القراءة في حياة طالب العلم


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 

الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد؛

 حياكم الله إلى هذا اللقاء المتعلق بأمر هو بالنسبة لطالب العلم من الأهمية بمكان، إذ هو آلة العلم ووسيلته وطريقته وسبيله، أمر القراءة وارتباطها بطالب العلم هو ارتباط طالب العلم بالعلم، أول آية أنزلها الله جل وعلا على نبيه صلى الله عليه وسلم كانت: ﵟٱقۡرَأۡﵞ ﵝالعَلَق : ﵑﵜ، وهذه القراءة هي وسيلة المعرفة، وكل آية تدخل في فضل العلم وفضل تحصيله وأهمية الوصول إلى مرام العلم، وكل حديث كذلك فإن هذا الفضل لا شك أنه ملتحق بأمر القراءة، فهو يدل على فضل القراءة، فضل هذه الوسيلة لتحصيل العلم ولزيادة العلم، ولا يتصور أن طالب العلم يستغني عن القراءة؛ إذ هي وسيلة الاستزادة وتحصيل الفوائد والوقوف على المعارف، من هنا كانت القراءة في حياة طالب العلم لها منزلة عظيمة ومكانة جليلة ولا يمكن لطالب العلم أن يستغني عنها.

 ولو نظرنا في تاريخ الإسلام وفي سير العلماء في طلبهم للعلم لوجدنا في ذلك الشيء العجاب مما سيأتي ذكره بإذن الله تعالى في أمر تحصيلهم للعلم الشرعي، حينما نتكلم عن هذا الموضوع ويطرق مثل هذه المسائل لا شك أن الحاجة إليها ماسة، ولا سيما في زماننا هذا، زمن كثرة المشغلات وضعف الهمم إلا من رحم الله تبارك وتعالى، حينما نتكلم عن هذا الموضوع نتكلم لأسباب كثيرة منها:

 عزوف طلاب العلم عن أمر القراءة حتى صارت القراءة أمرا غريبا على طالب العلم في تحصيله للعلم الشرعي، ولو سألت سؤالا أجاب كل واحد منكم في نفسه عن هذا السؤال لعرفتم قدر العزوف الذي نحن نعاني منه، كم كتابا قرأت؟ وكم كتابا انتهيت منه؟ وهل أنت في أيامك هذه منتظم في قراءة كتاب؟ فسنجد من الإجابة على هذا السؤال الحاجة إلى طرق هذا الموضوع المهم.

 صار أمر الكتب والقراءة فيها أمرا غريبا حتى أضحى إلى أمر الندرة منه إلى الوجود وكونه ظاهرة موجودة صار نادرا، وهذا لا شك يدل على تقصير شديد ونتيجة لهذا التقصير تجد ضعف الهمة ضعف المعلومة ضعف التحصيل ضعف الحفظ وضعف الفهم والإدراك، إذًا عزوف عموم الناس عن القراءة وطلبة العلم خاصة عن القراءة في الكتب النافعة أمر يحتم علينا أن نتدارس فيما بيننا أهمية هذا الأمر.

 كذلك نتكلم يا إخوة عن هذا الموضوع؛ لأننا في وقت طغت علينا أسباب الانصراف عن القراءة سواء بكثرة الوارد علينا على أسماعنا وعلى أبصارنا وعلى قلوبنا مما أشغلنا عن العلم ووسيلة تحصيله وهي القراءة، وكذلك طغيان وجود الأجهزة التي صارت عقبة أمام تحصيل العلم بل للأسف الشديد أضحت قاطع طريق تحجز طالب العلم عن مداركه وعن الأهداف التي ينبغي أن يحققها في سيره إلى الله جل وعلا في أمر العلم وطلب العلم، هذه الأجهزة التي ظن البعض أنها قربت له كل بعيد والحقيقة أنها أبعدته عن كل قريب، أبعدته عما يهمه من أمر عبادته ومن صلاته الاجتماعية الواجبة كبر الوالدين وصلة الأرحام، أبعدته كذلك عن طلب العلم، وظن أن سهولة الوصول إلى المعلومة هو أمر كاف في ذلك مجرد أن يدخل في محركات البحث يحصل على المعلومة، ظن أن ذلك يغنيه عن طلب العلم وعن القراءة في مسائل العلم، فصار علمه خارجا عنه محصورا في هذه الأجهزة إذا أراد معلومة دخل في جهازه، وإذا أراد معرفة فتوى هرع إلى هذا الجهاز يحصل منه الفتوى، فخلت نفسه للأسف الشديد من كثير من العلم، فإذا ما غاب جهازه أو فقد صار مجردا عن المسائل الشرعية وعن تحصيل العلم إلا ما تيسر وهو نزر يسير، ولذلك كان ينبغي على الإنسان أن يكون حريصا أشد الحرص ولا سيما طالب العلم أن يكون حريصا أشد الحرص على معرفة فقه التعامل مع هذه الأجهزة والطريقة الصحيحة في الاستفادة منها دون أن تكون هي العائق الذي يمنعك من الاستفادة من العلم وتحصيل العلم، صرفت هذه الأجهزة الناس عن الحفظ عن القراءة المطالعة بل حتى عن حضور مجالس العلم، وكان من مضى من سلف هذه الأمة يرى أن العلم ما حواه الصدر كما قال القائل: ليس العلم ما حوى القمطر ما العلم إلا ما حواه الصدر، الذي في صدرك إن كنت في البيت كان العلم معك كنت في الشارع كان علمك معك كنت في سيارتك كان علمك معك كما قال القائل: إن كنت في البيت كان العلم في البيت أو كنت في السوق كان العلم في السوق، لا يفارقك أبدا ولذلك قال بعض العلماء: العلم هو الذي لا يفارقك ولو كنت في الحمام، دائما معك لا يمكن أن تتركه خارجا.

