هوية المسلم بين الثبات والضياع


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد؛

 حياكم الله جميعا، وجعل الله هذه الخطوات في موازين الحسنات ،وأسأل الله جل وعلا أن يبارك في الجمع كله وفي المستمعين والمتابعين.

 موضوع هذه المحاضرة عن هوية المسلم، هذه القضية المهمة والتي نعني بها تميزه الواجب عن غيره، الكلام عن الهوية كلام عن الاعتزاز بالدين، والكلام عن الهوية كلام عن الانتماء للإسلام، والكلام عن الهوية الإسلامية كلام عن التمسك بالشريعة وعن سلوك سبيل الرفعة والعزة والكرامة والطمأننية والسعادة في الدنيا والفلاح في الآخرة، لماذا نتكلم عن هذا الموضوع؟ وما هي أهمية طرقه؟ لا شك أن مما يدل على أهمية الكلام عن هوية المسلم وهي التعريف به، الهوية ربما مصطلح متأخر ويُعنى به التعريف، فإذا قيل لك أعطني الهوية المعنى أعطني ما يعرف بك، وهوية المسلم هي انتمائه،

أهمية هذه القضية لعدة أسباب: أما السبب الأول فلأن في هذا امتثالا لأمر الله جل وعلا الذي أمر عباده بالتمسك بالتمسك بالإسلام وبالاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم، أهمية الكلام في هذا الموضوع لكثرة الأسباب المعاصرة التي أدت إلى ضعف الشخصية الإسلامية بل إلى انصهارها في كثير من المظاهر، أهمية الكلام في موضوع الهوية الإسلامية؛ لأن هناك فئاما من الناس لا يفرقون بين الثوابت والمتغيرات، بين ما لا يجوز التنازل عنه، وبين ما هو مجال للاجتهاد والنظر، الخلط بين الانفتاح والتنازل، وهذا الخلط أوقع الناس في إشكالات كبيرة جدا فهناك فرق بين الانفتاح الذي لا تعارضه الشريعة بضوابطه، وبين التنازل عن عقيدتك أو عن شريعتك أو عن عبادتك أو عن أخلاقك وسلوكك، مما يدل على أهمية هذا الموضوع الضعف الذي يعاني منه المسلم إذا اختلط بغيره، وعدم التمييز بين ما يجب عليه أن يتمسك به وبين ما هو مجال للأخذ والرد كما يقال، عندما نتكلم عن الحفاظ على الهوية الإسلامية فإننا نتكلم عن صراع بين التمسك والانفلات وصراعٌ بين الصلابة والضعف، وصراع بين امتثال الأوامر وبين التنازل عنها، يكفي المسلم ليعرف أهمية أن يحافظ على هويته الإسلامية أن الله جل وعلا أمره أن يعيش مسلما وأن يموت على الإسلام: ﵟيَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ ١٠٢ﵞ ﵝآل عِمۡرَان : ﵒﵐﵑﵜ، وقال جل وعلا: ﵟهُوَ سَمَّىٰكُمُ ٱلۡمُسۡلِمِينَ مِن قَبۡلُﵞ ﵝالحَج : ﵘﵗﵜ ، وهذا أمر وهو امتنان الله جل وعلا عليك بالإيمان أمر يميزك عن غيرك ممن لم تحصل له هذه الفضيلة، الله جل وعلا قال في كتابه الكريم: ﵟ صِبۡغَةَ ٱللَّهِ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبۡغَةٗۖ وَنَحۡنُ لَهُۥ عَٰبِدُونَ ١٣٨ﵞ ﵝالبَقَرَةِ : ﵘﵓﵑﵜ  ، والصبغة هي اللون الذي يلون به الشيء، ولذلك قال البغوي رحمه الله: «دِينَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا سَمَّاهُ صِبْغَةً لِأَنَّهُ يَظْهَرُ أَثَرُ الدِّينِ عَلَى الْمُتَدَيِّنِ» ([1])  ، هذه الصبغة هي الهوية، هذه الصبغة هي الانتماء، هذه الصبغة هي التمسك بالدين الاعتزاز بالهوية الإسلامية هو اعتزاز بالفطرة معاشر الأحبة، فطرة الله التي فطر الناس عليها، ما هي الفطرة؟ قال أهل العلم هي الإسلام، «كل مولود يولد على الفطرة» أي على الإسلام، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه»([2]) ، ولم يقل صلى الله عليه وسلم: أو يمسلمانه لأن الفطرة هي الإسلام، أصل النشأة هي الإسلام الجبلة التي خلق عليها هي الإسلام، وإذا كان لكل شيء أساسا فإن أساس الهوية الإسلامية هي التمسك بالمعتقد الصحيح، هذا المعتقد الذي في كل جزئية من جزئياته يمايزك عن غيرك ممن انحرف عن الاعتقاد الصحيح في كل باب من أبواب التوحيد والإيمان، الله جل وعلا أمرنا بأمر وهو أمر عام قال: ﵟوَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْﵞ ﵝآل عِمۡرَان : ﵓﵐﵑﵜ ، اعتصموا بالإسلام اعتصموا بالسنة اعتصموا بالصراط المستقيم، هكذا جاءت التفاسير، ومعنى ذلك أنه واجبٌ المسلم أن يكون معتصما بما أمره الله جل وعلا به ومفارقا لما سوى ذلك، أرسل الله جل وعلا نبيه صلى الله عليه وسلم إلى المشركين يصنعون الأصنام بأيديهم ويعبدونها من دون الله سبحانه وتعالى، فأمر الله جل وعلا نبيه بمفارقتهم بل وبدعوتهم إلى الإسلام الصحيح حتى ينابذوا هذه الآلهة التي اتخذوها من دون الله جل وعلا، وحرص الله نبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وبين عليه الصلاة والسلام أن النجاح والفلاح هو في الاهتداء بكلام الله جل وعلا وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فقال: « تركت فيكم أمرين: لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة نبيه» ([3]) ، بل قال عليه الصلاة والسلام لمن يظن أنه سيجد الرفعة أو العزة أو الكرامة في غير دين الله جل وعلا، قال صلى الله عليه وسلم كما في المسند: «وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي» ([4])  ، إذًا من أراد العزة فعليه بالدين والتمسك بشريعة الإسلام، ولذلك اشتهر عن عمر رضي الله عنه وأرضاه الخليفة الراشد قوله: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله» ([5]) ، حينما نقول نعتز بالإسلام ليس المقصود بذلك أن نعتز بالاسم فقط، بل أن نعتز بالاسم ونعتز بالاعتقاد ونعتز بالشرائع ونعتز بالحلال والحرام، ونعتز بأخلاق الإسلام، تمسكك بمعتقدك الصحيح الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وسار عليه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ومضى عليه أئمة الدين، هذا التمسك هو مفارقة في الحقيقة للمعتقدات الأخرى، حين تعبد الله جل وعلا وحده لا شريك له فأنت تفارق دين المشركين، حين تثبت لله جل وعلا أنه الخالق والرازق وأنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له فإنك تفارق أمر الشرك الذي لا يغفره جل وعلا، ﵟإِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵘﵔﵜ  حينما تثبت لله جل وعلا ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات من غير تشبيه ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل أنت هنا تفارق المذاهب الباطلة التي خاضت في هذا الأمر بما يخالف الاعتقاد الصحيح من جهمية ومعتزلة وغيرهم، حينما تترضى عن الصحابة وتعرف فضلهم وتعرف مكانتهم وتعرف مكانة آل البيت فأنت تفارق من خالف في هذا الباب فسب الصحابة أو طعن في آل البيت بل إنك عرفت للصحابة قدرهم وعرفت لآل البيت مكانتهم، فحافظت على هويتك الإسلامية في هذه المفردة، كما أنك حينما ابتعدت عن سلوك التكفير ومظاهر الخروج فارقت الفرق التي ضلت في هذا الباب من الخوارج وغيرهم، وحافظت على هويتك الإسلامية في هذا الباب، حينما حرصت على معرفة الحقوق التي أمرك الله جل وعلا بتأديتها من حق الوالدين من حق ذوي الرحم من حق الصاحب من حق الجار من حق الأبناء من حق البنات فارقت ما نهى الله جل وعلا عنه، فحرصت على هذه الهوية في هذه الأبواب، إذًا الحرص على الحفاظ على الهوية هي فرح بما امتن الله جل وعلا به عليك من الأوامر فامتثلتها، قال الله جل وعلا وهو يبين حال من فارق الاعتقاد الصحيح: ﵟلَّقَدۡ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلَٰثَةٖﵞ ﵝالمَائـِدَة : ﵓﵗﵜ ، قال جل وعلا: ﵟوَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٣١ مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗاۖﵞ ﵝالرُّوم : ﵑﵓ - ﵒﵓﵜ ، نهاك الله جل وعلا عن أن تتلبس بهذه الهوية التي يتفرق أصحابها في دينهم وأمرك بأن تكون متمسكا بأمر الله جل وعلا وأمر النبي صلى الله عليه