك، وتحاسبها على الوقوع في المنهيات من المحرمات أو المكروهات، وتحاسبها على الغفلة على التباطؤ في العمل؛ لأن من محاسبة النفس حثها على المسارعة (سابقوا) (سارعوا) وفي الحديث:بادروا"، وهو يدل على أن الإنسان لابد أن يكون صاحب مبادرة ومسارعة ومسابقة إلى عمل الخيرات وإلى فعل الصالحات، وهذا الأمر إذا غفل عنه الإنسان فإن عمره يضيع لا يدري كيف مضى ولا يدري كيف سيكون ولا هو محاسب لنفسه في وقته الآني الذي يعيش فيه، فهذه غفلة، أيضا من المعوقات:

ثانيا: التسويف كل ما جاءه عمل مهم سوّفه وأجّله حتى وصل الأمر إلى أن يسوّف في أمر العبادات، أن يسوف في أمر الطاعات، أن يسوف في أمر الفرائض، أن يسوف في أمر النوافل، وهذه غفلة شديدة ربما يأتيه وقت نافلة فيسوّف ثم يأتي ويسأل هل يجوز قضاء النافلة وما تركها إلى تسويفا وغفلة، أن يسوف الصلات الواجبة كبرّه بوالديه، وصلته لأرحامه فضلا عن أن يسوف أمر العبادة، ومن التسويف أيضا أن يسوف الواجب عليه شرعا فيما يتعلق بوظيفته وما يترتب على ذلك من ماله الذي يكتسبه فيسوّف ما يجب عليه، ويؤدي هذا إلى أمر التراكمات ثم يؤدي إلى عدم إتقان العمل في كل شيء، عدم إتقانه للنافلة بل عدم إتقانه للفريضة عدم إتقانه في بره لوالديه، عدم إحسانه إلى أرحامه، عدم قيامه بما هو واجب عليه، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ اللهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلَا أَنْ يُتْقِنَهُ"([4]) ، الإتقان هو مخالف للتسويف؛ لأن التسويف يدعو إلى عدم الإتقان يدعو إلى الخلل يدعو إلى التراكم يدعو إلى العشوائية؛ فلذلك كان من الأمور التي يجتنبها من يسعى إلى إدارة وقته إدارة صحيحة أن يحرص على عدم التسويف على المبادرة على الإتقان على التركيز في عمله.

ثالثا: الفتور : والفتور أمر في أصله طبيعي، إذ قد يصاب الإنسان بالفتور؛ لأنه كما جاء في الحديث :"لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً ، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي،  فَقَدْ نَجَا، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إلى غير ذلك فَقَدْ هَلَكَ" ([5]) ، كل نشاط يتعبه شيء من الفتور لكن هذا الفتور لا يخرجك عن الحق، هذا الفتور لا يؤدي بك إلى فعل الخطأ إلى الوقوع في المخالفات إنما هو فتور بين أمر فاضل ومفضول، بين حسنات كثيرة أو أقل بين عمل صالح وآخر أدنى منه والأعمال تتفاوت، إذًا هذا الفتور إذا خرج عن هذا النظام فلا شك أنه سيؤدي إلى الخلل في استغلال الأوقات والفتور يعالجه الإنسان بـــــــــ:

أ‌-     الاستعانة بالله سبحانه وتعالى.

ب‌-                        وبالدعاء.

ت‌-                        وبفعل الأسباب.

ث‌-                        وبتنوع العبادات.

ولذلك جاء في شريعتنا ما يسميه العلماء اختلاف التنوع في أمر العبادات، في الأذكار بعد الصلوات أيضا في أذكار الصباح وفي أذكار المساء، وفي أذكار ما قبل النوم وفي اليقظة وفي أمور كثيرة؛ ولذلك ينوع الإنسان بين هذه الأذكار وبين هذه العبادات حتى يُذْهِبَ عن نفسه هذا الفتور ثم يقرأ في تراجم السلف، في أفعال الصحابة رضي الله عنهم، في حال التابعين وأتباع التابعين والأئمة الأربعة ومن بعدهم كيف كان هديهم، وكيف كانت طريقتهم في بُعْدهم عن أمر الفتور، بل في نشاطهم وقوتهم وهمتهم سيجد أمرا قد يظنُّه أساطير، لماذا يظنُّه أساطير؟ لأنه يقارن بين أحوالهم وأحوالنا، وبين قوتهم وبين ضعفنا بين نشاطهم وبين فتورنا، إذًا من المعوقات لإدارة الوقت الفتور.

