ما جاء في شهر صفر


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات
القسم: 
القسم: 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النّبيين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أمّا بعد : فهذا مقال مختصر عن شهر صفر وماورد فيه :

 قال ابن منظور رحمه الله : شهر صفر هو أحد الشهور الإثنى عشر الهجرية وهو الشهر الذي بعد المحرم ، قال أهل اللغة  : سمِّي صفرا  لإصفار مكَّة من أهلها ( أي خلّوها من أهلها ) إذا سافروا فيه ، وقيل : سَمَّوا الشهر صفراً لأنهم كانوا يغزون فيه القبائل فيتركون من لقوا صِفْراً من المتاع ( أي يسلبونه متاعه فيصبح لا متاع له ) . انظر لسان العرب لابن منظور ج/4 ص462

 وسنذكر في بحثنا المختصر هذا  :

1. ما ورد فيه عند العرب الجاهليين .

2. ما ورد في الشرع مما يخالف أهل الجاهلية .

3.ما يوجد في هذا الشهر من البدع والاعتقادات الفاسدة

4.ما حدث في هذا الشهر من غزوات وأحداث مهمة في زمن النّبوّة

5.ما ورد من أحاديث مكذوبة في صفر

 

 (1) ما ورد فيه عند العرب الجاهليين :

كان لهم في شهر صفر منكران :

 الأول : التلاعب فيه تقديما وتأخيرا ، والثاني : التشاؤم منه .

1. من المعلوم أن الله تعالى خلق السنة وعدة شهورها اثنا عشر شهراً ، وقد جعل الله تعالى منها أربعةً حرم ، حرَّم فيها القتال تعظيماً لشأنها ، وهذه الأشهر هي : ذو القعدة ، ذو الحجة ، محرم ، ورجب

وقد علم المشركون ذلك ، لكنهم كانوا يؤخرون فيها ويقدمون ، ومن ذلك : أنهم جعلوا شهر " صفر " بدلاً من " المحرَّم " !وكانوا يعتقدون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور ، :

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ، ويجعلون المحرَّم صفراً ، ويقولون : إذا برأ الدَّبر ، وعفا الأثر ، وانسلخ صفر : حلَّت العمرة لمن اعتمر .رواه البخاري ( 1489 ) ومسلم ( 1240 ) .

 وأمّا التشاؤم من شهر صفر فقد كان مشهوراً عند أهل الجاهلية ولا زالت بقاياه في بعض من ينتسب للإسلام .

عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا عدوى ولا طيرة ولا هامَة ولا صَفَر وفر من المجذوم كما تفر من الأسد " .رواه البخاري ( 5387 ) ومسلم ( 2220 ) .

 قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

و " صفر " فُسِّر بتفاسير :

الأول : أنه شهر صفر المعروف ، والعرب يتشاءمون به .

الثاني : أنه داء في البطن يصيب البعير ، وينتقل من بعير إلى آخر ، فيكون عطفه على العدوى من باب عطف الخاص على العام .

الثالث : صفر : شهر صفر ، والمراد به النسيء الذي يُضل به الذين كفروا ، فيؤخرون تحريم شهر المحرم إلى صفر ، يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً .

وأرجحها : أن المراد : شهر صفر ، حيث كانوا يتشاءمون به في الجاهلية .

والأزمنة لا دخل لها في التأثير وفي تقدير الله عز وجل ، فهو كغيره من الأزمنة يُقدَّر فيه الخير والشر .

وبعض الناس إذا انتهى من عمل معين في اليوم الخامس والعشرين - مثلاً - من صفر أرَّخ ذلك وقال : انتهى في الخامس والعشرين من شهر صفر الخير ، فهذا من باب مداواة البدعة بالبدعة ، فهو ليس شهر خير ولا شر ؛ ولهذا أنكر بعض السلف على من إذا سمع البومة تنعق قال : " خيراً إن شاء الله " ، فلا يقال خير ولا شر ، بل هي تنعق كبقية الطيور .

فهذه الأربعة التي نفاها الرسول صلى الله عليه وسلم تدل على وجوب التوكل على الله وصدق العزيمة وألا يضعف الملم أمام هذه الأمور .

وإذا ألقى المسلم بالَه لهذه الأمور فلا يخلو من حالين :

الأولى : إما أن يستجيب لها بأن يقدم أو يحجم ، فيكون حينئذٍ قد علَّق أفعاله بما لا حقيقة له .

الثانية : أن لا يستجيب بأن يقدم ولا يبالي ، لكن يبقى في نفسه نوع من الهم أو الغم ، وهذا وإن كان أهون من الأول لكن يجب أن لا يستجيب لداعي هذه الأمور مطلقاً ، وأن يكون معتمداً على الله عز وجل …

والنفي في هذه الأمور الأربعة ليس نفياً للوجود ؛ لأنها موجودة ، ولكنه نفي للتأثير ، فالمؤثر هو الله ، فما كان سبباً معلوماً فهو سبب صحيح ، وما كان سبباً موهوماً فهو سبب باطل ، ويكون نفياً لتأثيره بنفسه ولسببيته …

" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 2 / 113 ، 115 ) .

 

(2)أمّا ما ورد في الشرع مما يخالف أهل الجاهلية  ففي حديث أبي هريرة في الصحيحين وقد سبق ذكره بيان أن اعتقاد أهل الجاهلية في صفر مذموم ، فهو شهر من شهور الله لا إرادة له إنما يمضي بتسخير الله له .

 

(3) ما يوجد في هذا الشهر من البدع والاعتقادات الفاسدة :.

1. سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء والدعوة :إن بعض العلماء في بلادنا يزعمون أن في دين الإسلام نافلة يصليها يوم الأربعاء آخر شهر صفر وقت صلاة الضحى أربع ركعات ، بتسليمة واحدة تقرأ في كل ركعة : فاتحة الكتاب وسورة الكوثر سبع عشرة مرة ، وسورة الإخلاص خمسين مرة ، والمعوذتين مرة مرة ، تفعل ذلك في كل ركعة ، وتسلم ، وحين تسلم تشرع في قراءة الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون ثلاثمائة وستين مرة ، وجوهر الكمال ثلاث مرات ، واختتم بسبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين .

وتصدَّق بشيء من الخبز إلى الفقراء ، وخاصية هذه الآية لدفع البلاء الذي ينزل في الأربعاء الأخير من شهر صفر .

وقولهم إنه ينزل في كل سنة ثلاثمائة وعشرون ألفاً من البليَّات ، وكل ذلك يوم الأربعاء الأخير من شهر صفر ، فيكون ذلك اليوم أصعب الأيام في السنة كلها ، فمن صلَّى هذه الصلاة بالكيفيَّة المذكورة : حفظه الله بكرمه من جميع البلايا التي تنزل في ذلك اليوم ، ولم يحسم حوله لتكون محواً يشرب منه من لا يقدر على أداء الكيفية كالصبيان ، وهل هذا هو الحل ؟

فأجاب علماء اللجنة :الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه ، وبعد :هذه النافلة المذكورة في السؤال لا نعلم لها أصلاً من الكتاب ولا من السنَّة ، ولم يثبت لدينا أنَّ أحداً من سلف هذه الأمَّة وصالحي خلفها عمل بهذه النافلة ، بل هي بدعة منكرة .

وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " وقال : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " .

ومن نسب هذه الصلاة وما ذُكر معها إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى أحدٍ من الصحابة رضي الله عنهم : فقد أعظم الفرية ، وعليه من الله ما يستحق من عقوبة الكذَّابين .

" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 2 / 354 ) .

وقال الشيخ محمد عبد السلام الشقيري رحمه الله : قد اعتاد الجهلاء أن يكتبوا آيات السلام كـ " سلام على نوح في العالمين " إلخ  في آخر أربعاء من شهر صفر ثم يضعونها في الأواني ويشربون ويتبركون بها ويتهادونها لاعتقادهم أن هذا يُذهب الشرور ، وهذا اعتقاد فاسد ، وتشاؤم مذموم ، وابتداع قبيح يجب أن يُنكره كل من يراه على فاعله *)

السنن والمبتدعات ( ص 111 )

 

(4) ما حدث في هذا الشهر من غزوات وأحداث مهمة وهي كثيرة ، ويمكن اختيار بعضها :

1. قال ابن القيم رحمه الله:

(ثم غزا بنفسه غزوة " الأبواء " ويقال لها " ودَّان " ، وهي أول غزوة غزاها بنفسه ، وكانت في   صفر على رأس اثني عشر شهراً من مهاجره ، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب وكان أبيض ، واستخلف على المدينة سعد بن عبادة ، وخرج في المهاجرين خاصة يعترض عيراً لقريش ، فلم يلق كيداً ).

وفي هذه الغزوة وادع مخشيَّ بن عمرو الضمري وكان سيد بني ضمرة في زمانه على ألا يغزو بني ضمرة ولا يغزوه ، ولا أن يكثِّروا عليه جمعاً ولا يعينوا عليه عدوا وكتب بينه وبينهم كتابا وكانت غيبته خمس عشرة ليلة .

" زاد المعاد " ( 3 / 164 ، 165 ) .

وقال رحمه الله :( فلما كان صفر - ( سنة ثلاث من الهجرة ) -  قدم عليه قوم من " عَضَل " و " القارة " ، وذكروا أن فيهم إسلاما ، وسألوه أن يبعث معهم من يعلِّمهم الدين ، ويقرؤهم القرآن ، فبعث معهم ستة نفر - في قول ابن إسحاق ، وقال البخاري : كانوا عشرة - وأمَّر عليهم مرثد بن أبي مرثد الغنوي ، وفيهم خبيب بن عدي ، فذهبوا معهم ، فلما كانوا بالرجيع - وهو ماء لهذيل بناحية الحجاز - غدروا بهم واستصرخوا عليهم هذيلا فجاؤوا حتى أحاطوا بهم فقتلوا عامتهم واستأسروا خبيب بن عدي وزيد بن الدَّثِنة ، فذهبوا بهما وباعوهما بمكة وكانا قَتلا من رؤوسهم يوم بدر *).

" زاد المعاد " ( 3 / 244 ) .

 

(5) ما وردفي الأحاديث المكذوبة في شهر صفر :

قال الإمام ابن القيم رحمه الله:

(فصل أحاديث التواريخ المستقبلة :  

ومنها : أن يكون في الحديث تاريخ كذا وكذا  ، مثل قوله : إذا كانت سنة كذا وكذا وقع كيت وكيت ، وإذا كان شهر كذا وكذا وقع كيت وكيت  .

وكقول الكذاب الأشر : إذا انكسف القمر في المحرم : كان الغلاء والقتال وشغل السلطان ، وإذا انكسف في صفر : كان كذا وكذا واستمر الكذاب في الشهور كلها .وأحاديث هذا الباب كلها كذب مفترى ) " المنار المنيف " ( ص 64 ) .

 

والحمد لله رب العالمين