وسلم، ﵟلَّقَدۡ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوۡلَ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٞ وَنَحۡنُ أَغۡنِيَآءُﵞ ﵝآل عِمۡرَان : ﵑﵘﵑﵜ بين الله جل وعلا سوء هذا المسلك وأنك يا مسلم ترى أن الله جل وعلا هو الغني وأنك أنت الفقير والمحتاج إليه وهو الغني عنك وعن عبادتك وعن طاعاتك وأن ما تفعله من تفعله من طاعات أو من عبادات فمردها إليك، ونفعها عائد عليك، إذًا عندما نتكلم عن الهوية هوية المسلم الهوية الإسلامية فإن العقيدة تأخذ رأس الأمر في الحفاظ على هذه الهوية، في توحيد الله جل وعلا في الإيمان بالرسل في الإيمان بالكتب في الإيمان الملائكة في الإيمان باليوم الآخر في الإيمان بالقدر في الإيمان بفضل الصحابة ومكانتهم في الإيمان بفضل آل البيت، فيما يتعلق بالواجب اتجاه الحاكم المسلم فيما يتعلق بالواجب تجاه الأمة المسلمة، في مسائل الغيبيات في الموقف من الفرق والأديان الموقف الشرعي الصحيح أنت هنا تتميز بهذه الهوية، ثم تظهر هذه الهوية أيضا في تعبدك لله جل وعلا في صلاتك في صيامك في حجك في أدائك للزكاة، وفي غير ذلك من أبواب العبادات، ولذلك هذا الأمر وهو التعبد لله جل وعلا ما تركه الشارع الحكيم للإنسان يفعل ما يشتهيه أو يستحسنه، قال صلى الله عليه وسلم: «صَلُّوا كَمَا رَأيْتُمُونِي أُصَلِّي»([6])  ، قال صلى الله عليه وسلم: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ »([7]) ، إذًا لا يجوز للإنسان أن يرفع يدا في صلاة أو أن يخفضها أو أن يقوم في ركعة أو أن يدنو إلى سجدة لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم، لا يجوز للإنسان أن يخترع صلاة لا يجوز للإنسان أن يخترع ذكرا، لا يجوز للإنسان أن يخترع عددا يلتزم به، لا يجوز للإنسان أن يخترع مكانا يتعبد به لم يأتي في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن عليه أمر الله جل وعلا، إذًا امتثالك للصلاة على صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم هو من هويتك الإسلامية هو من التزامك بهذه الهوية، أداؤك للزكاة بمعرفة الفروض مقدرة ومن المستحق للزكاة وما هي الأموال التي يجب فيها الزكاة، هذا تمسك بهويتك الإسلامية، صيامك على وفق ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء في سنته هو تمسكك بهويتك الإسلامية، أداؤك للمناسك من أول إحرامك إلى تحللك هو تمسكك بالهوية الإسلامية هو حرصك على أن تظهر بما أمرك الله جل وعلا به من الإسلام ظاهرا وباطنا، ولذلك كان الأئمة يؤكدون هذا المعنى، يقول الإمام مالك رحمه الله: «كل يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم» ([8])  ، وهذا يعطيك قاعدة مهمة وهو أن المعصوم في قضية البيان والذي له الطاعة المطلقة وله العصمة في الأحكام الشرعية والذي هو واجب الاتباع مطلقا من البشر هو النبي صلى الله عليه وسلم، وما دونه من أبي بكر الصديق أفضل الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى غيره ممن هو دونه إنما يتبع فيما فيه طاعة لله جل وعلا وطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم مع معرفة قدر الصحابة منزلتهم ومكانتهم، وأن سنة الخلفاء الراشدين سنة متبعة، إذًا قرر هذا العلماء ولأن في ذلك الحفاظ عليك كمسلم على استقامتك على الدين على معرفتك بأحكام الشريعة أن في ذلك حفاظ على هويتك تعرف بذلك في معتقدك وتعرف بذلك في جوارحك في عبادتك في أذكارك في ابتهالاتك في دعائك لله سبحانه وتعالى، ولذلك من حرص أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه على أن يتميز بقضية الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم، قال رضي الله عنه وأرضاه: «لست تاركا شيئا كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعمل به إلّا عملت به، فإنّي أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ» ([9]) ، ولذلك الله جل وعلا قال: ﵟفَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٦٣ﵞ ﵝالنُّور : ﵓﵖﵜ،  إذًا المعارضة لأمر النبي عليه الصلاة والسلام، قصد المخالفة لأمره صلى الله عليه وسلم من أسباب الهلاك كما أن المتابعة للنبي عليه الصلاة والسلام مع ما فيه من الاعتزاز بالدين والاعتزاز بالتمسك بالسنة هو من أسباب الهداية والنجاة، ﵟوَإِن تُطِيعُوهُ تَهۡتَدُواْﵞ ﵝالنُّور : ﵔﵕﵜ ، إذًا إن يطع العبد نبيه صلى الله عليه وسلم فيمتثل أمره يكون ذلك سببا لهدايته، وإذا كان سببا لهدايته فمعنى ذلك أنه سبب لنجاته يوم القيامة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: «كُلُّ أُمَّتِي يَدخُلُونَ الجَنَّةَ إلاَّ مَنْ أبَى»، قيلَ: وَمَنْ يَأبَى يَا رَسُول الله؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أبَى»([10]) ، ولذلك قال العلماء: كل الأبواب إلى الله جل وعلا مؤصدة مغلقة إلا من طريقه صلى الله عليه وسلم فمن جاء من طريقه فتح له، ومن لم يأت من طريقه لم يفتح له فطريقه صلى الله عليه وسلم هو وسيلة التعبد لله جل وعلا، الله جل وعلا جعل نبيه صلى الله عليه وسلم هداية للخلق سببا لنجاتهم سببا لفوزهم سببا لفرحهم سببا لسعادتهم في الدنيا وفي الآخرة، فكيف بالله عليكم الشخص يعرف ما يكون سببا لنجاته ثم يعرض عنه يعرف ما يقبله الله جل وعلا منه ثم ينأى بنفسه عنه فلا شك أن هذا محروم، ولذلك كان من الحرص أيضا على التمسك بالهوية الإسلامية ليس فقط في جانب العقيدة وفي جانب العبادة وأن يتعبد لله جل وعلا بما شرعه النبي صلى الله عليه وسلم حتى في جانب الأخلاق والسلوك اعتنى الإسلام بكل شيء، اعتنى بتربية الابن والحرص عليه حتى قبل الزواج من أمه، قال صلى الله عليه وسلم: «تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأَرْبَعٍ » وقال فيه: « فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاك»([11])  لأن ذات الدين مؤثرة حتى في تربية أبنائها الذين لم يأتوا بعد إذا جاءوا جاءوا عند أم حريصة في أمر دينها متمسكة بشريعة ربها، فلذلك قامت بتربيتهم على وفق هذه الشريعة، اعتنى بالأبناء في صغرهم وفي بطون أمهاتهم وإذا خرجوا وإذا كبروا وإذا بلغوا وإذا صاروا كهولا، واعتنى بالشخص وهو كبير في السن اعتنى بالأم واعتنى بالأخت واعتنى بالبنت واعتنى بالزوجة واعتنى بالأب واعتنى بالابن واعتنى بالصديق واعتنى بالجار، واعتنى بغير المسلم، حتى في التعامل مع غير المسلم جاءت الشريعة في بيان الأحكام الشرعية في التعامل مع غير المسلم الذي في بلدك حتى في الحفاظ على دمه وهو غير مسلم، قال صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة»([12]) ، إذًا هذه الأخلاقيات التي أنت تتمسك بها هي الهوية التي تظهر بها إسلامك تظهر بها تمسكك بشريعتك بل حتى في استغنائك عن الناس، في حرصك على كفاية نفسك، قال صلى الله عليه وسلم: «وَعِزِّ المُؤْمِن اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ» ([13]) ، أن يستغني عن الناس وأن يحرص على أن يكفي نفسه في تجارة في عمل أن لا يمد يده، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى»([14]) ، يد المعطي خير من يد الآخذ، وقد جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: «لأَنْ يَأخُذَ أحَدُكُمْ أُحبُلَهُ ثُمَّ يَأتِيَ الجَبَلَ، فَيَأْتِيَ بحُزمَةٍ مِنْ حَطَب عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا، فَيكُفّ اللهُ بِهَا وَجْهَهُ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْألَ النَّاسَ، أعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ»([15]) ، هذا يعطيك وهذا يمنعك خير لك أن تتمسك بعزة نفسك التي أمرك بها دينك، فتستغني عن الناس، وتبتعد عن طلبهم وعن الحاجة إليهم.