رابعا: كثرة الانشغال المباحات التي قد تؤدي إلى التجاوز أو الوقوع في المحرمات، المباح في أصله حكم شرعي أباحه الله سبحانه وتعالى وهو الجائز، والحلال، والمباح، ولكن أن يغرق الإنسان في أمر المباحات مما يؤدي به إلى التهاون فيقرُب من المحرمات، فلا شك أن هذا سيكون على حساب فعل الواجبات أو على فعل المستحبات فضلا عن أن يكون سببا للوقوع في المخالفات.

خامسا: من المعوقات العظيمة عدم وضوح الهدف في الطريق، يسير الإنسان في طريقه، وهو يمضي في هذه الحياة لكنه لا يعرف ماذا يريد، لم يرسم لنفسه هدفا يصبو إليه ويسعى لتحقيقه سواء كان جانب علميا أو عمليا أو إصلاحا لنفسه أو إصلاحا لغيره، إذًا هو يسير دون تأمل ماذا يريد وربما استأنس بحال الناس يسير معهم حيثما ساروا ويقيل معهم حيث قالوا ويمضي معهم حيث مضوا، فهو أقرب إلى حال الإمّعة الذي لا يدري ماذا يفعل، ولم يجعل لنفسه هدفا ينطلق إليه وخطط لذلك الهدف، إذًا هذا دليل ضياع، ولا شك أن من كان هذا حاله لا يمكن أبدا أن يقال قد خطط لحياته أو خطط لاستغلال وقته، أو حرص على أن يجعل لنفسه طريقاً واضحا يسير عليه، ضياع الهدف يا إخوة أمر لا يمكن أن تجده في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فانظر في غزواته وانظر في إرساله للدعاة، وانظر في السرايا وانظر بعد ذلك في الفتوحات، وانظر في استقباله للوفود فتجد أنها أهداف مرسومة، وأمور رتبها النبي صلى الله عليه وسلم ونظّمها، وهذا من إدارة الوقت، ولم يكن الأمر على غير ترتيب أو على غير تهيئة فإن هذا لا يستقيم أبداً.

سادسا: أن ينشغل الإنسان بما لا يعنيه، وفي الحديث: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ»([6])  إذا الشيء الذي لا يعنيك من حسن إسلامك واستقامتك على أمر الله سبحانه وتعالى ألا تتدخل فيه، شيءٌ لا يعنيك في عبادتك، لا يعنيك في حياتك لا يعنيك في أسرتك لا يعنيك في أبنائك ما الفائدة من الخوض فيه، إن انشغلت بما لا يعنيك شغلك ذلك عما يعنيك، وانشغلت عن الواجبات كحال الإنسان الذي يتتبع الأخبار التي لا تفيده، لا تقوي إيمانه ولا تنفعه في صلاته الواجبة ولا المستحبة، ولا يقوم عليها شيءٌ من أمر دينه، فلا شك إذا كان هذا حاله فإنه سينشغل عن الأمور الواجبة وعلى أقل الأمور سينشغل عن النوافل والمستحبات، وقد يقع في المنهيات بسبب انشغاله بأمر لا يعنيه، ثم بناء أحكام على هذا الأمر الذي انشغل فيه، إذًا أنت أحرص ما تكون على حياتك أنت، فالآخرين ذهبوا أو رجعوا أو جلسوا أو قاموا هذا أمر لا يعنيك بشيء ما دام أنه لا تعلق لك بهذا الأمر في عملك فاحرص على أمرك أنت، نعم تحزن لحزن غيرك تفرح لفرحهم لكن هذا ليس انشغالا بهم، إنما المذموم أن الإنسان ينشغل بغيره فيفرط في حال نفسه، والحقيقة أن الإنسان إذا حاسب نفسه محاسبة دقيقة لن يجد وقتا لغير ذلك، فبالكاد أن الوقت يكفيه في صلاح حاله وصلاح أبنائه والسعي لصلاح مجتمعه إن كان مؤهلا لذلك، أيضا من الأمور التي هي معوقات عن استغلال الأوقات:

