من فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم أما بعد؛

 فإننا نحمد الله عز وجل على نعمة الإسلام، ونسأل الله عز وجل أن يرزقنا وإياهم الإخلاص في القول والعمل، كما نسأله عز وجل أن يجعل ذلك في موازين أعمالنا يوم القيامة.

 كتابة اليوم بعنوان: من فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نتعرض من خلال هذه الكتابة على شيء من فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلٌ عظيمٌ من دين الإسلام، إن صلاح العباد متوقف على طاعة لله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتمام الطاعة متوقفٌ على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كانت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، كما قال الله عز وجل: ﵟكُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ تَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَتَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَتُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِۗ ﵞ ﵝآل عِمۡرَان : ﵐﵑﵑﵜ، وقد أولى القرآن الكريم والسنة النبوية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أهمية بالغة، ففي ذلك تحقيق الولاية بين المؤمنين، قال الله عز وجل: ﵟ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتُ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلِيَآءُ بَعۡضٖۚ يَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓۚ أُوْلَٰٓئِكَ سَيَرۡحَمُهُمُ ٱللَّهُۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ٧١ﵞ ﵝالتَّوۡبَة : ﵑﵗﵜ ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ المُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُوْنَهُ فَلا يُسْتَجَابُ لَكُمْ»([1]) .

 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أبرزُ صفات المؤمنين ومن أسباب قوتهم وفلاحهم، رتب الله عز وجل عليه الأجر الجزيل والثواب الكثير، قال الله عز وجل: ﵟ ۞ لَّا خَيۡرَ فِي كَثِيرٖ مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ إِلَّا مَنۡ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوۡ مَعۡرُوفٍ أَوۡ إِصۡلَٰحِۭ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا ١١٤ﵞ ﵝالنِّسَاء : ﵔﵑﵑﵜ، كما أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو التهاون فيه يجر المفاسد الكثيرة والأضرار الخطيرة التي تعم جميع الأمة، كما قال الله عز وجل: ﵟ وَٱتَّقُواْ فِتۡنَةٗ لَّا تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمۡ خَآصَّةٗۖ وَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ٢٥ﵞ ﵝالأَنفَال : ﵕﵒﵜ، مما لا يخفى على كلِ مؤمن أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة عظيمة من شعائر هذا الدين، فيه صلاح الأمة ونجاتها وتركه أو التهاون به فيه هلاكها، قال الله عز وجل: ﵟيَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيۡكُمۡ أَنفُسَكُمۡۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهۡتَدَيۡتُمۡﵞ ﵝالمَائـِدَة : ﵕﵐﵑﵜ، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في الآية: « يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية، وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر، ولا يغيروه، أوشك الله أن يعمهم بعقابه» ([2]) ، من هنا تأتي أهمية مثل هذه الكتابات في التوعية الدينية في هذا الأمر العظيم، وهو فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما هو المعروف وما هو المنكر؟

 المعروف لغة: ضد المنكر، اسم لكل فعل يعرف بالعقل والشرع حسنه، هذا هو المعروف لغة.

 أما في اصطلاح العلماء فقد عرفه ابن جرير الطبري رحمه الله فقال: «كل ما كان معروفًا فعله، جميلا مستحسنًا،  غير مستقبح في أهل الإيمان بالله، وإنما سميت طاعة الله معروفًا، لأنه مما يعرفه أهل الإيمان ولا يستنكرون فعله» ([3])، وعرف ابن منظور رحمه الله في لسان العرب المعروف قال: «وهو اسمٌ جامع لكل ما عرف من طاعة الله والتقرب إليه والإحسان إلى الناس، وكل ما ندب إليه الشرع ونهى عنه من المحسنات والمقبحات» ([4]) ، هذا هو المعروف كل ما ندب إليه الشرع من المحسنات و نهى عنه الشرع من المقبحات، فالمعروف ما يعرفه القلب ويطمئن إليه، وتسكن له النفس ولذلك سمي المعروف معروفاً؛ لأن النفوس تألفه وتسكن إليه وتطمئن إليه، وهو اسم جامع لكل ما يحب الله من طاعته والإحسان إلى عباده، هذا تعريف المعروف الذي أمرنا بالأمر به.