 معاشر الأحبة هوية المسلم هي سبب بقاء الأمة بعزتها وبرفعتها وبانتصاراتها لماذا سميت أمة الإسلام إذا كان ليس لها هوية؟ هناك أمم قبل أمة الإسلام قبل مجيء الإسلام، الأمة اليهودية الأمة النصرانية الأمة الهندوسية قبائل وأمم وأديان، كل دين كل عرق له خصائص، إذًا أنت في إسلامك هذا الإسلام جاء له ما يميزه ليس في هذا إقصاء للآخرين، لا، هذا فيه تميز لك أنت عن أن لا تتمسك بما امتن الله جل وعلا به عليك، ولذلك كان من مما ينبغي أن نعلمه في هذه القضية أن هوية المسلم قد تنقص وقد تنقض، قد تنقص بترك الأوامر بفعل النواهي، وقد تنقض إذا ارتكب صاحبها ناقضا من نواقض الدين، أو تنازل عن الإسلام أو ألحد أو أشرك بالله فهنا لا يبقى وإن ادعى أنه مسلم وهو غير متمسك بالإسلام ما فائدة يا إخوة أن المسلم يقول أنا مسلم ثم يلحد، يشكك في وجود الله أو يشكك في أمر الدين أو في أمر القرآن أو يطعن في السنن، ما الذي يميزك في هذا الاسم ما الذي يقيم هذا الاسم حقيقة إذا كان كل ما يدعم هذا الاسم أنت نقضته وبعدت عنه وعارضته وخالفت أمر التمسك فيه، إذًا حينما يتخلى المسلم عن إسلاميته يتخلى عن عقيدته يتخلى عن عبادته لله جل وعلا يخلّ بما أمره الله جل وعلا به من فعل الأوامر ويقع فيما نهاه الله عز وجل عنه من اجتناب النواهي هنا إما أن يقع في ناقض أو ناقص بحسب حال هذا الأمر، ولذلك من المهم جدا أن تحافظ على اسمك كمسلم وأن تحافظ على صفات الإسلام فيك وأفعال الإسلام فيك وأخلاق الإسلام فيك وقبل ذلك كله عقيدة الإسلام فيك التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم، إذا تأملنا في القضية وبضدها تتبين الأشياء لماذا تضعف هوية المسلم؟ أسباب الضعف كثيرة نأتي على عشرة منها:

 من أهم أسباب بالضعف: أولا ضعف العلم الشرعي الخلل والجهل في معرفة الاعتقاد الواجب في معرفة العبادة الواجبة أن يعرف الإنسان ما الذي يجب علي أن أعتقده الله في الملائكة في الرسل في الكتب في اليوم الآخر في القدر في الصحابة في آل البيت فيما يتعلق بمعاملة غير المسلم، فيما هو الواجب اتجاه ولي الأمر في البلد هذه الأمور التي هي أصول الاعتقاد، ثم ماذا يجب علي معرفته في صلاتي في وضوئي في طهارتي في أمر الزكاة في أمر الصيام في أمر الحج إلى غير ذلك، ثم ما الذي يجب أن أعرفه في أخلاقيات الإسلام كيف أتعامل مع الناس، كيف أعالج الأمراض القلبية من الغل والحقد والحسد، كيف أعالج الأمراض الظاهرة في أخلاقياتي في تعاملي مع الناس في صلتي بهم في أمر السلام، فيما يتعلق بالألفاظ فيما يتعلق بكرم الضيافة ونحو ذلك في كل تعامل بينك وبين الناس، لم يترك الإسلام شيئا أبدا كل شيء، يقول الصحابي رضي الله عنه: «تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما طائر يطير بجناحيه إلا عندنا منه علم» ([16]) ، ما ترك النبي صلى الله عليه وسلم شيئا إلا وعلم الناس، فلذلك في أحقر الأشياء في حياتنا اليومية تجد في ذلك سنة من السنن إذا التمسك بها هو تمسك بهويتك في جانب الأخلاق الأمر الأول الضعف.