 أيضا مما يدل على أهمية القراءة: أن القراءة يا إخوة هي التي بعون الله جل وعلا تحقق لك أمر العبادة، تقرأ في مسائل الصلاة تتعلم الصلاة تقرأ في مسائل الزكاة تتعلم الزكاة تقرأ في مسائل العلم العامة فأنت في سبيل تعبد لله جل وعلا، أنت في مجالس هي مجالس عبادة قراءتك وتحصيلك للعلم النافع أمر يقربك إلى الله جل وعلا؛ فلذلك من الأمر المهم لطالب العلم أن لا يفارق القراءة في حياته العلمية ومتى تنتهي الحيلة العلمية يا إخوة بالموت، إذًا القراءة أمر مستمر معك لا تفارقه بحال من الأحوال، ثم كذلك القراءة يا إخوة هي مخزون من الكلمات والمعارف والفوائد والمسائل والأدلة الكلمات مخزون كبير كأنه بنك عظيم يتضمن في خزائنه مسائل العلم، ولذلك كلما ازداد الإنسان من القراءة وضبط القراءة بما سيأتي التنبيه عليه كلما ازداد من تحصيل الأخذ من هذه الخزائن ومن الاستفادة من هذه المعارف، ولك أن تتصور أن الذي يملك الكتاب ولا يقرأ فيه كمن يملك مالا لا يستطيع التصرف فيه، يظن في نفسه أنه غني وهو لا يستطيع أن يشتري المتاع الرخيص؛ لأنه لا يملك أن يتصرف في ماله، وهكذا طالب العلم الذي يشتري الكتاب ولا يقرأ فيه وهو يظن أن عنده من الكتب عنده من المعارف عنده ما شاء الله من الموسوعات، هذه الموسوعات هذه المعارف هذه الكتب قرأ فيها؟ لم يقرأ فيها، إذًا الحقيقة أنه لا يملك شيئا من العلم أبدا وإن ملك الكتب ففرق بين من يحصل الكتب ومن يحصل العلم، ولذلك قد يستفيد طالب العلم من كتاب استعاره أكثر من فائدته من كتاب اشتراه، ثم مما يدل على أهمية الكلام عن قراءة الكتب ثناء العلماء على هذه القراءة وبيان أهمية هذه القراءة في حياة طالب العلم، ولذلك قال الخطيب البغدادي: «الْكِتَابُ تُؤَدِّبُكَ عَجَائِبُهُ، وَتَسُرُّكَ طَرَائِفُهُ، وَتُضْحِكُكَ مِلَحُهُ وَنَوَادِرُهُ، وَهُوَ نُزْهَةُ الْأَدِيبِ عِنْدَ لَذَّتِهِ، وَمُتْعَتُهُ عِنْدَ خَلْوَتِهِ، وَتُحْفَتُهُ عِنْدَ نَشَاطِهِ،وَأَنْسُهُ عِنْدَ انْبِسَاطِهِ» ([1])، الكتاب صديقك الحميم الذي لا يفارقك وقريبك الذي لا يجافيك، ولذلك قالوا: الكتاب الذي تقرأ فيه قالوا جليس لا مؤونة عليك فيه، ما يحتاج أنك تدعوه إلى كأس شاي حتى يكون رفيقك في الجلسة ما يحتاج أنك تتكلف معه وتتصنع معه الأسلوب حتى لا يجفوك ما يحتاج أنك تختار له في التعامل أجمل العبارات حتى لا يقلاك ويتركك لا أبدا الكتاب لا مؤونة عليه، يصبر عليك إن صح أن يكون له صبر وتستمتع به وتنتفع به وتستفيد منه، فهو في الحقيقة أبر من صديقك وأحسن عشرة من رفيقك وأفضل أنسا من أنيسك، وأجمل جلسة ومجالسة وسهرا ولقاء ممن تجالس وتسهر، يقول الخطيب رحمه الله: « مع مَا فِي الْكُتُبِ مِنَ الْمَنَافِعِ الْعَمِيمَةِ وَالْمَفَاخِرِ الْعَظِيمَةِ، فَهِيَ أَكْرَمُ مَالٍ وَأَنْفَسُ جَمَالٍ-أكرم مال تكتسبه أن يكون عندك من الكتب-،وَالْكِتَابُ آمَنُ جَلِيسٍ، وَأَسَرُّ أَنِيسٍ، وَأَسْلَمُ نَدِيمٍ، وَأَفْصَحُ كَلِيمٍ» ([2])، هل تتوقع أن تأخذ كتابا نافعا من كتب أهل العلم ثم تقول هذا الكتاب ساذج، تقول هذا الكتاب فيه قلة أدب هذا الكتاب سيء التصرف هذا الكتاب غليظ في التعامل فظ، هذا ممكن تصف بها البشر لكن لم تصف به كتب العلم أبدا، وإن كان هناك نفور من الكتاب فمنك أنت لا من الكتاب ضعفك استعجالك تسرعك هو السبب أما الكتاب فنفع بإذن الله جل وعلا متحقق لك، ثم هذا الكتاب نافع من فوائده أنه نافع لك في كلامك إن قرأت الكتاب اكتسبت من معارفه أليس كذلك؟ أخذت من علومه ثم أخذت كتابا آخر وأخذت جميع ما فيه من الفوائد، ثم أخذت كتابا ثالثا وقرأت جميع ما فيه من المسائل واستوعبتها سيؤثر هذا على منطقك على كلامك وسيؤثر على فكرك وسيؤثر على تعاملك وسيؤثر على أدبك وفصاحتك، كلما قرأت كلما استطعت أن توجد مخزونا من المفردات والمعارف التي ستجدها منطلقة في حديثك في تعاملك مع الناس في إيصال المعلومة، ولذلك قد تجد إنسان عمره ربما يتجاوز الثلاثين والأربعين لكنه لا يستطيع أن يركب جملة مفيدة لأن حصيلته من القراءة شيء لا يذكر، وربما قد ملأ سمعه للأسف من السخافات والأمور غير النافعة وكلام السوقة حتى أثر ذلك في لسانه وفي فكره، فكلما ارتقيت في قراءتك كلما ترقى فكرك كلما ارتقيت في قراءتك كلما حسن أدبك كلما ارتقيت في قراءتك كلما تجمل تفكيرك، طرحك للمعلومة يكون رائعا مفيدا، ولذلك يفتقدك جلساؤك ويفرح بك من تزورهم أو تلتقي به لماذا؟ لأن حياتك في كلامك وتفكيرك وطرحك ومداخلتك هو نتاج لقراءتك، من لا يقرأ لا يتحدث من لا يقرأ لا يستطيع التفكير من لا يقرأ لا يستطيع إيصال من لا يقرأ لا يستطيع إبداء الرأي أبدا؛ لأن الرأي المحض لا بد أن يكون مقيدا بنتاج من المعلومات أما مجرد أن يخطر في بالك كلام فتلقيه على جلسائك هذا ضرب من الجنون، مجرد كلام يخطر في بالك تلقيه هذا لا يدل على حسن فهمك، ولا يدل على أحقيتك في طرح أي أمر، إذًا القراءة تؤثر في شخصيتك ويتأثر بك من يراك ويجالسك ومن يستمع إليك، وهذه القراءة يا إخوة مؤثرة في أقرب الناس إليك وإن لم يكن قارئا إذًا تؤثر في أبنائك زوجك وفي صديقك وفي زميلك في العمل وفي والديك؛ لأنك تتحدث معهم بما تأثرت به في قراءتك وفي فهمك، ولذلك من وسائل صلاح الأخلاق القراءة، ومن وسائل تصحيح العلم القراءة ومن وسائل اكتساب المعرفة القراءة، تريد معرفة دون قراءة تريد أن تكون طالب علم دون أن تفتح كتابا هذه أماني المغرور الذي لم يعرف العلم ولا عرف سبيله وطرقه، ولذلك قال من قال: إن شئت يعني في العلم إن شئت كنت أفصح من سحبان وائل هذا أحد الفصحاء الخطباء قيل إنه مرة دعاه معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه وأرضاه ليلقي عليهم خطبة قال: ائتوني بعصاي قال معاوية قال عندي العصا قال لا أريد عصاي ائتوني بها، فوقف خطيبا من بعد الظهر بعد أن صلوا الظهر وخطب بهم إلى قبل أن تغرب الشمس إلى وقت ما بعد العصر وهو يخطب، لم يكرر كلمة قالوا يعني يقال في المثل أفصح من سحبان وائل اليماني، فقال له لو تركوك لما توقف إلا في الليل قال هذا يضرب به المثل لكن أين تصل بهذه البلاغة والمعاني والمفردات إذا لم تكن قارئا لا يمكن، ولذلك قالوا إما أن تكون مثل سحبان وائل وإما أن تكون مثل باقل، ومن باقل؟ قالوا وهذا باقل شخص لا يفهم حتى إن أمه كتبت اسمه على صدره وعلقته على صدره حتى يحفظ اسمه ما يحفظ أن اسمه باقل فينظر إلى اسمه ويعرف أنه باقل من كثرة ما كانت تكرر عليه، وذكر أن مرة أخاه أخذ هذه القلادة وعلقها في نفسه فرآه باقل وقال له: أنت أنا أم أنا أنت؟ فيقولون يضربون به المثل أن الذي لا يجتهد في تحصيل المعارف لن يكون إلا مثل من هذا حاله معرفته ضعيفة قليلة، فكان أيضا من منافع القراءة في الكتب أنك ربما يا أخي الكريم تقرأ كتابا يغير لك حياتك، تكون في هم وغم تقرأ كتاب تجد فيه من المعلومات ما يكشف الله به غمك ويذهب همك، تكون في كسل تقرأ في كتاب من المعلومات ما يشحذ همتك ويذهب كسلك بإذن الله، تكون في حال ضعف في تحصيل العلم فتقرأ في فوائد العلماء وفي توجيهاتهم من الكتب ما يرسم لك الطريق، معلومة واحدة قد تغير حياتك ولذلك قال البعض من العلماء إلى متى تطلب العلم قال: لعل الكلمة التي أدخل بها الجنة لم أكتبها بعد؛ إذًا كلما قرأت كلما وجدت من أبواب النعم الشيء الكثير، فائدة تفتح عليك في باب التعامل مع الله جل وعلا والتعبد فائدة تفتح لك في باب التعامل مع النبي صلى الله عليه وسلم وحسن الاهتداء بهديه والاقتداء بسنته، فاتحة تفتح لك في معارف الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وفائدة تفتح لك في مسائل التابعين وسيرهم وهمم ونشاطهم وجهدهم، إذًا هذا الكتاب الذي تقرأ فيه لا تدري كم من الخير محبوس في أسطره إلى الآن لم يجد من يفتح له الباب فكن أنت الذي يفتح الباب لا تدع هذه الفوائد في السجن في سجن الكتب وفي ثنايا السطور، اقرأ فيها استخرج وستجد هذا الأمر نافعا لك حتى في تعاملك مع نفسك في فهمك لنفسك وفي إدراكك لما هو الواجب عليك ستجد هذا في كتب العلماء.