 أما المنكر النهي عن المنكر، فالمنكر ما ينكر، ضد المعروف، المنكر أيضا القبيح والنكير الإنكار، وكل ما قبحه الشرع وحرمه وكرهه فهو منكر، هذا كما قال في القاموس المحيط في اللغة([5]) .

 أما في اصطلاح العلماء في تعريف المنكر، كذلك الإمام الطبري رحمه الله عرفه بقوله: «وأصل المنكر، ما أنكره الله، ورأوه قبيحًا فعلهُ، ولذلك سميت معصية الله منكرًا، لأن أهل الإيمان بالله يستنكرون فعلها، ويستعظمون رُكوبها» ([6])، عرف بعض العلماء المنكر قال: « كل فعل تحكم العقول الصحيحة بقبحه أو تتوقف في استقباحه واستحسانه العقول، فتحكم بقبحه الشريعة». أي: أن المنكر ما تنكره النفوس تشمئز منه ولا تعرفه، وهو ضد المعروف، اسم جامع لكل ما عرف بالشرع والعقل قبحه من معصية الله وظلم عباده.

 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دلت عليه الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة، شرع الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما فيه من مصالح العباد ولما فيه من نجاتهم من سخطه عز وجل والفوز بجنته، وقد أولى الله تعالى هذا الأمر عناية عظيمة، فقال عز وجل: ﵟ وَلۡتَكُن مِّنكُمۡ أُمَّةٞ يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ ١٠٤ﵞ ﵝآل عِمۡرَان : ﵔﵐﵑﵜ، وقال الله عز وجل عن لقمان وهو يعظ ابنه: ﵟ يَٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ ١٧ﵞ ﵝلُقۡمَان : ﵗﵑﵜ، والنبي صلى الله عليه وسلم لما بعث برسالة الإسلام قام بواجب الأمر بالمعروف بنفسه، وكلف بعض أصحابه بالقيام به ودلت على ذلك أدلة كثيرة، الله عز وجل قال له: ﵟ خُذِ ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ ١٩٩ﵞ ﵝالأَعۡرَاف : ﵙﵙﵑﵜ آيات كثيرة تبين حق هذا الأمر والعناية به، ومما يؤكد مكانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام أن الله تعالى ذكر من أوصاف الصالحين أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، كما قال عز وجل: ﵟلَيۡسُواْ سَوَآءٗۗ مِّنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ أُمَّةٞ قَآئِمَةٞ يَتۡلُونَ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ ءَانَآءَ ٱلَّيۡلِ وَهُمۡ يَسۡجُدُونَ ١١٣ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَيُسَٰرِعُونَ فِي ٱلۡخَيۡرَٰتِۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ مِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ١١٤ﵞ ﵝآل عِمۡرَان : ﵓﵑﵑ - ﵔﵑﵑﵜ، فمن صفات المؤمن الصالح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذًا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضا سبب للنجاة في الدنيا والآخرة، كما قال عز وجل: ﵟ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِۦٓ أَنجَيۡنَا ٱلَّذِينَ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلسُّوٓءِ وَأَخَذۡنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابِۭ بَـِٔيسِۭ بِمَا كَانُواْ يَفۡسُقُونَ ١٦٥ﵞ ﵝالأَعۡرَاف : ﵕﵖﵑﵜ . الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب من أعظم واجبات الإسلام، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أوجب الأعمال وأفضلها وأحسنها» ([7])،