 الأمر الثاني: ما يتعرض له المسلمون من غزو فكري، غزو في معتقدهم غزو فيما يتعلق بكتاب ربهم، هناك من يشكك في القرآن، هناك من يشكك في السنة هناك من يطعن في صحيح البخاري ومسلم في دواوين الإسلام، هناك من يشكك في أن الإسلام خاتم الأديان، وهناك من يشكك في أنه يجب على الناس الذين يريدون النجاة أن يتمسكوا بهذا الدين الذي قال الله جل وعلا عنه: ﵟإِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُﵞ ﵝآل عِمۡرَان : ﵙﵑﵜ ، ﵟوَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُﵞ ﵝآل عِمۡرَان : ﵕﵘﵜ  هذا كلام ربك جل وعلا، إذًا هناك غزو لتشكيك الناس في عقائدهم، هناك غزو فكري هناك غزو حزبي وهذا خطير جدا.

 الغزو الحزبي غزو يتكلم باسم الإسلام باسم الشريعة باسم نصرة الدين، لكنه في الحقيقة يخدم حزبه، الإسلام ليس فيه تحزب الإسلام ليس فيه تفرق الإسلام فيه اعتصام بجماعة المسلمين بولي الأمر، فيه السمع والطاعة فيه عقد البيعة فيه عدم الخروج، الإسلام لا يدل أبدا ولا يحث على التفرق أو على التحزب فيه، الحزب الفلاني والجماعة الفلانية ولماذا لأن كل واحد منتسب إلى هذه الجماعة سيعمل في إطار الجماعة وفي تحقيق أهداف هذه الجماعة، ليس في تحقيق أهداف الإسلام، وانتسابه إلى هذه الجماعة هو خروجه عن جماعة ولي الأمر، ولذلك من الغزو الذي يتعرض له أهل الإسلام أن يأتي من يشرعن قضية التحزب فيأتي ويقول نحن نتحزب للإسلام لا نتحزب في الإسلام، هذا من التحريف والتضليل، الله جل وعلا قال: ﵟوَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا ﵞ ﵝآل عِمۡرَان : ﵓﵐﵑﵜ وقال: ﵟوَلَا تَكُونُواْ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٣١ مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمۡ وَكَانُواْ شِيَعٗاۖﵞ ﵝالرُّوم : ﵑﵓ - ﵒﵓﵜ ، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن هذه الأمة ستفترق وهذا الإخبار منه صلى الله عليه وسلم إخبار بالأمر الكوني وهو على سبيل التحذير ليس مجرد إخبار، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار، هذا تحذير هذا تنبيه عن الابتعاد عن كل أسباب الافتراق والاختلاف.

 ثم من أسباب أيضا ضعف الهوية الإسلامية للأسف الشديد: ضعف اللغة العربية، هذه الطامة العظيمة التي ابتلي بها أهل الإسلام من العرب قبل غيرهم، الله عز وجل أنزل هذا القرآن بلغة عربية والنبي صلى الله عليه وسلم تكلم باللغة العربية، والصحابة رضي الله عنهم نقلوا لنا الدين باللغة العربية والتابعون تكلموا باللغة العربية، والعلماء ألفوا وكتبوا باللغة العربية، ثم نجد ضعفا شديدا في هذه اللغة أمر محزن، لو سألت كم هي الكتب التي ترجمت إلى اللغات الأخرى مقابل ما بقي من لغة الإسلام اللغة العربية كم هي الكتب التي ترجمت إلى اللغة الانجليزية مثلا أو إلى الفرنسية أو إلى الروسية ربما لا يتعدى نسبة عشرة بالمئة من الكتب أو ربما أقل، انظر إلى كمية المعارف والعلوم الشرعية التي لا تبلغ من لا يتكلم اللغة العربية، انظر إلى كمية المعارف والمسائل والعقائد والأحكام التي يجهلها من يتكلم باللغة العربية لضعفه في فهم معاني اللغة، انظر إلى كمية المفردات غير العربية التي نستخدمها في اليوم والليلة حتى يأتيك من إذا أراد أن يتحدث أتى بكلمة غير عربية كلمة انجليزية وهو عربي ثم يقف ويقول ما معناها بالعربي، انعكست القضية يأتيك بلغة غير عربية ثم يسأل يقول هذه ماذا نحن نقول في العربية، علامة اعتزازك بإسلامك من علاماته أن تتكلم العربية أن تحرص على عربيتك، ولذلك للأسف الشديد لا نتكلم عن عوام الناس الذين ضيع الكثير منهم لغته، فلا يفرق بين فاعل ومفعول ولا فعل بل ربما حصل هذا حتى لبعض من يتكلم في ما هو واجهة في إعلامنا العربي أنه يخفض المرفوع ويرفع المخفوض ويقول ما لا يصح قوله في لغة العرب، ثم نتيجة لهذا الضعف وعدم مقدرتنا على مواكبة فهم لغتنا اضطررنا إلى أن نستعين بلغات أخرى حتى نمرر حاجياتنا في اليوم والليلة، وتغيرت كثير من المفاهيم بناء على ضعفنا في لغتنا، واختفت كثير من المصطلحات من قرأ في تاريخ اللغة يجد أن كثير من المفردات العربية أخذت من الغرب وحورت يعني أدخلت في لغتهم في عصر من العصور حينما كان لهذه اللغة قيمتها لكن اختلف الآن الأمر حتى أدخلت كثير من العبارات والجمل غير العربية في اللغة العربية واستبدلت بالمفردات العربية هذا ضعف، الأشد من هذا معاشر الأحبة أن يظن المسلم أنه حينما يتكلم بلغة الثقافات الأخرى أن في هذا إظهار لثقافته لفهمه لقوة إدراكه للثقافات الأخرى، في الوقت الذي لا يستطيع أن يقيم جملة في لغته العربية هذه عقدة النقص أكثر من كونها إتقان للثقافات، هذا تنازل عن لغة الهوية أكثر من كونه معرفة باللغات الأخرى، هذا عدم اعتزاز بلغة القرآن أكثر من كونه معرفة بلهجات وثقافات أقوام آخرين، إذًا من أسباب ضعف الهوية الإسلامية الذي نعاني منه الضعف في اللغة العربية تحدثا إعرابا معرفة بالمفردات استعمالا للجمل ترجمة، وإذا كان القرآن نزل بالعربية والنبي صلى الله عليه وسلم تحدث بالعربية إذًا عنوان التعبير عن هويتنا الإسلامية لا يمكن أن يكون إلا بالعربية.