سابعا: استجلاب المشاكل وهذا أمر متفرع عن السابق، وما هو استجلاب المشاكل؟ هو أن الإنسان يتتبع مشاكل الآخرين، ويعرف ماذا فعل فلان ولماذا ذهب فلان ولماذا سافر فلان وأين ذهب فلان وهل توظف أو لم يتوظف، شيء لا يعنيك لا في قرابتك ولا في أهلك ولا هو مما يحثك عليه حبك لغيرك لكن حبّ تتبع الإشكالات عندما تأتيك المشاكل هذا يأخذ منك ماذا؟ يأخذ منك تفكيرا ويأخذ منك هما ويأخذ منك انشغال بالٍ، وإذا ملأت فكرك بهذه الأمور ستزاحم الأمور الواجبة عليك؛ لأنه ما يأتي أمر إلا ويدفع غيره لا يوجد عندك وقتان في حال واحدة، عندك وقت واحد هذا الوقت إما أن تفكر فيما يتعلق  بأمر دينك وما يجب عليك في الحال التي أنت فيها كموظف كأب كمسؤول، أو أنك تشغله بغير ذلك مما لا يعينك، لا يمكن أن تفكر بأمرين في وقت واحد : ﵟمَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٖ مِّن قَلۡبَيۡنِ فِي جَوۡفِهِۦﵞ ﵝالأَحۡزَاب : ﵔﵜ ، لا يمكن أبداً، إذًا من سداد الطريق وسلامة المسلك أن الإنسان يعتني بحاله هو وبإصلاح الخلل الذي هو فيه، أو بالمشاكل المتعلقة به أو التي له صلة فيها، كالنظر في حال أقاربك الذين تريد أن تساعدهم، وأن تفرج عنهم أن تكون معينا لهم أو نحو ذلك، كذلك من المعوقات في إدارة الأوقات.

ثامنا: كثرة النوم، يحتاج الإنسان إلى النوم -هذا بطبيعته-، ولابد للجسد أن يرتاح ولابد للعقل أن يرتاح لكن أن يمضي عليك نصف يومك في النوم هذا خلل، تصور أنك تنام نصف اليوم اثنا عشر ساعة وقد بلغت من العمر ستين، إذًا ثلاثون سنة ذهبت في النوم، تنام عشر ساعات كم مضى من عمرك في النوم؟ سنوات كثيرة، ولذلك يروى عن محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله أنه كان يضع كتبه بجانبه في الليل يقرأ، فإن ملّ في هذا الكتاب نظر في الآخر وكان يستدفع النوم بالماء على وجه يستغل العُمر، الوقت ، إذًا كن سيد نفسك لا عبدا لها تعطيها ما تشاء، فالإنسان إذا سلّم زمام أمره إلى نفسه أودت به في أودية الردى وسلكت به مسالك الهلاك، ومن نظر في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ورأى في ليله ماذا يفعل وفي نهاره ماذا يفعل يتعجب من حرصه صلى الله عليه وسلم، وهو من غُفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومع ذلك يعمل، تقول له عائشة رضي الله  عنها: غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأخَّرَ؟ -كان يقوم حتى تتشقق قدماه- قَالَ: «أفَلاَ أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا!»([7])  ، وأنت من أنت؟ ما تعرف حالك ولا تعرف منزلتك، إذًا أن تحث نفسك على استغلال ما تيسر من الليل وعلى استغلال ما تيسر من النهار هو الأمر الذي تستقيم به على مراتب العبودية، وأن تعطي لنفسك ما تحتاجه بقدر الحاجة في النوم في الطعام في الشراب، حتى من عجائب الأمور يا إخوة أن الخليل بن أحمد الفراهيدي اللغوي البارع صاحب التآليف النافعة كان يقول: "إن أثقل الساعات علي ساعة آكل فيها" هذه أشد ساعة هي ساعة لذة بالنسبة لنا، ساعة فرح لكن كان يقول هذه الساعة مزعجة؛ لأنها تأخذ من حياته، ولذلك يروى عن ابن عقيل الحنبلي صاحب كتاب (الفنون) الذي ألفه -قيل في ستة مائة مجلد أو ثمان مائة مجلد- أنه كان لا يأكل الخبز لأن أكل الخبز كان يأخذ عليه الوقت كان يذر له الشعير، ويَسُفُّهُ ويشرب الماء، وكان يقول: "أكتب المسألة فإذا تعبت استلقيت أتأمل في المسألة التي سأكتبها بعد ذلك"، ولذلك كان منهم هذا الإنجاز الكبير، إذًا هذا استغلال العمر استغلال الوقت، النفس تدعوك إلى الدّعة وتدعوك إلى الراحة وتدعوك إلى النوم وتدعوك إلى المزيد من الملذات أعطها لكن بقدر ما لا يشغلك عن أمر آخرتك، ولا يشغلك أيضا عن أمر مصالح دنياك.