ويقول الحافظ النووي رحمه الله: «قد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وهو أيضا من النصيحة التي هي من الدين» ([8])  ، وهكذا يقول الحافظ ابن حزم رحمه الله: «اتّفقت الْأمة كلهَا على وجوب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر بِلَا خلاف من أحد مِنْهُم» ([9])  ، ويقول الحافظ الشوكاني رحمه الله: «وَوُجُوبُهُ-أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر-  ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ وَاجِبَاتِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ، وَأَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِهَا، وَرُكْنٌ مُشَيَّدٌ مِنْ أَرْكَانِهَا، وَبِهِ يَكْمُلُ نِظَامُهَا وَيَرْتَفِعُ سَنَامُهَا» ([10])،  هذه مقدمة لابد منها للبدء في ذكر شيء من فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونذكر ما كتبه الإمام ابن قدامة رحمه الله الشيخ أحمد بن عبد الرحمن بن قدامة المقدسي رحمه الله في كتابه مختصر منهاج القاصدين، ننقل شيئا من كلامه مما ذكره في كتابه في الفصل الثامن عشر كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 قال رحمه الله([11]) : واعلم: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين، وهو المهم الذي بعث الله به النبيين، ولو طوي بساطه، لاضمحلت الديانة، وظهر الفساد، وخربت البلاد، قال الله تعالى: "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" [آل عمران: 104]، وفي هذه الآية بيانٌ أنه فرض على الكفاية لا فرض عين، لأنه قال: "ولتكن منكم أمة"، ولم يقل: كونوا كلكم آمرين بالمعروف، فإذا قام به من يكفى سقط عن الباقين، واختص الفلاح بالقائمين المباشرين له، وفي القرآن العظيم آيات كثيرة في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها والمداهن فيها مثل قوم ركبوا سفينة فأصاب بعضهم أسفلها وأوعرها وشرها، وأصاب بعضهم أعلاها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فآذوهم، فقالوا: لو خرقنا في نصينا خرقاً فاستقينا منه، ولم نؤذى من فوقنا، فإن تركوها وأمرهم هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا جميعاً"([12]) حديث صحيح فيه بيان أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولو تخلى عن ذلك الناس لهلكوا جميعا.

ثم يذكر ابن قدامة رحمه الله قال: بيان مراتب الإنكار، فقد جاء في الحديث المشهور من رواية مسلم، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"([13])، وفي حديث آخر: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"([14]) .

 ثم قال ابن قدامة رحمه الله([15]) -ننقل شيئا كلامه في فقه الأمر المعروف الناهي عن المنكر-: وقام أبو بكر رضي الله عنه، فحمد الله تعالى وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ" [المائدة: 105]، وإنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروا أوشك أن يعمهم الله بعذاب"، ثم قال أيضا بعد ذلك في بيان أركان الأمر المعروف وشروط الأمر المعروف والنهي عن المنكر، وآداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذكر كلاما قيما في فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ننقل لكم بعضا منه قال: اعلم: أن أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أربعة: -الآن يذكر رحمه الله أربعة أركان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر-

أحدها: أن يكون المنكر مكلفاً مسلماً قادراً، وهذا شرط لوجوب الإنكار، فإن الصبي المميز، له إنكار المنكر، ويثاب على ذلك، لكن لا يجب عليه، وأما عدالة المُنْكِر، فاعتبرها قوم وقالوا: ليس للفاسق أن يحتسب، وإنما استدلوا بقوله تعالى: "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ" [البقرة: 44]، ثم قال ابن قدامة يرد عليهم: وليس لهم في ذلك حجة. إذًا يرجح رحمه الله أن الأمر المعروف والنهي عن المنكر واجب على المكلف سواء كان مستقيما أو كان فاسقا يجب عليه إذا استطاع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ثم يقول رحمه الله: واشترط قوم-أيضا على المنكر هذا الركن الأول- كون المنكر مأذوناً فيه من جهة الإمام أو الوالي، قال الشيخ: وهذا فاسد، لأن الآيات والأخبار عامة تدل على أن كل من رأى منكراً فسكت عنه عصى، فالتخصيص بإذن الإمام تحكم، أيضًا يرد على هؤلاء.

 قال: واعلم أن الحُسبة لها خمس مراتب: الحسبة يعني الأمر معروف النهي عن المنكر لها خمس مراتب، كأنه يذكر رحمه الله من فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنسبة للمنكر كيف ينكر كيف يأمر المعروف كيف ينكر المنكر من خلال خمس مراتب:

الأولى: التعريف: -يعرف صاحب المنكر بأن هذا منكر.