 أيضا مما يفيد في هذا الباب معاشر الأحبة: أن القراءة في الكتب تصلح المنطق قلت مرة لبعض مشايخي كيف يصلح الإنسان منطقه؟ كيف يتمرس على اللغة العربية الفصحى؟ قال: يكثر من قراءة كلام الله جل وعلا ومن قراءة السنة النبوية يكثر منها، ثم ينظر في آثار الصحابة وفي كتب الأدباء بعد ذلك، الإنسان إذا اعتاد على القراءة تجد بعض الناس فصيحا في قراءته وربما لم يدرس النحو، يقيم إعراب الفاعل والمفعول به والفعل والاستثناء والبدل والتوابع وهو ربما لم يقرأ شيئا في النحو، عود نفسه على القراءة الصحيحة السماع والقراءة، والقرآن عليه قواعد النحو، فلذلك كلما أكثر الإنسان من القراءة في كلام الله جل وعلا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم كلما ازداد معرفته وصلح نطقه بل حتى الأسلوب الذي تريد أن تتحدث به يساعدك فيه القراءة في كلام الله جل وعلا وفي كلام النبي صلى الله عليه وسلم، كيف خاطب صالح قومه كيف خاطب هود قومه كيف خاطب النبي صلى الله عليه وسلم قومه كيف أرشد الله العباد في مسائل الإيمان، هذه أساليب عربية فأنت تعطي لنفسك مخزون كبير جدا مع التأمل والتدبر، ولذلك كان من أوجه التعبد لله جل وعلا في مسائل القرآن: ﵟ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ ٢٤ﵞ ﵝمُحَمَّد : ﵔﵒﵜ ﵟ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَۚ وَلَوۡ كَانَ مِنۡ عِندِ غَيۡرِ ٱللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ ٱخۡتِلَٰفٗا كَثِيرٗا ٨٢ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵒﵘﵜ .

 كذلك القراءة فيها بإذن الله عون للإنسان على جميع أحواله إذا أراد أن يعرف صحة المعتقد يقرأ في كلام أهل الاعتقاد الصحيح، أراد أن يعرف صفة عبادة من العبادات قرأ في صفة هذه العبادة في الصلاة في الصيام في الحج، إذا أراد أن يعرف حتى في التعامل مع الناس كيف يتعامل فليقرأ ماذا ينتظر طالب العلم ينتظر أن ينزل عليه علم خاص به، لابد أن يسعى في معرفة المعلومات ما الذي يريد، ما الذي سيحصله بالقراءة، معنى ذلك أنه لا يمكن لا أن يعتمد على الظن الذي في نفسه في باب المعارف لأن الظن لا يغني من الحق شيئا، ولا يمكن أن يعتمد على قراءة قديمة ضعيفة ربما فهمها فهما خاطئا أو أنها كانت في نفسها غير صحيحة مراجعها غير صحيحة، فلذلك الإنسان يا إخوة في حركته مبنية على المعارف في ذهابك في إيابك في جلوسك في كلامك مبني على المعارف أليس كذلك؟ لا شك في هذا أنت حينما تسلم على إنسان تسلم بمعرفة، حينما تتكلم معه تتكلم بمعرفة حينما تعطيه معلومة هذا معرفة وحينما تجلس في طريقة جلوسك نتيجة لمعرفة وفي طريقة شربك لمعرفة، قرأت في السنة أنه يشرب كذا بثلاثة أنفاس وتشرب وأنت جالس وتسمي الله في أول الشراب وتحمد الله، هذه نتيجة لمعرفة وسيلة المعرفة القراءة حضور الدرس والقراءة لكن حتى في حضور الدروس عندنا أمران مهمان متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، حضور الدروس سبيل معرفة والقراءة سبيل معرفة لا تستغني عن القراءة بحضور الدروس ولا تستغني عن حضور الدروس بالقراءة، إن استغنيت كان عندك ثلمة نقص لا يمكن أن تسده إلا بالأمر الآخر، الذي يقول أنا فقط أحضر الدروس ثم لا يراجع لا يقرأ لا يتدارس لا يزيد من المعلومات كيف يثبت عندك العلم، والذي سيعتمد على قضية القراءة ستعترضه الكثير من الإشكالات منها الفهم هل ما فهمه صحيحا أو ليس بصحيح، ولذلك قالوا من كان شيخه كتابه كان خطأه أكثر من صوابه.

 إذًا من الأمور المهمة كذلك أن القراءة في الكتب يا إخوة فيها سعادتك وسعادة كل من يقرأ لكن شرط ذلك يكون الكتاب نافعا وإلا عدم اختيارك للكتاب النافع وتساهلك في القراءة في كل كتاب وإن كان ضارا ربما كان هذا عنوان تعاستك أو عنوان شقائك أو عنوان انحرافك؛ لذلك اختر الكتاب اختيارا صحيحا وسيأتي التنبيه على هذا بإذن الله تبارك وتعالى.

 عندما نتكلم عن القراءة لابد أن نتكلم عن الوقت الذي يناسب هذه القراءة؛ لأن الوقت هو عمر الإنسان، لذلك الله جل وعلا عظم أمر الوقت في كتابه وأقسم به في آيات كثيرة: ﵟوَٱلَّيۡلِﵞ ﵝاللَّيۡل : ﵑﵜ ﵟ وَٱلضُّحَىٰ ١ﵞ ﵝالضُّحَى : ﵑﵜ ﵟ وَٱلۡعَصۡرِ ١ﵞ ﵝالعَصۡر : ﵑﵜ ﵟ وَٱلۡفَجۡرِ ١ﵞ ﵝالفَجۡر : ﵑﵜ.

والوقت أنفس ما عنيت بحفظه          وأراه أسهل ما عليك يضيع

 الوقت هو العمر هو أيامنا، ولذلك أحرص ما تحرص عليه في باب القراءة أن تختار من الأوقات أنفسها وأفضلها وأنفعها لقراءتك، وهذا يدعوك إلى أن تحفظ وقتك مما لا نفع فيه يقول قائل: هل أستطيع أن أحصل وقتا أقرأ فيه من كتب أهل العلم مع كثرة المشغلات والعمل والدوام واللقاءات والعلاقات الاجتماعية، قلنا لابد أن تعلم أن هذه المشغلات في وقتك منها ما هو فرض عليك وأمر لازم وظيفتك السبب في الرزق، أوقات التعبد لله جل وعلا ذهابك إلى المسجد، الصلات الواجبة مثل بر الوالدين وصلة الرحم لكن ما بعد ذلك أنت الذي ينبغي تختار ما ينفعك، هناك لقاءات لا نفع فيها هناك مجالس ربما مضرتها أكثر أكثر من منفعتها، إذًا أنت الذي تختار ما ينفعك في وقتك، وأنت الذي تدير وقتك إدارة صحيحة على وفق ما ينفعك، يا أخي العمر يمضي وهذا القرار بيدك وأنت الذي تختار ما ينفعك أو أن تبقى على هذا الإهمال ولن تحصل شيئا من المنافع، ربما بعض طلبة العلم يسمع نصيحة من عالم من العلماء ويتعجب من هذه النصيحة في ذلك الوقت لكنه لا يحرص على العمل بها، فتمر عليه الأيام والليالي والشهور والسنون تمر عليه، ثم بعد ذلك يقول كيف أستغل وقتي سبحان الله، انظر التفريط في سماع النصيحة الأولى والعمل بها أضاعت عليه عمرا من حياته، ربما لو استغل تلك النصيحة وانتفع بها لكان بعد هذا العمر قد حصل خيرا كثيرا لكن للأسف أخذ هذه المعلومة كفائدة لكنه لم يأخذها كعمل تطبيقي في حياته كمنهج يسير عليه، ولذلك لم ينتفع بها، إذًا يحرص في وقته في إدارة وقته في القراءة على أن يجتنب المشغلات غير اللازمة أولا، ويجتنب الكتب غير النافعة ثانيا، ويجتنب القراءات الضارة في غير الكتب من الرسائل ووسائل التواصل مما لا تنفعه ثالثا، ثم يضع لقراءته الصحيحة أنفس أوقاته وأنفس ما يكون من الأوقات ثلاث أوقات: وقت السحر وهو وقت مشهور عند العلماء في أمر القراءة وطلب العلم، النفس مطمئنة هادئة المشغلات ضعيفة الذهن صاف قادر على الإدراك والفهم، وما بعد صلاة الفجر وهو وقت تنزل الرحمات والبركات والأرزاق وهو وقت ذكر، فإن جعله طالب العلم في قراءته في الفنون والعلوم الشرعية في قراءة التفسير أو في قراءة منتظمة سيأتي بيانها إن شاء الله تعالى فلا شك أن هذا من أنفع الأوقات، وما قبل نومه أعرف أحد العلماء رحمه الله يقول: قرأت البداية والنهاية مرات قبل نومي حتى كنت أرى في منامي بعض المعارك بين الفرس وبين المسلمين من شدة ما يقرأ، إذًا هذا الوقت من أنفع الأوقات والسؤال كيف تمضي أوقاتنا في هذه الأحوال الثلاثة ما قبل النوم فإن هذه الأجهزة أخذت علينا جميعا والله من الأوقات الشيء الذي نسأل الله أن يغفر لنا فيه، ربما ساعة وساعتين تمر عليك وأنت لا تشعر، وأما  بعد الفجر كما يقولون التسليمة الأولى في المسجد والثانية على الفراش، مباشرة يذهب إلى بيته، وأما في السحر فنسأل الله أن يعيننا على صلاة الفجر على القيام لصلاة الفجر فمن الذي يقوم في هذا الوقت إلا من يسر الله جل وعلا له وأعانه وكان صادقا هو في نيته فيوفق بإذن الله تبارك وتعالى إذا عمل بالأسباب.