 من أسباب الضعف كذلك: التشكيك في الثوابت يأتي بعضهم إلى القرآن لا يمكن أن يشكك في القرآن في آياته في ثبوته لكن يشكك في دلالاته، يقول القرآن قطعي الثبوت ظني الدلالة ويستخدم قضية ظني الدلالة فيما يستطيع أن يحرف فيه من الآيات، في باب الاعتقاد في باب العمل في غير ذلك يا إخوة في فترة من الفترات كان الإسلام يحارب بالقتال بالمعارك التتار والمغول، ثم في فترة أخرى صار الإسلام يحارب بمحاولة نشر الفكر المخالف لكن في الوقت المعاصر صار الإسلام يحارب بأن يهيأ من أبناء الإسلام المنتسبين إليه من يهيئون كمفكرين في الإسلام ينقضون ثوابت الإسلام ويحاربون الإسلام بلغته، بل يحاربون الإسلام بآيات القرآن وبأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بأفهام سقيمة، تسمع من يشكك في قضية عذاب القبر من يشكك في مسألة اليوم الآخر من يشكك في دلالات القرآن على وجوب الصلاة، من يشكك في مسائل حجاب المرأة من يشكك في مسائل تميز الرجل عن المرأة ، هذا ليس غزو بالسلاح هذا ليس غزو فكري من أعداء الإسلام لا هذا غزو داخلي أخطر من الأمرين السابقين أن يتكلم عن الإسلام من ينتسب إلى الإسلام بل من يعد مفكرا فينقض ثوابت الإسلام، ويجعلها من باب المتغيرات، نقض الثوابت أمر خطير جدا إذا شكك في القرآن وطعن في الصحيحين الذين هما أعلى الكتب من دواوين الحديث وأفضل الكتب بعد القرآن ماذا سيبقى لك، إذا شكك في صحيح البخاري هل سيأتي من ينتصر لسنن ابن ماجه إذا شكك في صحيح البخاري هل سيأتي من ينظر في سنن الترمذي أو في سنن سعيد بن منصور أو في مسند الشاشي أو في سنن أبي داود لا يمكن، ولذلك جاءوا إلى رأس الهرم في كتب الحديث والدواوين إذا شككوا فيها فما دونها أسهل ما دونها أهون.

 كذلك من أسباب الضعف: ضعف دراسة التاريخ، كثير من أبناء الإسلام ربما لا يعرف أفضل سيرة مشى صاحبها على وجه هذه الأرض وهي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، لا يعرفها لا يعرف متى ولد لا يعرف اسمه لا يعرف نسبه لا يعرف أبناؤه وزوجاته لا يعرف أين عاش وأين هاجر وأين ذهب وما هي الغزوات، لا يعرف صحابته الكرام لا يعرف العز الذي كان عليه المسلمون حينما فتحوا مشارق الأرض ومغاربها، لا يعرف الفتوحات الإسلامية لا يعرف العز الذي عاش فيه المسلمون في أوج ما وصلت إليه عزة الإسلام، ضعف التاريخ الذي ليس له ماضي كما يقال ليس له حاضر، الذي لا يعرف تاريخه كيف يريد أن يبني حاضره، الذي لا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم والقدوات فكيف له أن يقتدي بمن يتأسى وهذا أمر خطير، تجد الواحد من شباب الإسلام اليوم يعرف بعض لاعبي الكرة بأسمائهم وبلدانهم وبالنوادي التي ينتسبون إليها بل يعرف بعض الفنانين والموسيقيين بتفاصيل أحوالهم، ثم لربما لو سئل كما رأينا ما اسم نبيك صلى الله عليه وسلم أتى بالجواب الخطأ، هذه مصيبة أو لا يعرف من هن أمهات المؤمنين من هم الخلفاء الأربعة من هم العشرة المبشرون بالجنة، اقرءوا التاريخ إذ فيه العبر ضل قوم ليس يدرون الخبر، التاريخ عبارة عن أحداث متكررة كما قال ابن خلدون سلسلة من الأحداث المتكررة تختلف فيها الشخصيات لكن تتكرر فيها الأحداث، ولذلك حينما تقرأ التاريخ وتعرف تاريخك يحدث في قلبك من العزة من الطمأنينة من الراحة من الاعتزاز بدينك الذي وصل إلى كل أصقاع الأرض بفضل الله جل وعلا، ثم بما هيأه من رجال مخلصين قاموا على هذا الدين.

 أيضا من أسباب ضعف الهوية الإسلامية: الانهماك في قراءة كتب الضلال سواء من كتب العقائد المخالفة، أو كتب الفكر المخالف، بعض الناس لا يميز ماذا يقرأ، يعجبه عنوان الكتاب أو لون الكتاب أو وصف الكتاب يأخذه وفي داخله السم الزعاف، وهو لا يميز بين التمرة والجمرة ولا بين الشحمة واللحمة كما ما يقال يقرأ كتابا يجده أمام عينيه ثم يعتقد بما فيه من الضلال والانحراف مما يضعف هويته الإسلامية، مما يحسن له الأمور المخالفة، فلذلك هذه المسألة تدعونا إلى قضية عدم القراءة في كل كتاب وعدم السماع لكل متحدث، لا تقل أنا أفهم أنا أدرك ليس عندك من العلم ما تدرك به، ليس عندك من العلم ما تميز به كيف تدرك كيف تعرف الحق من الباطل؟ وهل تظن أن صاحب الباطل إذا تكلم معك قال الآن سأتكلم معك بأمر باطل، لا يا أخي

الناسُ شتَّى وآراءٌ مفرَّقةٌ   ***   كلٌّ يرى الحقَّ فيما قال واعتقدَا

 كل واحد يقول الحق عندي، كل واحد يقول أنا سأبين لك الحق ما أقوله هو الحق وما يقوله غيري هو الباطل، إن لم يكن عندك من التمييز في معرفة أحوال هذه الكتب ومضامين هذه الكتب ستضل، ولذلك حتى أصحاب الضلال والانحراف الذين انحرفوا في باب الاعتقاد سواء في باب التوحيد في باب الأسماء والصفات في باب الصحابة في غيرهم إذا جاء بكتابه ورأيته رأيت فيه من الآيات ورأيت فيه من الأحاديث لكن أين الخلل كان أين الخلل كان في فهم هذه الآيات كان في شرح هذه الأحاديث، ولذلك قال المفضل ابن مهلهل رحمه الله: «لو صاحب البدعة إذا تكلم معك في أول أمره بالبدعة نفرت منه القلوب -نفر منه الناس- لكن أول ما يتحدث معك بالسنة فإذا اطمئن له الناس أدخل بدعته» ([17]) ،

لذلك كان سلف هذه الأمة من التابعين وعلى رأسهم محمد ابن سيرين وغيرهم من التابعين رضي الله عنهم ورحمهم الله كانوا لا يسمعون لأهل الضلال أبدا حتى في قراءة القرآن قال: أقرأ عليك آية قال ولا نصف آية، قال: يا إمام أقرأ عليك، فوضع أصبعيه في أذنيه، أبدا لا تقرأ علي من حرصه، ولذلك قال محمد بن سيرين هذا رحمه الله: «إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم»([18]) ، حرصك على الفائدة العلمية الصحيحة على المسألة وحرصك على إسلامك هو حرصك على اعتقادك هو حرصك على تصورك الصحيح للمسائل، وتهاونك في هذا الباب هو تساهلك في تلقي المعلومات فلا تكن سماعا لكل أحد هذا يأتيك بكلمة وهذا يأتيك بفائدة وأنت لا تميز.