الثانية: الوعظ بالكلام اللطيف.

الثالثة: السب والتعنيف، ولسنا نعني بالسب الفاحشة، بل نقول له: يا جاهل يا أحمق، ألا تخاف من الله تعالى! ونحو ذلك.

والرابعة: المنع بالقهر، ككسر الملاهي وإراقة الخمر.

والخامسة: التخويف والتهديد بالضرب، أو مباشرة الضرب له حتى يمتنع عما هو عليه، فهذه المرتبة تحتاج إلى الإمام دون ما قبلها، لأنه ربما جر إلى فتنة.

يعني يشير رحمه الله عند الأمر معروف والنهي عن المنكر مراعاة مصالح ومفاسد، وهناك أمور تتعلق بالعقوبة المباشرة هذه قال: تحتاج إلى الإمام إلى ولي الأمر أو من ينوب عنه ليس كل أحد يضرب أو يفعل هذه الأفعال، ويُحدث فتنة قال: لأنه ربما جر إلى فتنة.

 ثم قال: فإن قيل هل تثبت الحسبة على للولد على الوالد، والعبد على السيد، والزوجة على الزوج، والرعية على الوالي؟ قلنا: أصل الولاية ثابت للكل، وقد رتبنا للحُسبة خمس مراتب. فللولد من ذلك الحسبة بالتعريف هو يشير إلى ما ذكره سابقا من المراتب الخمس تعريف الوعظ بالكلام اللطيف، السب والتعنيف المنع بالقهر، التخويف والتهديد بالضرب هذه الخمس مراتب التي ذكرها يقول رتبناها، فهذه ليست لكل أحد المراتب الخمس.>.

قال: فللولد من ذلك الحسبة بالتعريف ثم بالوعظ والنصح باللطف. الولد إذا أنكر على والده أو أمره بمعروف ليس له إلا التعريف أو الوعظ بالكلام اللطيف هذا الذي يذكره ابن قدامة رحمه الله.

وله من الرتبة الخامسة: أن يكسر العود، ويريق الخمر، ونحو ذلك، وهذا الترتيب ينبغي أن يجرى في العبد والزوجة. يعني الزوج إذا عنده هذا يحق للزوجة كما يقول الشيخ أن تكسر هذا العود أو تريق الخمر الذي عند زوجها من باب الإنكار، هو يشير رحمه الله إلى فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 قال: وأما الرعية مع السلطان، فالأمر فيه أشد من الولد،-يعني إنكار المنكر مع السلطان من الرعية -  فليس معه إلا التعريف والنصح -النصح بالسر الإسرار بالنصيحة للسلطان، أو الوالي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يُشهر به أو يذكر في مجالس الناس ، هذا ليس شأن أهل السنة والجماعة.

 يقول: وأما الرعية مع السلطان، فالأمر فيه أشد من الولد، فليس معه إلا التعريف والنصح - تعرّف هذا الوالي هذا السلطان بأن هذا منكر مخالف لشرع الله وأنصحك بكذا فقط هذا المطلوب، ثم قال: ويشترط كون المنكر قادراً على الإنكار، فأما العاجز، فليس عليه إنكار إلا بقلبه، ولا يقف سقوط الوجوب على العجز الحسي، بل يلتحق به خوف مكروه يناله، فذلك في معنى العجز. إًذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضا عند الاستطاعة إنكار المنكر خاصة عند الاستطاعة، ثم يذكر رحمه الله أمرا مهما من فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يذكر شروط الحُسبة يعني شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال: وكذلك إذا علم أن إنكاره لا ينفع، فيقسم إلى أربعة أحوال:الآن هنا منكر ويريد أن ينكر هذا المؤمن لكن علم وغلب عليه الظن أن هذا الإنكار لا ينفع مع هذا الشخص.