 ثم أيضا من الأمور المهمة المتعلقة بقضية القراءة: إياك من القراءة المجردة التي لا تقييد فيها للفوائد قيد فوائدك هذا مثل الصيد، والصيد لا بد أنك إذا صدته قيدته قالوا:

العلم صيد والكتابة قيده       قيد صيودك بالحبال الواثقة

فمن الحماقة أن تصيد غزالة     ثم تدعها في الخلائق طالقة

 كيف تقرأ تمر عليك الفائدة والفائدتان والعشر ولم تقيد شيئا، وكثير من الفوائد يا إخوة تضيع إن لم يقيدها طالب العلم، إن لم يقيد هذه الفوائد طالب العلم تضيع عليه، ولذلك البعض يقول قرأت فائدة لا أدري أين هي طبيعي لأنك لم تجتهد في التحصيل، المسألة ليست قراءة مجردة نحن نتكلم عن قراءة الاستفادة قراءة الانتفاع قراءة البناء العلمي، تحتاج إلى تقييد ولذلك من الصواب في ذلك في حرصك على تقييد العلم أن تقيد العلم على طرة الكتاب ما طرة الكتاب؟ أول صفحة في الكتاب، تقرأ الفائدة اكتب فائدة صفحة كذا فإن امتلأت هذه ما شاء الله كنت قارئا نهما خذ ورقة وألصقها هنا وأضف عليها الفوائد، ثم بعد ذلك إن كنت ذا همة وجيد في القراءة والتحصيل، وتحب أن تكون منظما مرتبا في فوائدك فانقل هذه الفوائد إلى كراس خارجي، هذا الكراس كأنه فهرسة موضوعية لقراءاتك كلها فوائد العقيدة تجعلها تفرغ هذه الكتب إلى هذا الكراس فوائد الكتب فيكون عندك كالفهرس لفوائد في العقيدة وفي الفقه وفي الأخلاق والسلوك وفي التفسير وفي المعارف العامة إلى غير ذلك، إذًا إياك من أن تكون هذه القراءة مجرد قراءة عابرة غالبا يا إخوة القراءة العابرة لا تبني طالب علم مثل قراءة الصحف والمجلات هذه القراءة لا تعطيك معارف تعطيك فكرة عامة آنية لا تستمر معك أبدا في وقتها فقط، لكن القراءة التي فيها تقييد الفوائد هذه تستمر معك وتبقى وتنتفع بها ويسهل الرجوع إليها، ولذلك قال العلماء: ينير الكتاب إذا اسود، الكتاب يصير نيرا إذا اسود يعني إذا كثرت التعليقات عليه الفوائد، فتضع علامات في أماكن الفوائد وتذكر رأس الفائدة في أول الكتاب، وهذا يدل على حسن صنيعك واقتناصك لهذه الفوائد التي أنت حرصت عليها، ولذلك يقول العلماء في الحرص على التقييد للفوائد يقول الخليل ابن أحمد الفراهيدي إمام اللغة: «مَا سَمِعْتُ شَيْئًا، إِلَّا كَتَبْتُهُ وَلَا كَتَبْتُ شَيْئًا إِلَّا حَفِظْتُهُ وَلَا حَفِظْتُ شَيْئًا إِلَّا انْتَفَعْتُ بِهِ» ([3]) ، لا إله إلا الله: «مَا سَمِعْتُ شَيْئًا، إِلَّا كَتَبْتُهُ وَلَا كَتَبْتُ شَيْئًا إِلَّا حَفِظْتُهُ وَلَا حَفِظْتُ شَيْئًا إِلَّا انْتَفَعْتُ بِهِ» إذًا لا تستغني عن الكتابة أبدا، ذكر عن ابن الجوزي أنه قال: كتبت بأصبعي هاتين ألفي مجلد،  لو سألتك كم كتبت أنت كم صفحة، ابن جرير الطبري إمام المفسرين كتب تفسيره في مجلدات كثيرة فقيل في أربعين ألف صفحة، فقال لأصحابه هل تنشطون في الكتابة قالوا هذا عمر يمتد أو في نحو هذا العدد، فاختصره إلى أربعة آلاف صفحة وقال إنا لله وإنا إليه راجعون ماتت الهمم قالوا في ترجمته: لو قسم عمر ابن جرير الطبري منذ ولادته إلى موته قسم عدد الأوراق التي كتبها كل يوم منذ أن خرج من بطن أمه إلى أن مات لوجدوا أنه كل يوم يكتب أربعة عشر صفحة، كل يوم يكتب أربعة عشر صفحة على تقسيم عمره من كثرة ما كتب([4]) .

 ولذلك نجد أن من وسائل العلم: التلخيص، تلخيص الكتب والتلخيص قراءة واستيعاب وفهم وإدراك وكتابة، قرأت الكتاب استوعبت مسائله لخصته، ولذلك لخص العلماء كتبا كثيرة بل إن بعضهم اشتهر بأمر التلخيص، في تلخيص كتب العلماء لأنها وسيلة نافعة لطلب العلم لكن إياك من التلخيص الحديث تلخيص المكتبة الشاملة ليس بتلخيص، هذا نوع من التدليس في التلخيص تضع الكتابة في ملفات الوورد ثم تأتي وتحذف تحذف ثم تقول أنا لخصت، لا هذا ليس تلخيصا ربما حذفت من المعارف والمعلومات أنفع مما أبقيت لكن أن تفهم ثم بعد أن فهمت وأدركت هذه المعاني أتيت ولخصتها لا شك أن هذا أمر نافع طيب.

 أيضا من المسائل المتعلقة في أمر القراءة والتي تشحذ الهمم في هذا الباب: القراءة في كتب العلماء التي ألفوها في آداب طلب العلم؛ فإنهم تكلموا عن باب القراءة والانتفاع بالكتب مثل: اقتضاء العلم العمل، تذكرة السامع المتكلم لابن جماعة، جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر وغيرها من الكتب للمعاصرين ولغيرهم.

 هنا مسألة مهمة يا إخوة بالنسبة للقراءة لا بد أن تفرق بين ما هو للمطالعة وبين ما هو للبناء العلمي، فرق بين الأمرين شيء للمطالعة أمر ربما تريد فقط أن تعرف معلومة عامة أو أن تقف على بعض المعارف التي لا صلة لها ببنائك العلمي الحالي الذي أنت الآن فيه، وفرق بين أن تقرأ في كتب العلماء ما ينفعك في سنك وفي مستواك العلمي الذي أنت فيه، كنت مثلا تدرس كتابا في أصول الفقه فتنظر في شروح العلماء، وتقرأ في ذلك ما يؤكد المعلومات التي أنت تدرسها وتنتفع بذلك وبين قراءة عابرة كقراءة مجلة أو كتاب خواطر أو كتاب فوائد في العلم شيء متفرق فائدة في كذا وفائدة في كذا، هذا أمر ربما يصلح في بعض الأوقات لكن الكتاب الذي تقيده وتريد أن تفهمه وتحرص عليه هذا لابد أن تجعل له وقتا مهما وأن تحرص على قضية التقييد فيه.