تاسعا: عدم ترتيب الأولويات عندما نتكلم عن إدارة الوقت هو فقه الأولويات ماذا أفعل ثم بعد ذلك ماذا أفعل هذا هو إدارة الوقت، إذًا عدم ترتيب الأولويات في حياتك هذا يدعوك إلى تضييع أوقاتك، فتحت بابا واسعا للزيارات، وفتحت بابا واسعا للعلاقات الاجتماعية ثم لم يكن عندك فقه في ترتيب الأعمال على حسب أهميتها، فالواجبات لها مكانتها المستحبات لها مكانتها الصلات الواجبة لها مكانتها والصلات الغير واجبة لها مكانتها، إذًا هذا الترتيب للأعمال أمر يدعوك إلى إتقان استغلال الأوقات إلى تنظيم وقتك إلى إداراته إدارة صحيحة وإلا سيذهب عمرك ثم تتفاجئ بأنه يمضي في أمور حتى إن بعضها لا يصل إلى مرتبة المستحب، ربما يضيع كثيرا في مرتبة المباح، ثم تجد أن كثيرا من الأمور الواجبة فرطت فيها لم تقم بها، ولذلك يمضي عليك العمر ويمضي على غيرك نفس الليالي والأيام لكن هذا يبلغ وأنت لا زلت في أول الطريق، هذا مضى اكتسب من المعارف اكتسب من العلوم طور نفسه كما يقال، ازداد فهمه وازداد حفظه وازداد إدراكه وازدادت كثير من يقينياته لكن أنت لم يزدد عندك شيء من ذلك؛ لأن العمر مضى عليك دون محاسبه دون نظر ثم أيضا من الأمور المهمة التي هي من معوقات إدارة الوقت:

عاشرا: التأثر بالبيئة التي حولك، إشكالية كبيرة جدا وهو أنك لم تصل إلى مرتبة التمييز في أن تستقل بشخصية تفهم بها دلائل النصوص الشرعية في أمر استغلال الوقت فتنظر لصاحبك كيف يمضي وقته فتمضي معه، أو تؤثر عليك القرابة بما فيه ضياع أوقات فتنجرَّ معها دون النظر إلى ما ينفعك أنت، ولك أن تتأمل في قضية واحدة فقط دائما لو تأملت فيها ستدعوك إلى أن تحرص على سلوك المسلك الصحيح في حياتك الدنيا حتى لا تندم على ذلك في حياتك الأخرى وهو أن أقرب الناس إليك لا ينفعك في الآخرة ﵟيَوۡمَ يَفِرُّ ٱلۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِيهِ ٣٤ وَأُمِّهِۦ وَأَبِيهِ ٣٥ﵞ ﵝعَبَس : ﵔﵓ - ﵕﵓﵜ ، أنت في ذلك اليوم تحتاج إلى الحسنات التي فعلتها في هذا اليوم، ليس من العذر الذي يقبل أن تقول:(فعلتُ كما فعل فلان) (مشيت كما مشى فلان) (استغللت وقتي كما يستغله فلان)لا ،المطلوب منك أن تستغله كما أمرت لا كما أردت، لا كما رأيت أنت أنت بماذا أمرت في وقتك هذا الواجب الذي يجب عليك أن تتمسك به، وعلى هذا فالنظر في هذه العشر المعوقات هي سبيلٌ بعون الله سبحانه وتعالى في حال اجتنابها إلى أمر إدارة الوقت.

ومن هنا يتضح لنا أن كثيرا من الناس يستخدم عبارتين مشهورتين لكن يكثر فيهما العذر الكاذب:

أ‌-                 إن دعي لعمل صالح قال (مشغول).

ب‌-           إن دعي إلى أمر خير قال (ليس لدي وقت).