أحدها: أن يعلم أن المنكر يزول بقوله أو فعله من غير مكروه يلحقه، فيجب عليه الإنكار. هذه أعلى درجة، رأى منكر أراد أن ينكر هذا المنكر علم أن المنكر يزول بقوله أو فعله من غير مكروه يلحقه يجب عليه الإنكار.

الحالة الثانية: أن يعلم أن كلامه لا ينفع وأنه إن تكلم ضرب، فيرتفع الوجوب عنه.

الحالة الثالثة: أن يعلم إن إنكاره لا يفيد، لكنه لا يخاف مكروهاً، فلا يجب عليه الأمر لعدم الفائدة، لكن يستحب لإظهار شعائر الإسلام والتذكير بالدين. هذا فقه فقه عظيم من هذا الإمام.

الحالة الرابعة: أن يعلم أنه يصاب بمكروه-يعني إذا أنكر هذا المنكر- ، ولكن يبطل المنكر بفعله، مثل أن يكسر العود، ويريق الخمر، ويعلم أنه يضرب عقيب ذلك، فيرتفع الوجوب عنه، ويبقى مستحباً لقوله في الحديث: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر;".

ثم قال: ولا خلاف أنه يجوز للمسلم الواحد أن يهجم على صفوف الكفار ويقاتل. هذا في مسألة الجهاد في سبيل الله، ثم قال رحمه الله: وإن علم المنكر أنه يضرب معه غيره من أصحابه، -يعني إذا أنكر يؤذى هو ويؤذى معه أصحابه وأصدقاؤه-  لم تجزله الحُسبة،-لا يجوز له أن ينكر-  لأنه عجز عن دفع المنكر إلا بإفضائه إلى منكر آخر، و ليس ذلك من القدرة في شيء، ولسنا نعني بالعلم في هذه المواضيع إلا غلبة الظن، فمن غلب على ظنه أنه يصيبه مكروه، لم يجب عليه الإنكار، وإن غلب على ظنه أنه لا يصيبه وجب، ولا اعتبار بحالة الجبان ولا الشجاع المتهور، بل الاعتبار بالمعتدل الطبع، السليم المزاج. كل هذا في ذكر الركن الأول من أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو يذكر أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندما قال: إن أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أربعة أحدها: أن يكون المنكر مكلفا مسلما قادرا، ثم تكلم عن المنكر الذي ينكر المنكر وما هي مراتب الإنكار، التعريف والواعظ بالكلام السب والتعنيف المنع بالقهر التخويف والتهديد بالضرب، ثم ذكر أيضا قيودا مهمة في مسألة علم المنكر أن إنكاره لا ينفع ذكر أربعة أحوال أشرنا إليها،

الآن يتكلم عن الركن الثاني من أركان الأمر المعروف والنهي عن المنكر:

الركن الثاني: أن يكون ما فيه الحُسبة منكراً موجوداً في الحال ظاهراً- إذًا الركن الأول كان عن المنكر، الركن الثاني عن المنكر نفسه أن يكون موجودا في الحال ظاهرا- فمعنى كونه منكراً أن يكون محذور الوقوع في الشرع، والمنكر أعم من المعصية، إذ من رأى صبياً أو مجنوناً يشرب الخمر فعليه أن يريق خمره وكذلك لو رأى مجنونا يزني بمجنونة أو بهيمة، فعليه أن يمنعه، وقولنا: موجوداً في الحال، -عندما قال: أن يكون ما فيه الحسبة منكرا موجودا في الحال ظاهرا قال: قولنا موجودا في الحال- احتراز ممن شرب الخمر وفرغ من شربها، ونحو  ذلك، فإن ذلك ليس إلى الآحاد -والأفراد إنما هو للوالي المسلم أو من ينوب عنه، إذًا هذا انتهى من شرب الخمر الآن قال وقولنا: ظاهرا عندما قال: أن يكون ما فيه الحسبة منكرا موجودا في الحال ظاهرًا قال([16]) : وقولنا: ظاهراً، احتراز ممن تستر بالمعصية في داره وأغلق بابه، فإنه لا يجوز أن يتجسس عليه  إلا أن يُظهر ما يعرفه من هو خارج الدار، كأصوات المزامير والعيدان، فلمن سمع ذلك أن يدخل ويكسر الملاهي، فإن فاحت رائحة الخمر، فالأظهر جواز الإنكار. هذه قيود وشروط، شيء من فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يذكرها هذا الإمام في كتابه مختصر منهاج القاصدين.