 اختيار الكتاب: لابد أن تختار كتابا يناسب حالك وتتدرج في قراءة الكتب، إياك من العشوائية في القراءة تدخل إلى المكتبة تأخذ هذا الكتاب تقرأ صفحة ترجعه إلى رفه تأخذ كتاب ثاني لونه أخضر يلمع أخذته وفتحته قرأت فيه صفحة لا في كتاب أفضل من لونه أسود تقرأ فيه صفحة هل هذا نافع لا ليس بنافع هل هذا ضار نعم ضار والله كيف ضار؟ هذا يعودك أن لا تستقر على شيء هذا دليل على عدم صبرك وعلى عدم حسن اختيارك، وهذا قد ينفرك من العلم أكثر مما يفيدك في تحصيله، كثرة التنقل في الكتب تنفرك من العلم؛ لأنك تستصعب وترى كأن هذه الأشياء أنت لن تستطيع عليها، فلذلك لن تثبت على كتاب افهم ماذا تريد، ماذا تريد أن تقرأ ما هو الكتاب المناسب لك ما هي السلسلة التي تريد أن تمر عليها، اقرأ في هذا الكتاب وصبر نفسك عليه وليكن قراءة في المختصرات أولا، لا تأتي تقول والله سير أعلام النبلاء كتاب رائع جدا يعني خمسة وعشرين ستة وعشرين مجلد أبدأ فيه وما تنتهي من الخمسين صفحة الأولى إلا وقد شعرت بهم وغم متى سأصل، لم تحسن الاختيار أنت إذا أردت القراءة في المطولات فمعنى هذا أنك قد عودت نفسك على القراءة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «الخير عادة» ([5]) ، عود نفسك أولا فإن تعودت سهل عليك هذا الأمر.

 إذًا هذا الأمر في قضية التحصيل لا بد أن يكون باختيار صحيح نافع للكتاب، إياك والتنقل فإن هذا مضر بك، إذا استشرت  في الكتاب وابتدأت فيه وقد استقر أمر قراءتك عليه صبر نفسك حتى تنتهي منه، فالصبر من أهم ما يعتني به طالب العلم ويستصحبه في قراءته، ولذلك حرص العلماء على كتابة الكتب الأولية والمتوسطة والمتقدمة المتوسعة، كما قالوا عن ابن قدامة رحمه الله فيما ألف في الفقه قالوا:

كفى الناس بالكافي، وأقنع طالبا ... بمقنع فقه من كتاب مطول

وأغنى بمغني الفقه من كان باحثاً ... وعمدته من يعتمدها يحصل

إذًا جعل مراتب للعلم ليس على مرتبة واحدة، طالب العلم لا ينتقل إلى مرحلة أخرى حتى ينتهي من المرحلة الأولى، والعلم مشروع حياة أنت تفكر أنك ستقرأ لمدة أربع سنين لا، طلب العلم مع المحبرة إلى المقبرة ومن المهد إلى اللحد هذا طلب العلم، لا يوجد وقت معين تقول أنا سأقف عن القراءة هنا، التعبد لله جل وعلا: ﵟ وَٱعۡبُدۡ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأۡتِيَكَ ٱلۡيَقِينُ ٩٩ﵞ ﵝالحِجۡر : ﵙﵙﵜ الموت.

 أيضا من المسائل مهمة في هذا الباب: إذا ابتدأت في قراءة كتاب فضع في بالك أمرا مهما وهو أنك لن تعود إليه لو قال لك قائل عندي كتاب نادر لم يطبع منه إلا هذه النسخة فقط أنا سأعطيك إياه لا آذن لك أن تنسخه ولا أن تصوره فقط اقرأ ما فيه واكتب فوائده، قالوا ليكن حالك في قراءتك مثل حال هذا الشخص كأنك لن تحصل على الكتاب مرة أخرى كيف ستكون همتك ستقرأ قراءة مستفيد لن تدع فائدة إلا كتبتها ولا معلومة إلا قيدتها ولا معرفة إلا حرصت عليها، ولذلك قال ابن بدران([6]) : كان الشيخ محمد بن عثمان الحنبلي المشهور بخطيب دوما رحمه الله يقول لنا: لا ينبغي لمن يقرأ كتابا أن يتصور
أنه يريد قراءته مرة ثانية لماذا؟ قال: لأن هذا التصور يمنعه من فهم جميع الكتاب بل يتصور الواجب عليه أن يتصور أنه لا يعود إليه مرة ثانية، أبدا لابد هذا يضع في باله لن يعود إليه مرة ثانية لكن أنت تقرأ الكتاب قراءة ضعيفة جدا والكتاب موجود سأرجع إليه مرة أخرى ولا ترجع إليه، فلا أنت بالذي رجعت إلى الكتاب ولا أنت بالذي ضبطت العلم أثناء قراءتك.