 أيضا من الأسباب التي تدعو إلى ضعف الهوية الإسلامية: الدعوة إلى مفارقة العادات التي جاء الإسلام بتأكيدها، قال صلى الله عليه وسلم: «خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام، إذا فقهوا»([19]) ، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ» ([20]) ، لم يقل عليه الصلاة والسلام لأؤسس قال: لأتمم مكارم الأخلاق، إذًا هناك عادات كانت في الجاهلية جاء الإسلام بتأكيدها: صلة الرحم، الفزعة للمحتاج إكرام الضيف تستر المرأة، يقول عنترة وهو من شعراء الجاهلية ويصف لك هذه الحالة التي كان عليها قال:

وأغض طرفي إن بدت لي جارتي   ***   حتى يواري جارتي مأواها

 يا إخوة هذا في الجاهلية كانت عندهم من القيم والمبادئ والأخلاقيات، اليوم يأتيك شخص من أبوين مسلمين امتن الله جل وعلا عليه بأن أكمل دراسته ثم ذهب إلى دراسة تخصصية في بلد غربي، يأتي ويتعجب من كل شيء عجيب أنتم لا زلتم في الخيمة تعيشون لا زلتم تشربون حليب الإبل لا زلتم، انظر إلى قضية نبذ الحياة المجتمعية هذه نتيجة لتصورات خاطئة نتيجة لنظرة تأففية من المجتمع، ماذا يريد؟ هو حينما عاش في تلك البلدان ألم يرى الفقر في بعض فئام الناس هناك ألم يرى الفساد الم يرى المتسولين وهم قد عششوا تحت الجسور يعيشون فيها بلا مأوى ولا سقف، أما رأى الفساد الأخلاقي أما رأى اللقطاء أما رأى الفساد الأسري، وجاء إلى بلاده التي يرى فيها من عزة الإسلام ومن التمسك بالعادات لكنه ينظر إليها شزرا.

 من أخطر الأسباب التي تؤدي إلى سقوط الهوية الإسلامية: سقوط القدوات الله جل وعلا حينما أمرنا بالتأسي قال: ﵟلَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞﵞ ﵝالأَحۡزَاب : ﵑﵒﵜ هناك أسوة حسنة وهو النبي عليه الصلاة والسلام الذي في كثير من الآيات أمرنا الله جل وعلا بطاعته: ﵟوَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَﵞ ﵝالتَّغَابُن : ﵒﵑﵜ  ﵟوَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵙﵖﵜ ﵟفَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓﵞ ﵝالنُّور : ﵓﵖﵜ  ﵟفَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵕﵖﵜ آيات كثيرة تدل على التمسك بهذا القدوة صلى الله عليه وسلم، ثم التأسي بصحابته الكرام ولذلك قال جل وعلا: ﵟوَمَن يُشَاقِقِ ٱلرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ ٱلۡهُدَىٰ وَيَتَّبِعۡ غَيۡرَ سَبِيلِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصۡلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتۡ مَصِيرًا ١١٥ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵕﵑﵑﵜ تتمسك بهؤلاء القدوات في تمسكهم بعقيدتهم في اعتزازهم بدينهم في حرصهم على عبادتهم في أخلاقهم في سلوكهم في تعاملاتهم.

 كذلك من آخر الأسباب والأسباب كثيرة: ضعف الأبوين عن القيام بالواجب عليهما في هذا الشأن، كثير من التربية في كثير من الأسر ولا نقول في أكثر الأسر تفاؤلا أن أكثر الأسر إن شاء الله على خير لكن في كثير من الأسر هي تربية دنيوية محضة، احرص على دراستك احرص على اختباراتك احرص غدا تتوظف تكسب المال، أين احرص على صلاتك أين على صيامك أين احرص على لباسك وهويتك أين احرص على أخلاقك أين احرص على تعاملك مع الناس أين احرص على قرآنك أين احرص على سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، هذه التربية التي تنشئ جيلا صالحا التي تنشئ جيلا متمسكا بهويته مفتخرا بإسلامه معتزا بقيمه، فإذا اختل هذا الجانب فهو خطير لأن أصل الانحراف يبدأ من الأبوين ولذلك تؤثر البيئة تأثيرا كبيرا جدا في هذا الباب.