وهو في الحقيقة يضيع عليه وقته من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله لكن يؤزّهُ شَيْطانه، ونفسه الأمارة بالسوء، وقد يؤزه أيضا شياطين الإنس على ضياع الوقت فيقول: (مشغول) وربما امتنع من عمل صالح وجلس في مكانه لا يفعل شيئا، ربما تقول له يوجد جنازة واتباع الجنازة عمل صالح وحضور الدفن عمل صالح لكنه يتباطئ يقول: (والله مشغول) وهو جلس في مكانه ما حرّك ساكنا ما فعل شيئا، ضعفت نفسه عن العمل الصالح رأى الناس في حلقة قرآن ضعف عن ذلك، أن يكون ضمن هذا المجلس أو يكون ممن ينتسب لهذه المجالس أو يحرص عليها، ضعفت نفسه خاف من الارتباط بعمل، فإذا قيل له قال:(ليس لدي وقت) (مشغول)، وهو من أكثر الناس ضياعا لوقته، ولا يمكن يا أخي الكريم أبدا أن يكون غيرُك أعرف منك بوقتك أبدا، إن قلت مشغول سيقول لك صديقك وفقك الله أعانك الله لن يتبعك لماذا مشغول إذا أنت طبيب نفسك في هذا، أنت أحرص على نفسك لو لم تعمل عملا صالحا فإن غيرك لن يتحمل عنك، أنت الملوم.

إذًا لابد أن تعلم أن مثلك مثل غيرك تملك في اليوم الواحد (24ساعة) و(1440دقيقة) يملكها الغني والفقير، يملكها المسؤول ومن هم تحت المسؤول، ويملكها الصغير والكبير ويملكها الرجل والأنثى الجميع يملك هذا الوقت لكنهم يتفاوتون ويتفاضلون في استغلال هذه الدقائق في استغلال هذه الساعات كما هو التفاوت بين السماء والأرض.

حينما نتكلم عن إدارة الوقت نتكلم عن إدارة الإنسان لنفسه وعمله وطاعاته، أن يحرص الإنسان على مضي الأوقات فيما يقربه إلى مولاه، فإن حصل من الإنسان المعوقات التي تفرض عليه كان معذورا يأتيه سفر مفاجئ يأتيه مرض انشغال بأمر عائلي هذا لا يناقض تنظيم الوقت؛ لأن من كان ملتزما بصلاح وقته واستغلال وقته سيستأنف بعد ذلك لكن الإشكالية هي ممن أوقاته تضييع من غير هذه الأمور القاهرة التي تنزل عليه.

إذًا يتداول الكثير ممن يتكلمون عن تنظيم الوقت، ويقسمون الأمور التي ينبغي للإنسان أن يتأملها في استغلال وقته إلى أربعة أقسام:

1-              أمور عاجلة ومهمة.

2-              عاجلة غير مهمة.

3-              وغير عاجلة مهمة.

4-              وغير عاجلة وغير مهمة

هكذا التقسيم عموما الذي يدورون عليه ولكن الذي يعنينا هنا أن الإنسان أحرص ما يحرص عليه أولا الأمور العاجلة والمهمة، أذَّن المؤذن لصلاة الفريضة يبدأ الشيطان يشغلك تبدأ تأتيك الاتصالات تبدأ تريد أن تقضي ما فاتك من الاتصالات، ويشغلك حتى تسمع الإقامة ثم تقوم وتبادر إلى الوضوء وإذا جاءك أثناء الوضوء اتصال انهمكت معه قليلا، فإذا بك مسبوق إن كانت في رباعية صرت مسبوقا بركعة أو ركعتين، أو جئت إلى الإمام وقد سلّم المشكلة ليس فقط في ضياع الوقت وهي مشكلة كبيرة ولكن المشكلة أنت لم تلم نفسك على هذا الضياع لم تحاسب نفسك أنه فاتك هذا الخير وفي الحديث: «لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يؤخرهم الله»([8]) ، وهذا حديث عظيم ومخيف، يعني لازالوا يتأخرون عن الصلاة المفروضة حتى يؤخرهم الله تعالى يوم القيامة، فعلى هذا لابد للإنسان أن يستعين بذلك ثم بعض الأعمال ممكن أن تقضيها بأن توكل بها غيرك، ممكن أن يقضيها عنك ولدك أو أخوك أو زوجك في البيت إذًا لا تدع شيئا من الأعمال لابد أن تثابر على ذلك هذه من الأمور المهمة التي تعينك على إدارة وقتك، أن تبدأ بالمهم فالأهم أن تحرص على أن تبدأ بأعلى الأمور من حيث الوجوب واللزوم، ثم تنتقل إلى غيرها وإذا كان غيرها يقوم به غيرك وكّله بذلك الأمر لكن إياك والتفريط.