 أيضا من المسائل المهمة في هذه القضايا: أن يعلم طالب القراءة أن حاله مع حال القراءة المتناثر المتفرقة وإن كانت في كتب نافعة، نحن نتكلم وقد انتهينا من موضوع أن يكون الكتاب نافعا حاله في الحقيقة مع القراءة النافعة المتناثرة غير المرتبة غير المتسلسلة كحال صاحب محل يبيع أنفس الأطياب لكن هذا المحل غير مرتب، فإذا أراد أن يصل إلى نوع فاخر لم يستطع عنده لكن ما رتبها إذًا هذا معناه أن تكون هذه القراءة قراءة مرتبة تنتقل من كتاب إلى كتاب، وقبل أن تنتقل من الكتاب إلى الكتاب الآخر ربما أنت بحاجة إلى أن تعيد هذا الكتاب عدة مرات وهي مسألة مهمة ليس المراد من القراءة الانتهاء بل المراد الإفادة من الكتاب، أما الانتهاء من الكتاب فهذا يسهل حتى على عوام الناس فضلا عن طلبة العلم هل استفدت من الكتاب اختبرت نفسك بالكتاب، حصرت مسائله تقول لا والله استوعبت منه أربعين بالمائة نقول أعد النظر فيه اقرأه مرة أخرى لماذا مستعجل، فستضطر إلى القراءة المتمعنة ولذلك قال أهل العلم قالوا: مهارة القراءة هي في النظر إلى اللفظ والمعنى ليس مجرد النظر إلى اللفظ تقرأ اللفظ وتنظر ما هو المعنى، فتستفيد منه لكن تقرأ تقرأ ثم بعد أن تنتهي من أربع صفحات تقول لا أنا هل قرأت الأربع صفحات هذه لا أنا أحتاج أني أرجع إليها السبب في ذلك قرأت قراءة من يريد الانتهاء لا من يريد الإفادة والضبط، ولذلك يا إخوة خذوا هذه المعلومة المهمة من يريد أن تكون قراءته قراءة جيدة فلابد من أن يخصص وقتا، نحن أول تكلمنا عن اختيار الوقت لا هنا أن يخصص هذا الوقت لقراءته، ولا يقرأ أقل من ساعتين في اليوم حتى يبني بناء صحيحا ساعتين في اليوم، يقول بعض العلماء يعني أنه وصل أن طالب العلم لابد أن يقرأ ستة عشر ساعة نحن نقول ساعتين في اليوم ثمان ساعات هذه ما شاء الله البعض ينامها كاملة، ولو أخذنا ساعة متفرقة هي في أمر العبادات وثلاث ساعات في الطعام ما شاء الله البعض إذا جلس للأكل ينبسط فإذا أخذت ساعتين لقراءتك، فهذا أمر نافع لكنها منتظمة إذًا إذا جعلت قراءتك في أربعة أو خمسة أيام كم ستكون قراءتك الأسبوعية؟ ما يقارب عشر ساعات نافعة يقول قائل لا لا أنا أريد أقرأ يا أخي أقرأ العشر الساعات أنت صاحب همة عالية فقط هدئ من روعك لو كانت همتك صادقة لما احتجت أن تسمع هذه المعلومة كنت من أهل القراءة الذين يقرؤون عشر ساعات في اليوم، ليس في الأسبوع لكن أقترح عليك أن تقرأ ساعتين في اليوم منتظمة نافعة لك، تقيد فيها هذه الفوائد.

 أيضا يا إخوة من أراد أن يكون قارئا جيدا فليتدرب على الفهم أثناء القراءة، درب نفسك على الفهم لا تمرر الكلمات تريد أن تنتهي لا اقرأ وتدرب على الفهم في أول الأمر القراءة بهذا الأسلوب سيكون في القراءة البطيئة، لكن إن تدربت على الفهم فإنك ستفهم وإن كانت قراءتك سريعة يقولون: القراءة البطيئة حول مئة وخمسين كلمة في الدقيقة والقراءة المتوسطة العادية من مائتين وخمسين إلى ثلاث مئة كلمة، أما القراءة السريعة فتصل إلى ستمائة كلمة في الدقيقة وهذه لها شيء من ضوابطها إن شاء الله يأتي ذكره.

 إذًا مما ينفع أيضا طالب العلم على قضية الإتقان والإجادة في القراءة: أن يحدد لنفسه فترة زمنية في قراءة الكتاب، ربما ذكرت لكم في بعض المجالس أن بعض الإخوة أخذ كتيبا صغيرا قال أستعيره فقط يوم واحد ثم بعد ستة أشهر أتى به قرأته يقول: والله ما لقيت وقت أقرأه، إذًا احرص إذا بدأت بالكتاب أن تحدد كم صفحة تقرأ ومتى تنتهي منه، اضبط نفسك بذلك.

 ثم من الوصايا في ذلك يا أخي الكريم: انس نفسك أثناء القراءة واترك المشاغل التي بجانبك يعني أنت ماسك كتاب وعندك الأبناء أو الإخوة في البيت أو جالس في مجلس عائلي وتريد أن تستوعب وأن تقيد الفوائد، ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه لا يمكن هذا لا بد أن أنك إذا دخلت مع الكتاب يقول بعض الكتاب الذين يكتبون في القراءة: أنت في قراءتك مع الكتاب أنت محاور للكتاب كأنك تحدث إنسان فتفهم منه وتستوعب، ويحدثك بموضوع كذا فأنت معه، فلا تتشاغل عنه، ليس من أدبيات القراءة أن تقرأ وأنت متشاغل تنظر يمين تنظر يسار تصنع لك قهوة وتذهب وتأتي، ما ينفع ما ينتفع طالب العلم بذلك، إذًا لا بد من التركيز أثناء القراءة، ولذلك البعض يا إخوة ربما يقرأ ساعة كاملة وهو يكرر صفحة أو صفحتين ولا يستطيع الاستيعاب لأن الوارد عليه أثناء القراءة أشغله، يرد على الهاتف ويرد على الرسائل ويحدث من بجانبه ويصنع قهوته، ولذلك كثر في زماننا هذا من مظاهر القراءة أن البعض يأخذ كتابه ويذهب إلى كافيه يجلس يضع الكتاب ويضع القهوة، ويضع نظارته ويصور أجمل ما في هذه الجلسة هي هذه الصورة فقط نفع غير هذا لا يوجد، ذهب إلى هذا المكان لا نمنع منه لكن الكلام عن أن تكون مركزا مستوعبا لما تقرأ تأخذ معك الكتاب حتى تصور هذا الكتاب ماذا انتفعت أنت، إذًا الحرص على تهيئة الجو والتركيز أثناء القراءة.

 ثم كذلك أن تصل إلى نتيجة في الكتاب معنى ذلك ليست قراءتك مجرد قراءة لا أنت وصلت إلى معرفة جديدة إلى معلومة إلى فهم جديد، حرصت على الوصول إليه، وهذا يدعوك إلى الحرص على وجود نظام في قراءتك، معنى ذلك كلما انتهيت مثلا من مبحث تأملت في فهمك لهذا المبحث لخصته أو وضعت عليه علامات تدل على أهم النتائج في ذلك.

 نعود إلى مسألة أشرنا إليها هل القراءة البطيئة أفضل أم القراءة السريعة أم المتوسطة، لكل قراءة حالها ومنافعها وسلبياتها القراءة البطيئة نافعة في أحوال مثل مثلا النقد والتحليل إذا كنت قارئا نهما وعندك رغبة في نقد معلومات معينة أو كتاب يحتاج إلى نقد هنا لابد من القراءة البطيئة التي تحتاج إلى تمعن وتدبر، أيضا يقولون في القراءة في كتب الأدب والشعر لأنها قراءة إشباع الوجدان تتأمل في الأبيات الشعرية وكيف أن هذا الشاعر وصف الخيل أو وصف الماء أو نحو ذلك من الأوصاف فتتأمل في بديع هذه العبارات حينما يقول القائل:

الخيل والليل والبيداء تعرفني       والسيف والرمح والقرطاس والقلم

صور بديعية كثيرة جدا وأساليب عربية تحتاج منك إلى تأمل، تقرأ في كتبهم أو في أشعارهم في باب الهجاء في باب الرثاء في باب الفقد في نحو ذلك، هذا يحتاج منك إلى قراءة بطيئة، لكن هذه قالوا ما عيوبها؟ يعني في غير هذين الحالين إذا كان الإنسان يقرأ قراءة بطيئة قالوا غالب من يقرأ القراءة البطيئة لا يركز ينشغل، فلذلك تطول عليه مدة القراءة وهو يقرأ فجأة يفكر في موضوع يخرج، ولذلك قلنا إذا قرأت فانس نفسك تماما.