 ثم قال بعد ذلك: ويشترط في إنكار المنكر أن يكون معلوماً كونه منكراً بغير اجتهاد، -يعني ما في خلاف بين أهل العلم فيه بين المذاهب لذلك قال- فكل ما هو في محل الاجتهاد، فلا حُسبة فيه، فليس للحنفي أن ينكر على الشافعي أكله متروك التسمية، -يعني ذبح ولم يسم فالمذهب الحنفي يجوز أكل هذه الذبيحة، والمذهب الشافعي لا يجوز أكل هذه الذبيحة بدون تسمية، خلاف بين العلماء محل اجتهاد- ، ولا للشافعي أن ينكر على الحنفي شربه يسير النبيذ الذي ليس بمسكر. نبيذ الآن العصير الذي يسمى نبيذ العنب ونبيذ التمر هذا العصير الذي ليس بمسكر، المسألة خلافية.

 قوله: ويشترط في إنكار المنكر أن يكون معلوما كونه منكرا بغير اجتهاد، يشير إلى أن في المسائل الاجتهادية لا إنكار، هذا الذي قاله وخالفه كثير من أهل العلم، يكون الإنكار إذا وضح الدليل في هذه المسألة.

 ثم يقول: الركن الثالث من أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المنكر عليه، إذًا الركن الأول في المنكر الذي ينكر، الركن الثاني المنكر نفسه، الركن الثالث المنكر عليه الذي فعل المنكر في المنكر عليه قال: ويكفى في صفته أن يكون إنساناً، ولا يشترط كونه مكلفاً كما بينا قبله من أنه ينكر على الصبي والمجنون. المنكر عليه قال يكفي أنه يكون إنسان كل إنسان يؤمر بالمعروف وينهى عن المنكر هذا الركن الثالث.

 قال: الركن الرابع: نفس الاحتساب. العمل نفسه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يتكلم عنه الآن قال: وله درجات وآداب. نفس الاحتساب الأمر معروف النهي عن المنكر نفسه له آداب قال: وله درجات:

الدرجة الأولى: أن يعرف المُنكر، فلا ينبغي له أن يسترق السمع على دار غيره ليسمع صوت الأوتار، ولا يتعرض للشم ليدرك رائحة الخمر، ولا أن يمس ما قد ستر بثوب ليعرف شكل المزمار، ولا أن يستخبر جيرانه ليخبروه بما يجري، بل لو أخبره عدلان ابتداءً أن فلاناً يشرب الخمر، فله إذ ذاك أن يدخل وينكر.إذًا هذه الدرجة الأولى أن يعرف المنكر هذا في الركن الرابع نفس الاحتساب وله درجات وآداب الدرجة الأولى أن يعرف المنكر.

 الدرجة الثانية  قال: التعريف، فإن الجاهل يقدم على الشيء لا يظنه منكراً، فإذا عرف أقلع عنه، فيجب تعريفه باللطف، فيقال له: إن الإنسان لا يولد عالماً، ولقد كنا جاهلين بأمور الشرع حتى علمنا العلماء، فلعل قريتك خالية من أهل العلم، فكهذا يتلطف به ليحصل التعريف من غير إيذاء، ومن اجتنب محذور السكوت عن المنكر، واستبدل عنه محذور الإيذاء للمسلم مع الاستغناء عنه، فقد غسل الدم بالبول. تشبيه عجيب منه رحمه الله. إذًا هذه الدرجة الثانية تعريف، يعرف هذا الرجل الذي فعل المنكر هذا الإنسان الذي ارتكب يعرفه قد يكون جاهل لا يعرف أن هذا حرام وهذا منكر.