الأمر الثاني: الذي يعينك على إدارة وقتك أن تعرف وقت نشاطك ووقت عملك وهذا لا يمكن أن تكون فيه قاعدة واحدة لأن الناس يختلفون في ذلك يختلفون في وقت الدوام يختلفون في وقت التجارة يختلفون في حال الالتزامات يختلفون في عدد الأبناء، يختلف في عدد الصلات الواجبة، ويختلف فيما يجب عليه وما لا يجب عليه من هذه الأمور، إذًا أنت طبيب نفسك تعرف كيف تستغلك وقتك في صباحك أو في مسائك متى يكون الوقت المناسب لقراءة القرآن بالنسبة لك، ومتى يكون الوقت المناسب لصلة الرحم بالنسبة لك، وهكذا في قراءة العلم وهكذا في التعبد لله جل وعلا بالنوافل المطلقة أما النوافل المقيدة فهذه لها وقته التي تحرص عليه.

ثم أيضا مما يعينك على إدارة الوقت: القراءة في تراجم العلماء والنظر في حياتهم، كيف كان استغلالهم لأوقاتهم كيف كانت أعمالهم كيف كان ليلهم وكيف كان نهارهم، إذا نظرت في هذه الثلاثة الأمور فإنك ستجني:

1-              أنك ستؤدي الواجبات المفروضة.

2-              أنك ستقوم بالمستحبات من النوافل.

3-              أن علاقاتك الاجتماعية ستتحسن، وستتقوى الصلات؛ لأنك ستبتعد عن التفريط، وأيضا ستنجز الأهداف المنوطة بك والمتعلقة بأعمالك، كذلك ستجد الراحة النفسية التي تبتعد بها عن لوم النفس على التقصير والضغط النفسي الذي ينشأ بما يسمى في الوقت المعاصر بجلد الذات لن تجلد ذاتك، لن تلوم نفسك كثيرا لأنك أديت ما يجب عليك وقمت بالنوافل واستغللت وقتك حق الاستغلال، إذًا ستخف بالضغط على نفسك باللوم والمعاتبة والغضب وهذا لا شك يا إخوة حتى سيؤثر على أقرب الناس إليك على أبنائك وعلى زوجك وعلى جيرانك ستكون منشرح الصدر هادئ النفس مقبلا على هذه الصلات إقبالا جيدا،  ثم كذلك من الأمور التي لابد أن تعرفها في أمر إدارة الوقت أن يكون عندك في حياتك ما قد يُشبّه (بسلة المهملات) هذه الأمور التي ترمي بها كل ما لا صلة لك به الأمور التي لا تعنيك المهام التي ليست منوطة بك لا تنشغل كثيرا بكل شيء تجمع وتجمع، فإن الحال عندك لا يحتمل وقد يكون الوارد عليك أكبر بكثير من المحل فتورد على نفسك من المهام ومن المشاغل، وهذا يدعوك إلى أن تتعلم كلمة (لا) في مكانها المناسب، فإنها نافعة (أعتذر لا أستطيع) في وقتها المناسب وفي مكانها المناسب نافعة لك في تنظيم وقتك جاءتك ثلاث مشاغل في وقت واحد، انظر فيما هو ألزم واعتذر عن شغلين جاءك من يريد أن يشغل وقته بك أنت، لا يحاسب نفسه على وقته ما عنده تنظيم لوقته يتصل بك أريد أن أمر عليك، إذا كان هذا من العادة له وبما يشغل وقتك أنت ويخلّ بحياتك وتخطيطك لحياتك ووقتك اعتذر أعطه الوقت المناسب لك أنت، هذا قد يستثنى منه أمر الوالدين، فإنك تجيب الوالدين ولو كنت في صلاة نافلة ولكن في غير ذلك تعلم لغة الاعتذار، تعلم كلمة أعتذر تعلم كلمة لا أستطيع لا تحمل نفسك ما لا طاقة لك به من هذه الأمور، إذًا الشيء الذي ينفعك في دينك أو في دنياك احرص عليه ولا سيما ما يكون فيه الأجر والحسنات لك.