القراءة السريعة تفيد يا إخوة في الجرد ما معنى الجرد؟ يعني أنك تأتي سريعا على معلومات الكتاب لكن هنا يا إخوة في القراءة السريعة لا بد من ماذا؟ لا بد من قوة اللغة ومن فهم المعاني وإلا فستكون قراءتك قراءة ضعيفة جدا تريد أن تسرع أنت لا تفهم لا بد من أن يكون عندك مكنة في اللغة وفهم للمعاني، وهناك القراءة العادية التي يقرأ فيها القارئ يقولون المتوسط ما بين مائتين كلمة في الدقيقة أو مائتين وعشرين كلمة إلى ثلاث مئة كلمة في الدقيقة هذه القراءة العادية هي القراءة المعتادة لكن ليس في العمر فسحة أن الإنسان يستمر إما قراءة بطيئة وإما على قراءة عادية قد يحتاج إلى قراءة سريعة حتى يمضي على الكتب، ويمشي عليها ويستفيد منها لكن بشرط قلنا إجادة وفهم المعاني هذه مسألة مهمة جدا.

 ثم أيضا من الأمور التي يعتني بها طالب العلم: معرفة سلبيات القراءة أول سلبيات القراءة قالوا أن تقرأ وأنت منصرف، يعني تقرأ وأنت غير مهيأ تقرأ صفحة ثم تترك الكتاب ثم تنصرف عنه، هذا ضار بطالب العلم ضار في معارفه، إذا عود نفسه على ذلك فلن يستطيع أن يتم كتابا لماذا؟ لأن نفسه قد اعتادت على هذا الأمر ولا يستطيع على الأمور التي تدل على علو الهمة، فإن من علت همته أتقن عمله وكان تحصيله للمعارف دليلا على علو هذه الهمة لكن إذا كانت همته ضعيفة يقرأ صفحة نصف صفحة يتملل، وللأسف الشديد أنه ربما يغتر بنفسه ويظن نفسه طالب علم وهو لم يقرأ إلا صفحة من الكتاب، فيقع في نفسه أنه طالب علم يقرأ والحقيقة أنه لم يقرأ شيئا لأنه لم يقرأ شيئا نافعا متسلسلا بل إن قراءته قراءة سلبية إذًا تريد أن تدوم على شيء عود نفسك عليه، عود نفسك على القراءة تقرأ عود نفسك على الفهم ستفهم عود نفسك على التركيز في العبارات تستفيد.

 أيضا كذلك يقولون الانتكاسة أثناء القراءة ما هي الانتكاسة أثناء القراءة؟ معنى ذلك أنك تخطط للقراءة وتبدأ ثم فجأة تلغي المشروع كاملا، يقولون انتكاسة في القراءة هذه وما الذي يعارض هذا الشيء السبب ما هو في انتكاسته في القراءة؟ عدم الصبر يا إخوة ما عنده صبر خطط ولون ووضع ورقة وربما استعجل بسرعة ونشر عند أصحابه قال يا إخوة أنا سأبدأ بعض الإخوة ما شاء الله ما عنده حتى استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان، إذًا البعض يستعجل في قضية التخطيط ثم فجأة هكذا لعدم صبره يقطع لن يحصل شيئا هذا سيمر عمره ما بين طلوع ونزول لا يسير سيرا صحيحا.

 أيضا قالوا من الأمور المهمة: لا تحدث نفسك أثناء القراءة انس نفسك هذا ما ذكرناه من سلبيات القراءة لا تحدث نفسك أثناء القراءة، تقرأ ثم تقف وتبدأ تفكر يقطع عليك يا أخي هذا الخير صبر نفسك على قراءة مستمرة حتى تنتهي من عدد الصفحات التي أنت قررت الانتهاء منها.

 من سلبيات القراءة: وهو أمر أشرنا إليه القراءة في حضور الناس في مكان فيه عمل في انشغال لأن هذا يشتتك تقرأ وتنظر هذا قام مشى جلس هذا لا يمكن ماذا تستوعب أنت من قرائتك؟ قراءتك ستكون ضعيفة جدا وستمر عليك فوائد ربما لو أخبرك غيرك بها لقلت لا غير موجودة في الكتاب أنا قرأت الكتاب أنا أقرأ في هذا الكتاب وقرأت فيه، السبب في ذلك أن هذه الفوائد مرت عليك وأنت متشاغل وتظن نفسك أنك منتبه، إذًا هذا يدعونا إلى أن طالب العلم في حال القراءة ينصرف عن جميع المشغلات، المشغلات كثيرة صوتية التي تتعلق بوجود صوت أو مرئية ما يتعلق بالرؤية إلى الناس أو ألوان أو شيء مشاهد يعني بعضهم ربما يفتح شاشة التلفاز وهو يقرأ وهذا أمر عجيب يريد أن يتابع الأخبار ويريد أن يقرأ في كتب العلماء، ويريد أن يتحدث مع الذي بجانبه ويريد أن يشرب، أخطبوط هذا ليس إنسان عادي هذا كيف يحصل هذا قلب واحد أم ثلاث قلوب كقلوب الأخطبوط عنده قلب واحد عندك يا أخي ما تستوعب، ركز تنجز.

 هذه يا إخوة مجموعة من النصائح وإلا الكلام في باب القراءة كلام واسع ومتفرع.

 أسأل الله جل وعلا لي ولكم التوفيق والسداد، أسأل الله جل وعلا أن يسلك بنا مسالك أهل العلم، وأن يوفقنا لتحصيل العلم وأن ينفعنا بما قلنا، وأن يستعملنا في طاعته، وأن يوفقنا لمراشد أمورنا، إنه الولي على ذلك والقادر عليه.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

 والحمد لله رب العالمين.


 

([1]) تقييد العلم (ص128).

([2]) تقييد العلم (ص121).

([3]) تقييد العلم للخطيب (ص114-115).

([4]) ينظر: سير أعلام النبلاء (14/275).

([5]) رواه ابن ماجه (221)، وهو في صَحِيح الْجَامِع (3348).

([6]) المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل (ص488).