الدرجة الثالثة: النهي بالوعظ والنصح والتخويف بالله، ويورد عليه الأخبار الواردة بالوعيد، ويحكي له سيرة السلف، ويكون ذلك بشفقة ولطف من غير عنف وغضب، وها هنا آفة عظيمة ينبغي أن يتوقاها، وهو أن العالم يرى عند التعريف عز نفسه بالعلم، وذل غيره بالجهل. يشير إلى مدخل من مداخل الشيطان على هذا العالم أو هذا الرجل الذي ينكر، انتبه لنفسك يقول انتبه لنفسك عندما تأمر بالمعروف وتعظ الناس، لا تظن أنك أنت أحسن من الناس أو أفضل الناس، لا يدخل عليك هذا، يقول: إن العالم يرى عند التعريف عز نفسه بالعلم وذل غيره بالجهل، وقال: هذه آفة عظيمة ابن قدامة رحمه الله، ويذكر مثالا قال([17]) : ومثال ذلك مثال من يخلص غيره من النار بإحراق نفسه، وهو غاية الجهل، ومذلة عظيمة، وغرور من الشيطان، فينبغي أن يمتحن به المحتسب نفسه وهو أن يكون امتناع ذلك باحتساب غيره عليه، أحب إليه من امتناعه باحتسابه، فإن كانت الحسبة شاقة عليه، ثقيلة على نفسه، وهو يود أن يكفى بغيره، فليحتسب، فإن باعثه هو الدين، وإن كان الأمر بالعكس، فهو متبع هوى نفسه، متوسل إلى إظهار جاهه بواسطة إنكاره، فليتق الله وليحتسب أولاً على نفسه.

ثم يقول: الدرجة الرابعة: السب والتعنيف بالقول الغليظ الخشن، وإنما يعدل إلى هذا عند العجز عن المنع باللطف، وظهور مبادئ الإصرار -من هذا صاحب المنكر- والاستهزاء بالوعظ والنصح. ينصحه يتكلم معه باللطف لكنه يستهزأ مصر على هذه المعصية، فهذه الدرجة الرابعة: السب والتعنيف بالقول الغليظ الخشن، طبعا كل ذلك بمراعاة المصالح والمفاسد وتشريعات وأعراف الناس لابد أن تراعى في مثل هذه الأمور حتى لا تحدث المفاسد والعداوات بين الناس، قال الشيخ: ولسنا نعنى بالسب: الفحش والكذب، بل نقول له: يا فاسق، يا أحمق، يا جاهل، ألا تخاف الله.

الدرجة الخامسة هذه من درجات الاحتساب من درجات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نفسه، الدرجة الخامسة، قال: الدرجة الخامسة: التغيير باليد، ككسر الملاهي، وإراقة الخمر، وإخراجه من الدار المغصوبة، وفي الدرجة أدبان:

أحدهما: أن لا يباشر التغيير ما لم يعجز عن تكليف المنكر علي ذلك، فإذا أمكنه أن يكلفه الخروج عن الأرض المغصوبة، فلا ينبغي أن يجره ولا يدفعه.

والثاني: أن يكسر الملاهي كسراً يبطل صلاحيتها للفساد، ولا يزيد على ذلك ويتوقى في إراقة الخمور كسر الأواني إن وجد إليه سبيلاً. هذه قيود يذكرها من فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أراد أن يقرأها يرجع إلى هذا الكتاب مختصر منهاج القاصدين.

 ثم يذكر أحوال الدرجة السادسة من درجات الاحتساب  في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الدرجة السادسة قال: التهديد والتخويف كقوله: دع عنك هذا وإلا فعلت بك كذا وكذا، اترك هذا وألا بلغت الجهات المختصة مثلا، اترك هذا الفعل وإلا أخبرت عنك وأبلغت عنك، وقال: وينبغي أن يقدم هذا على تحقيق الضرب إذا أمكن تقديمه. هذا كله في حالة الاستطاعة وفي حالة الولاية، وهذه أيضا فقه من الفقه في الدين فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

