المخرج لغزة وفلسطين (2)


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 

تناولنا في المقال السَّابق بعض القضايا والمقدِّمات بشأن الجرائم التي طالت إخواننا في فلسطين، وسنتناول في هذا المقال المخارج العلاجيَّة لإخواننا هناك متلمساً موافقة الشَّرع الحنيف ومقاصده والمنطق الصَّحيح الرجيح، فأقول يتمثَّل المخرج في النُّقاط الآتية:

 

أوَّلاً: التمسُّك بالتَّعاليم الدِّينيَّة الصَّحيحة، فلا طريق للعزِّ والنَّصر والتَّمكين إلا بالاستمساك بالدِّين القويم، كما قال تعالى: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}، ونَصْرُ الله تعالى إنَّما هو بامتثال أوامره واجتنابه نواهيه والارتقاء في مدارج الإيمان قولاً وعملاً واعتقادًا، قال الله تعالى: {كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ}، وقال عزَّ وجلَّ: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}.

 

ثانيًا: حسن اللجوء إلى الله تعالى، فهو يعزُّ من يشاء، ويذلُّ من يشاء، وينصر من يشاء، ويخذل من يشاء، ويعجِّل النَّصر لمن يشاء، ويؤخِّره عمَّن يشاء، لِحِكَمٍ بالغةٍ، فالجؤوا إليه سبحانه، واستمدُّوا منه العون والتَّوفيق والنَّصر، قال الله تعالى: {إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.

 

ثالثًا: التحلِّي بالصَّبر والاحتساب عند الله تعالى، فإنَّ ما يصيبكم هو ابتلاءٌ وامتحان، يقول ربُّكم تعالى: {وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ }، واستيقنوا بأنَّ مع العسر يسرًا، وأنَّ مع الضِّيق فرجًا، وتذكَّروا قول الله تعالى: {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.

 

رابعاً: الاعتصام بحبل الله جميعاً وعدم التَّفرُّق، بأن تجتمعوا تحت مظلَّة حكومتكم، بعيداً عن التصوُّرات الحزبيَّة وحالات الانقسامات، وأن تكونوا يداً واحدة، تحت مظلة حكومتكم، وإياكم والمنازعة والمشاقة لها فإن العدو يبحث عن نقاط الضعف هذه ليستفيد منها.

 

فأحيوا بينكم المودَّة والمحبَّة على هذا الأساس المتين؛ امتثالاً لقول الله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} وقوله سبحانه: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}.

 

خامساً: تصوُّرُ المشكلة على حقيقتها، بأن تعوا أنَّ القضيَّة هي قضيَّة فلسطين لا قضيَّة حزبٍ أو آخر، وأنَّ لُبَّ هذه القضيَّة هي القدس الشريف والمسجد الأقصى أُولى القبلتين وثالث الحرمين الشَّريفين ومسرى خاتم النبيِّين صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}.

 

سادساً: الحذر من تأطير القضيَّة في أُطُرٍ ضيِّقةٍ تُخرجُها عن إطارها الصَّحيح المتمثِّل في فلسطين والقدس الشريف، فهناك من يسعى إلى تحريف القضية من القدس وفلسطين عامَّة إلى غزة خاصَّة لوجود احد التيارات فيها، وهناك من أطَّر القضية في مصلحة هذا الحزب على وجه الخصوص، فمن خالف هذا الحزب أصبح عدوًّا لفلسطين.

 

وإن كان يسعى لصالحها وصالح شعبها ويقدِّم الخدمات الجليلة، ومن وافق هذا الحزب أصبح صديقًا ومناصرًا وإن لم يكن له شيءٌ تجاه فلسطين فضلاً عن أن يكون متلبِّسًا بعلاقاتٍ مشبوهةٍ مع أعدائها، وكلُّ هذه التَّصوُّرات الحزبيَّة تضرُّ القضيَّة الفلسطينية ضررًا بالغًا؛ فإنَّ أصحاب التحزُّبات إنَّما يقيمون تصوُّراتهم ومواقفهم وتحرُّكاتهم بناءً على مصلحة الحزب لا مصلحة فلسطين.

 

سابعًا: المعرفة الصَّحيحة بالصَّديق والعدوِّ، فالصَّديقُ يُعرَف بأفعاله ومواقفه الإنسانيَّة، والعدوُّ يُعرف بنقيض ذلك، والخلط في هذا الباب مضرُّ بكم، ولن تجدوا لكم سندًا مثل أشقَّائكم في الإمارات والسعودية والكويت ومصر وغيرها، فاحرصوا على دعم الأواصر مع إخوانكم، ولا تسمحوا لأحدٍ بأن يفتح بابًا لإفساد هذه العلاقات وتعكيرها.

 

ثامنًا: الالتزام بالحكمة وتغليب المصالح العامة، بأن تبادروا إلى ما يحفظُ أرواحكم ويكفُّ شرَّ عدوِّكم عنكم، وأن تقبلوا بالحلول الناجحة المبنيَّة على الشرع والعقل والمصلحة العامة التي تحقن دماءكم، ولا يضرُّكم أن تسلكوا الطرق الدبلوماسية الرسمية وأن تستعينوا بالأشقاء والعقلاء لرفع الظُّلم عنكم.

 

فإنَّ هذا ليس من التخاذل في شيء، فأنتم معذورون، ولكم في رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ أسوةٌ حسنةٌ، حينما خرج مع أصحابه قاصدًا مكَّة المكرمة لأداء العمرة، فمنعه العدوُّ، وجرى بينه وبينهم الصُّلح في الحديبية، وقد قَبِلَ ــ عليه الصلاة والسلام ــ بالصُّلح ببنوده المعروفة مع ما وقع من العدوِّ من ظلمٍ للمهاجرين في دورهم وأموالهم، مراعاةً للمصلحة العامة، وحصل بسبب ذلك الخير العظيم للإسلام والمسلمين.

 

تاسعًا: ضبط النَّفس، بألاَّ تستفزُّوا عدوَّكم وأنتم في حالة ضعفٍ واستضعاف، فيُثخن فيكم الجراح، وألاَّ تسمحوا لمن ابتلي بفكرٍ حزبِيٍّ أو عاطفةٍ مُفْرِطَةٍ أو ضعفِ تصوُّرٍ أو خفَّةِ عقلٍ أن يجرَّكم إلى استفزاز هذا العدوِّ الغاشم الذي لا يرحم، خاصة وأنكم في واقعكم لا تملكون مقوِّمات القوَّة التي تدفعون بها شرور هذا العدوِّ وطغيانَه.

 

هذا ما يوجبه عليكم الشَّرع والعقل في هذه المرحلة، وهذا ما بيَّنه الواقع المرير، فما أن يتحرَّش حزبٌ من الأحزاب بالكيان المعادي إلا ويأتي الرَّدُّ بصورةٍ وحشيَّةٍ عن طريق التَّقتيل والتَّدمير الذي يُطالُ المجتمع بأسره.

 

نسأل الله سبحانه أن يرفع الكرب عن أشقَّائنا في فلسطين، وأن يردَّ عنهم كيد عدوِّهم، وأن يجمع كلمة المسلمين على الحق، وأن يوفقهم لاستنقاذ فلسطين، وأن يهيئ لهم من أمرهم رشدًا.

 

 

 

مدير عام مؤسسة رأس الخيمة للقرآن الكريم وعلومه رئيس مركز جلفار للدراسات والبحوث