ختاما:

لنا يا إخوة أن نتصور مسألة مهمة وهو أن الذي ينظر في حياة العلماء وينظر فيما ملئوا به المكتبة الإسلامية من المعارف والعلوم والفنون حتى إنك تجد الواحد منهم عنده الكتاب في ثلاثين مجلد أو في أربعين مجلد أو أقل من ذلك أو أكثر، ومنهم من ألف أكثر من خمس مائة كتاب ومنهم من ألّف ألف كتاب، هل تظن أن هذا الإنجاز جاء من غير ترتيب جاء من غير إدارة وقت؟ لا يمكن أبدا، ولذلك طلاب العلم كمثال الذين تطلب منهم بعض البحوث سواء البحوث العليا ماجستير أو الدكتوراه أو البحوث التي أدنى من ذلك في المراحل الأكاديمية إذا كان ممن ينظم وقته فإنه في غالب الأحوال يكون إنجازه قبل الوقت المرسوم له إذا كان ممن ينظم وقته، لكن إن كان ممن أشغل وقته بأمور أخرى على حساب هذا الأمر لا شك سيتأخر، وقد يطلب التمديد أليس كذلك؟ هذه بطبيعة الحال.

إذًا هنا تأتي نتيجة لهذا الأمر مما رأيناه من بعض الطلاب أنه قد يحصل عنده بسبب هذا التفريط تفريط آخر وهو الاستعانة بالآخرين فيما يجب عليه هو أليس كذلك؟

وهنا يقع في المنهي عنه فيطلب من فلان أن يبحث له مقابل شيء مادي أو يطلب من فلان أن يكتب له، ولا أتكلم أنا عن الخدمات التي هي في الأصل جائزة، إنما الكلام عن ما هو من صلب بحثه أو ما يجب عليه هو أن يؤديه هنا يقع خلل كبير، وأنبه هنا والشيء بالشيء يذكر على كل حال، وما لا صلة له بموضوعنا أنه لا يجوز ما تقوم به بعض المكاتب من عرض أعمالها في مسألة كتابة البحوث أو تحقيق المخطوطات، وهذه أفعال لا تجوز، وهذا عمل غير مشروع وهم بهذه الطريقة وإن كسبوا شيء من المال إلا أنهم كسبوا الآثام إذ  لا يجوز للإنسان أن يبحث لغيره هذه هي شهادة الزور التي ستبنى عليها هذه البحوث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ"([9]) .

إذًا تأمل في حياة العلماء في إنجازاتهم في عدد الكتب التي ألفوها في المشاريع التي قاموا بها، في استحداث بعض الفنون (أول من كتب في أصول الفقه..أول من كتب في مصطلح الحديث ..أول..) جمعوا هذه المسائل، هل يمكن هذا بغير إدارة الوقت؟ لا يمكن.

أختم هذه الكلمة بجملتين لابن القيم رحمه الله نتأملها:

أما الجملة الأولى: فإن ابن القيم رحمه الله يقول:"إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار والآخرة، وأما الموت فإنه يقطعك عن الدنيا وأهلها"([10])، والذي يقطعك عن الله والدار الآخرة أعظم يا إخوة.

الجملة الثانية: يقول ابن القيم رحمه الله -وتأمل في هذا الأمر من هذا العالم النّحْرِير- : "إذا أراد الله بعبد خيرا أعانه بالوقت وجعل وقته مساعدا له وإذا أراد به شرا جعل وقته عليه وناكده وقته"([11])  أي: جعل هذا الوقت ضده ونكدا عليه إذًا من نعمة الله جل وعلا على الإنسان أن ييسر له العبادة، وأن ييسر له فعل العبادة، ييسر له الوقت التي يقوم فيه بعبادة الله سبحانه وتعالى.

أسأل الله جل وعلا أن يوفقنا وإياكم لاستغلال الأوقات، وأن يعمر أوقاتنا بطاعته، وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتّبع أحسنه، أسأل الله جل وعلا لي ولكم التوفيق والسداد والهدى والرشاد. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


 

([1]) رواه البخاري  (6412).

([2]) رواه الترمذي (2416).

([3]) الفوائد (ص164).

([4]) رواه الطبراني في الأوسط (987)، وهو في صَحِيح الْجَامِع (1880).

([5]) رواه أحمد (6958).

([6]) رواه الترمذي (2318)، وابن ماجه (3976).

([7]) رواه البخاري (4837)، ومسلم (2820).

([8]) رواه مسلم (438).

([9]) رواه البخاري (5219)، ومسلم (2130).

([10]) الفوائد (ص31).

([11]) مدارج السالكين (3/125).