 السؤال الذي يعارض به البعض التمسك بالهوية الإسلامية هل التمسك بالهوية الإسلامية يناقض الانفتاح على العالم؟ هل التمسك بالهوية الإسلامية يناقض الأخذ بأساليب التطور؟ هل التمسك بالعقيدة الإسلامية يناقض الانتفاع بالأبحاث المعاصرة والتطلع إلى الإفادة الاجتهاد في التطور فيما يتعلق بالفضاء أو فيما يتعلق بالأرض أو فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي أو غير ذلك؟ كل ما سبق لا يناقض تمسك الإنسان بهويته الإسلامية أبدا، الإسلام يدعو إلى الانفتاح نعم يدعو إلى الانفتاح على الآخرين الإسلام يدعو إلى إدخال الآخرين في دينه يدعو إلى دعوة الآخرين إلى إخراجهم من ظلمات الشرك وإدخالهم في نور الإسلام، لكن لا يدعو الإسلام إلى الانفتاح على الآخرين والتنازل عن القيم والعقائد لا يدعو الإسلام إلى ذلك، يدعو الناس من أهل الإسلام ومن قادات الإسلام فتحوا البلدان وتعاملوا مع الأقوام في هذه البلدان من أفضل التعامل واقرؤوا التاريخ، بل إن بعض من دخل عليهم المسلمون في بلدانهم رفضوا أن يشاركوا في مقاومة المسلمين قالوا بل نرضى بحكمهم في فترة من الفترات، من يقرأ في الحضارة الأندلسية كانت الأندلس هي قبلة الأوروبيين في دراسة العلوم كانوا يأتون عشرات الآلاف إلى بلاد الأندلس يدرسون فيها ما يتعلق بالطب ويدرسون ما يتعلق بالعلوم الإنسانية بل حتى في العلوم الشرعية، الإسلام منفتح في باب العلوم لكن هذا الانفتاح له ضوابط لا أنفتح على الآخر وأتنازل عن عقيدتي لا أنفتح على الآخر وأتنازل عن عبادة ربي لا أنفتح على الآخر وأتنازل عن أخلاقي وسلوكي ألا يقول به الإسلام، الإسلام يقول لك انفتح على الآخر ادعوه كن سببا في هدايته مع حرصك على عقيدتك على أخلاقك على سلوكك على ألفاظك، وفي الإسلام كفاية فيما يتعلق بسبيل الهداية، تريد الهداية موجودة الهداية في الإسلام تريد معرفة الصواب في كتاب الله جل وعلا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، النبي عليه الصلاة والسلام في حفاظه على الهوية الإسلامية رأى في يد عمر رضي الله عنه صحائف من التوراة، فغضب صلى الله عليه وسلم قال: «أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب...والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا، ما وسعه إلا أن يتبعني»([21]) ، إذا تريد الهداية هي موجودة في كلام الله جل وعلا موجودة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، في ديننا غنى عن كثير من الأبحاث والتنظيرات والنظريات والدراسات، لذلك أتعجب ممن يريد أن يبحث عن السعادة فيذهب إلى كاتب غربي كتب دع القلق وابدأ الحياة ومات منتحرا، تبحث في كتابه أنت عن السعادة يا أخي هذه السعادة التي يدعو إليها ما استطاع هو أن يحصلها هو مات منتحرا، ما استطاع أن يعيش أن يكمل حياته بشيء من التفاؤل، تريد السعادة الأسرية، انظر في سيرته صلى الله عليه وسلم، تريد النجاح في تجارتك انظر في الأحكام الشرعية وفي هدي الإسلام في باب البيوع وفيما خالف ذلك من أبواب الربا ونحوها، تريد السعادة في ولدك انظر في تربية الإسلام للأبناء وفي هداية الإسلام في تربية النشأ، تريد السعادة مع زوجك في بيتك انظر في تربية الإسلام للمرأة انظر في سيرة أمهات المؤمنين، انظر في سيرة زوجات الصحابة رضي الله عنهن أجمعين، إذًا لابد ألا نوجد تناقضا بين الانفتاح على الآخر وبين الهوية الإسلامية ممكن تتمسك بالهوية الإسلامية وتعيش مع الآخرين على وفق الضوابط الشرعية التي جاءت في دين الإسلام، إذًا لا يلزم حتى يتطور الرجل أن يترك هويته الإسلامية لا يلزم حتى تتطور المرأة أن تترك حجابها وقيمها ومبادئها لا يلزم ذلك، ممكن أن تصل إلى أعلى المراتب في العلوم والفنون التي تخدم البشرية وهي متمسكة بقيمها كما أنه ممكن للرجل أن يصل إلى أعلى المراتب في المعارف والعلوم وهو متمسك بدينه ومتمسك بعقيدته ومتمسك بقيمه الإسلامية، حينما نتأمل في زمن النبي عليه الصلاة والسلام وهو زمن التشريع نجد النبي صلى الله عليه وسلم حرص على تميز الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم في أمر معتقدهم في باب الألفاظ في باب الأفعال وفي أمر عباداتهم، في أثر عمر السابق حينما قال صلى الله عليه وسلم: «أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب » ، معنى ذلك أن من أراد الهداية فلينظر في القرآن لا ينظر في غيره من الكتب، في قوله عليه الصلاة حينما كان يمشي الصحابة وهم حديثو عهد بالإسلام قالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط، النبي عليه الصلاة والسلام بين لهم تميزهم بالإسلام قال: «الله أكبر، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﵟٱجۡعَل لَّنَآ إِلَٰهٗا كَمَا لَهُمۡ ءَالِهَةٞﵞ ﵝالأَعۡرَاف : ﵘﵓﵑﵜ [الأعراف: 138] إنكم تركبون سنن الذين من قبلكم» ([22])  ، حينما قال الرجل: ما شاء الله وشئت قال : « بل ما شاء الله وحده» ([23]) ، حافظ على ألفاظك، حينما قال الرجل أنت سيدنا وابن سيدنا، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «قولوا بقولكم، أو بعض قولكم، ولا يستجرينّكم الشيطان» ([24])  ، في رواية: «ولا يستهوينّكم الشيطان إنما أنا عبد فقولوا عبد الله» ([25])  ، غلق باب الغلو غلق باب الألفاظ الشركية في الشرك الأصغر غلق ما يتعلق بالشرك الأكبر غلق ما يتعلق بالهداية من غير الإسلام، أنت عندك إسلام فيه كفاية تستطيع أن تحافظ على نفسك فيه حتى في باب الهيئة نعم، قال صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَلْبَسُوا الحَرِيرَ؛ فَإنَّ مَنْ لَبِسَهُ في الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ في الآخِرَةِ»([26]) ، في تميز الذكر عن الأنثى، قال صلى الله عليه وسلم: «لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال» ([27])لعن منه صلى الله عليه وسلم يتميز، ولذلك الولد من أول نشأته يربى على أخلاق الرجال ولبس الرجال وكلام الرجال والمرأة البنت من صغرها من أول نشأتها تعود على لبس النساء، وحياء النساء وصفات النساء وأعمال النساء حينما يأخذ الرجل من خصائص المرأة أو تأخذ المرأة من خصائص الرجل انتكاس عن الفطر، حينما يدعو البعض إلى إحداث جنس ثالث أو إلى جنس رابع هذا تغير لحال الإنسان لأصل خلقته، هذا الذي يدعو إلى هذا الأمر ويدافع عن هذه القضية هو جاء من رجلين أم جاء من امرأتين؟ هو جاء من رجل وامرأة من أب وأم فكيف يريد أن يغير هذه الفطرة التي لا يمكن أن تتغير بل هي سبيل الشيطان: ﵟوَلَأٓمُرَنَّهُمۡ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلۡقَ ٱللَّهِﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵙﵑﵑﵜ، إذًا النبي عليه الصلاة والسلام حرص على أن الرجل يكون على هويته وعلى خصائصه وعلى طبائعه التي دلت عليها فطرته، المرأة كذلك على هذا الشيء، رأى النبي عليه الصلاة والسلام رجلا يلبس خاتما من ذهب فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وأعرض عنه أخذ خاتما من حديد قال: «هذا أشر، هذا حلية أهل النار، فألقاه، واتخذ خاتما من ورق، فسكت عنه» ([28]) ، معنى هذا أنك كرجل لماذا تريد أن تزاحم المرأة فتأخذ من زينتها، المرأة تتزين بالذهب أنت ممكن أن تتزين بالفضة فيما هو من خصائصك، فتعتني بأن تتميز عن غيرك، ولذلك حتى في أبسط القضايا في قضية الطيب طيب الرجل له رائحة، وليس له لون، طيب المرأة له لون ليس له رائحة، طيب المرأة تتطيب وتخرج، قال صلى الله عليه وسلم: « أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا ،فلَا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ» ([29]) ، لا تخرج هذا تتميز لها أنت تتميزي بألا تتطيبي في بيتك، فحينما تأخذ هي من خصائص الرجال هذه مزاحمة للفطر أو مناكفة للفطر، ومحاولة لتغيير أصل الجبلة التي جعلها الله جل وعلا في الإنسان، الصحابة رضي الله عنهم الذين تربوا على يد النبي صلى الله عليه وسلم حرصوا ما حرصوا عليه أيضا في تميز المسلم بعقيدته، جاء صبيغ إلى عمر يسأل عن آيات متشابهات فيعرف عمر أن مقصده اتباع المتشابه أخذ عرجون من نخل ضربه على رأسه قال: هل بقي عندك شيء من الشبه؟ قال يا أمير المؤمنين ذهب ما في رأسي، بعد فترة جاء الخوارج إلى صبيغ وكانوا يطمعون أنه لا زال عنده بعض الشيء يخرج معهم قالوا تخرج معنا قال: كان عندي شيء نفعني الله بعرجون عمر، حينما ضربني عمر على رأسي نفعني الله بذلك لماذا عمر يضرب؟ لماذا لم يترك له حرية الفكر؟ أن يشكك في الدين أو يتكلم في المتشابهات أو يناقض المحكمات، حفاظا على المسلمين حفاظا على هويتهم، ولذلك من أعظم ما يحرص عليه ولي الأمر أن يحافظ على أديان الناس كما يحافظ على أبدانهم، لما أرشد علي رضي الله عنه وأرضاه في مسألة من مسائل العقائد وهي قضية إشادة القبور، قال لأبي الهياج الأسدي: « أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى اللهُ عليه وسلَّم -؟،" أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ ،وَلَا صُورَةً إِلَّا طَمَسْتَهَا ،وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ» ([30]) ، لأن اعتزازك بدينك وبمعتقدك يدعوك إلى هذا الأمر، ولذلك لا يتصور في الحقيقة أن مسلما يقال له قال الله  جل وعلا أو قال النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقول لا أنا لا أمتثل ذلك لما روى الشافعي رحمه الله محمد بن إدريس روى حديثا قال له بعض أصحابه: أتعمل به تعمل بهذا الحديث؟ تعجب الشافعي قال: «سبحان الله رأيتني خارجا من كنيسة، أو رأيتني رابطا على حقوي زنارا » يعني هل رأيتني من غير المسلمين من اليهود أو من النصارى حتى لا اعمل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك الشافعي نفسه رحمه الله هو القائل: «أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ اسْتَبَانَتْ لَهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدَعَهَا لِقَوْلِ أَحَدٍ» ([31]) ، هكذا كان حرص العلماء رضي الله عنهم وأرضاهم على التميز بالهوية الإسلامية، ولذلك يا إخوة لماذا حفظوا لنا هذا التراث الكبير، قيدوا سنن النبي صلى الله عليه وسلم بحثوا الأحكام الشرعية، ألفوا في جميع أبواب العبادات وفي جميع أبواب المعاملات وفي مسائل الأخلاق وفي مسائل التعامل، وقبل ذلك في أبواب العقائد حفاظا عليك كمسلم، نشرا لدين الله جل وعلا إدخال لغير المسلمين في الإسلام كي يتنعموا بهذه الهوية العظيمة التي امتن الله جل وعلا بها علينا.