 قال: الدرجة السابعة: مباشرة الضرب باليد والرجل. هذا عند الاستطاعة عندما الوالي مثلا الأب مع ابنه والأم مع ابنتها في حالة وجود المنكر، والوالي أيضا مع الرعية يباشر ضرب باليد والرجل لإنكار المنكر قال: مباشرة الضرب باليد والرجل وغير ذلك مما ليس فيه إشهار سلاح، قال: وذلك جائز للآحاد بشرط الضرورة والاقتصار على قدر الحاجة، فإذا اندفع المنكر فينبغي أن يكف. ثم قال: الدرجة الثامنة: أن لا يقدر على الإنكار بنفسه ويحتاج إلى أعوان، فإنه ربما يستمد الفاسق أيضاً بأعوانه ويؤدي إلى القتال، فالصحيح أن ذلك يحتاج إلى إذن الإمام، لأنه يؤدى إلى الفتن وهيجان الفساد. انتهى كلامه رحمه الله في ذكر أركان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما ذكره من الفقه.

 ثم يذكر رحمه الله بعد ذلك في آداب المحُتسب يعني آداب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هناك آداب ينبغي أن يتأدب بها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، قال: جملتها ثلاث صفات في المحتسب: العلم بمواقع الحسبة وحدودها ومواقعها، ليقتصر على حد الشرع. أن يكون عالم بمواقع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحدود والضوابط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعنده فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعرف المعروف ويعرف المنكر، العلم هذه الصفة الأولى من صفات المحتسب الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، قال: والثاني: الورع، فانه قد يعلم شيئاً ولا يعمل به لغرض من الأغراض. يكون عنده ورع وخوف من الله عز وجل عندما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، قال: والثالث: حسن الخلق. هذه ثلاث صفات ذكرها في المحتسب، الثالث قال: حسن الخلق، وهو أصل ليتمكن من الكف، فإن الغضب إذا هاج لم يكف مجرد العلم والورع في قمعه ما لم يكن في الطبع خلق حسن. إذًا العلم الورع الخوف من الله وحسن الخلق، هذه صفات المحتسب الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

 ثم يقول: قال بعض السلف: لا يأمر بالمعروف إلا رفيقٌ فيما يأمر به، رفيق فيما ينهى عنه، حليم فيما يأمر به، حليم فيما ينهى عنه، فقيه فيما يأمر به، فقيه فيما ينهى عنه. ثم يقول في ختام كلامه : وأما الرفق في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فمتعين، قال الله تعالى: "فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا" [طه: 44].

 ثم يذكر رحمه الله أيضا بابا في المنكرات المألوفة في العادات وفي الإنكار على الأمراء والسلاطين وأمرهم بالمعروف في بقية كلامه في هذا الكتاب كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من ضمن كتابه مختصر منهاج القاصدين، وأنصح بالرجوع إلى هذا الكتاب والاستفادة منه في هذا الباب..

 نسأل الله عز وجل أن يفقهنا وإياكم في ديننا، كما نسأله عز وجل أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء ومن كل فتنة، أسأله عز وجل أن يوفق ولاة أمورنا لما يحبه ويرضاه وأن يرزقهم البطانة الصالحة.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وسلم.


 

([1]) رواه الترمذي (2169).

([2]) رواه أحمد (16).

([3]) جامع البيان (7/105).

([4]) لسان العرب (9/240).

([5]) ينظر: القاموس المحيط (1/487).

([6]) جامع البيان (7/105).

([7]) الحسبة في الإسلام (ص81).

([8]) شرح صحيح مسلم (1/51).

([9]) الفصل في الملل والأهواء والنحل (4/132).

([10]) فتح القدير  (1/237).

([11]) مختصر منهاج القاصدين (ص123).

([12]) رواه البخاري (2493)، والترمذي (2173 )، وأحمد (18403).

([13]) رواه مسلم (49).

([14]) رواه الترمذي (2174)، وأبو داود (4344)، وابن ماجة (4011)، و أحمد (18830).

([15]) (124).

([16]) (ص127).

([17]) (ص126).