 إذًا من أين يبدأ الحفاظ على الهوية يبدأ بمعرفة الأحكام الشرعية بمعرفة العلم: علم العقيدة علم الفقه علم السلوك والأخلاق، يبدأ كذلك بالتربية في البيت كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، يبدأ كذلك بتمايز الذكور عن الإناث فيما يتعلق بخصائص كل فئة، يبدأ بالسير على وفق الأوامر الشرعية، امتثال الأوامر واجتناب النواهي، يبدأ كذلك بالانبهار بالإسلام الفرح بالإسلام السعادة بأنك على دين الإسلام، الاعتزاز بالإسلام هذا دليل على التزامك بهذه الهوية، أنت على أي دين؟ أنا مسلم أنت فرحان جدا أنك مسلم وفرحان جدا أن الله عز وجل وفقك لهذا الدين، وفرحان أنك من اتباع عليه الصلاة والسلام، فرح لا يكاد يسع هذه الدنيا في قلبك لأنك ملتزم بشريعتك، كذلك مما يعزز قضية الهوية الإسلامية الحرص على الدراسات التطويرية التي تدل أن الإسلام لا يمانع أبدا من أي تطور أو تقدم بما يخدم البشرية جمعاء، لكن بما لا يخرج عن هويته وعن التزامه بأحكام شريعته.

 ختاما قضية الهوية هي قضية انتماء هي قضية استقامة على الدين، هي قضية تمسك بالشريعة، هي قضية فهم صحيح للقرآن وفهم صحيح لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، هي قضية اعتزاز بالشرائع وبالشعائر الإسلامية، وهي كذلك قضية فرح بنعم الله جل وعلا بل وقضية شكر على هذه النعم للاستزادة منها، هي قضية التمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وبطريقة الصحابة رضي الله عنهم، وفي جملة القول هي التمسك بجميع الأوامر وهي اجتناب جميع النواهي.

 أسأل الله جل وعلا أن يحيينا وإياكم على الإسلام، وأن يميتنا وإياكم على الإسلام، وأن يوفقنا لصالح القول والعمل إنه الولي على ذلك والقادر عليه،

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 


([1]) معالم التنزيل (1/157).

([2]) رواه البخاري (1385).

([3]) رواه مالك في الموطأ (1594).

([4]) رواه أحمد (5667).

([5]) الحاكم في المستدرك (1/62)، وصححه ووافقه الذهبي.

([6]) رواه البخاري (631).

([7]) رواه مسلم (1297).

([8]) جامع بيان العلم وفضله (2/925).

([9]) رواه البخاري (3093).

([10]) رواه البخاري (7280).

([11]) رواه البخاري (5090)، ومسلم (1466).

([12]) رواه البخاري (3166).

([13]) رواه الطبراني في الأوسط (4278)، والحاكم (7921)، وهو في صَحِيح الْجَامِع (73).

([14]) رواه البخاري (1427)، ومسلم (1034).

([15]) رواه البخاري (1471).

([16]) رواه ابن حبان (65).

([17]) الإبانة الكبرى لابن بطة (2/444).

([18]) أورده مسلم في المقدمة (ص12).

([19]) رواه أحمد (10295).

([20]) رواه الحاكم (4221).

([21]) رواه أحمد (15156).

([22]) رواه أحمد (21900).

([23]) رواه أحمد (1964).

([24]) رواه أبو داود (4806).

([25]) رواه أحمد (13529).

([26]) رواه البخاري (5426)، ومسلم (2067).

([27]) رواه أحمد (3151).

([28]) رواه أحمد (6680).

([29]) رواه مسلم (444).

([30]) رواه مسلم (969).

([31]) إعلام الموقعين (2/11).