حكم هدية الموظف العام


نسخة (PDF)نسخة (PDF)
التصنيفات

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :

فمما لا شك فيه أن للهدية في حياة الأفراد والشعوب تأثيراً على الروابط والعلاقات الاجتماعية ، وأن مجالاتها تتكرر كل يوم في المناسبات الاجتماعية والدينية وغيرها .

* والهدية إما أن تكون :

1-   مسنونة مستحبة مندوباً إليها إذا كانت للصلة والمودة والمحبة .

2-   جائزة مشروعة وهي ما كان من باب المكافأة ورد الجميل .

3-   محرمة أو ذريعة إلى الحرام وهي ما كانت من باب الرشوة أو ما يأخذ حكمها .

* والهدايا أنواع كثيرة منها:

1-   هدية المحبة والمودة كهدية الوالدين وهدايا الخطوبة وغيرها .

2-   هدية للمكافأة عليها بمثلها أو أكثر منها .

3-   هدية على قضاء الحاجة أي على الشفاعة .

4-   هدية للانتفاع بالجاه من علم أو نسب أو حسب ، وهي شبيهة بالرشوة .

5-   هدية لنيل حق أو دفع ظلم ، فهي حلال من جهة المُهدي حرام على القابل أن يقبل .

6-   هدية لإحقاق باطل أو إبطال حق ، وهي الرشوة بعينها المحرمة باتفاق .

* والهدية بسبب المنصب والجاه أقسام منها:

1-   هدية القاضي ، وفيها فروع كثيرة في كتب الفقه ، ومنها الجائز ومنها الممنوع .

2- هدية الحاكم الأعلى ( الإمام ) ولم يختلف العلماء في تحريم قبوله للهدية ، كما قال ابن عابدين إلا مع المكافأة عليها بمثلها وعلى ألا تقترن بطلب ولا يُقصد بها تسهيل مهمة أو ضرر بالغير .

3- هدية مفوض الحاكم ( الأمير أو الوزير ) وهذه أيضاً لا تجوز مع التفصيل السابق . قال أحمد بن حنبل ( من ولي شيئاً من أمر السلطان لا أجيز له أن يقبل شيئاً ) ودليله حديث ابن اللتبية "" هلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أن يُهدى له أم لا "" متفق عليه

4-   هدية المفتي ، فإذا كانت للفتوى بالباطل أو أخذ الأجر عليها فهي حرام .

5-   هدية المدرس إذا كانت من التلاميذ لا تجوز إلا إذا كان يُدّرس لحسابه وليس من قبل الدولة .

6-   هدية الموظف العام ، وهذه تحتاج إلى تفصيل .

* هدية الموظف العام:

الموظف: هو كل من كُلف بمهمة أو خدمة عامة، وهو يشمل كل موظف أياً كانت صفته، ومهما كان عمله.

ويُعد في حكم الموظف العام:

* المستخدم في الحكومة أو المصالح التابعة لها أو الهيئات والمؤسسات العامة .

* كل شخص مكلف بمهمة لجهة حكومية أو أية سلطة إدارية أخرى .

* كل من تولى أمراً من أمور المسلمين أو شأناً من شؤونهم بتفويض من الإمام أو الولي .

* أرباب الوظائف والمناصب العامة التي تخول لكل منهم القيام بعمل ما ، يستطيع من خلاله إلحاق نفع أو ضرر بغيره .

ويمكن أن يُطلق لفظ الموظف العام على العامل بالمصطلح الفقهي . وقد حرم الإسلام هدايا العمال ومن في حكمهم وسماها رشوة تارة ، وغلولاً تارة أخرى . ونطقت بذلك الأدلة الصحيحة .

* أدلة تحريم هدايا العمال ( الموظفين ) من الكتاب والسنة:

* قال تعالى)  ومن يغلل يأتِ بما غلّ يوم القيامة   ( آل عمران(161) قال ابن عطية ( توفى في القرن الخامس ) يغل : اللفظة بمعنى الخيانة في خفاء ، قال أبو علي :( تقول العرب : أغل الرجل يغل إغلالاً : إذا خان ولم يؤدِ الأمانة ، ومنها الغلول في المغانم ) ثم قال أيضاً ( في الآية وعيد لمن يغل من الغنيمة أو في زكاته فيجحدها ويمسكها ، فالفضيحة يوم القيامة بأن يأتي على رؤوس الأشهاد بالشيء الذي غل في الدنيا ) وفي حديث ابن اللتبية الآتي "" فهلا جلس في بيته فينظر أيهُدى له أم لا ؟ والذي نفسي بيده  لا يأخذ أحد منكم شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته إن كان بعيراً أو …… "" متفق عليه خ(2597) م(1832)

* في الصحيحين عن أبي حميد الساعدي قال ( استعمل رسول الله رجلاً على صدقات بني سليم ، يُدعى ابن اللتبية ، فلما جاء حاسبه ، قال : هذا ما لكم وهذا هدية ، فقال رسول الله "" فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقاً "" ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال "" أما بعد : فإني استعمل الرجل منكم على العمل ما ولاني الله ، فيأتي فيقول : هذا لكم وهذا هدية أُهديت لي ، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته ، والله لا يأخذ منكم شيئاً بغير حق إلا لقي الله يحمله يوم القيامة "" فتح الباري (12/348) والحديث دليل على أن العامل ( الموظف ) إذا أُهدي إليه هدية فلا ينبغي أن يقبل وإذا قبل لا تختص به ، بل تكون لبيت المال لأن قوته ونصرته بالمسلمين لا بنفسه فكانت بمنزلة الغنيمة التي توضع في بيت المال .

قال ابن بطال ( دل الحديث على أن الهدية للعامل تكون لشكر معروفه أو للتحبب إليه أو للطمع في وضعه من الحق . فأشار النبي إلى أنه فيما يهدى له من ذلك كأحد المسلمين لا فضل له عليهم فيه انه لا يجوز الاستئثار به ) فتح الباري (12/349) وفي الحديث أن كون الهدية منوطة مرتبطة بالعمل بحيث لو تجرد منه ما جاءته هذه الهدية كما يشير إلى هذا قوله صلى الله عليه وسلم ( أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته ) ولذا حرم أخذها وحلت عقوبتها في الآخرة . وفي هذا الحديث بيان أن هدايا العمال حرام وغلول لأنه خان في أمانته .

* ومن أدلة تحريم الهدايا على العمال ( الموظفين ) ما رواه أبو حميد الساعدي أن رسول الله قال "" هدايا العمال غلول "" أحمد والبيهقي ـ صحيح الجامع الصغير (6898) ومعنى الحديث أن الهدايا التي يأخذها العمال ( الموظفين ) خيانة للأمانة وقال تعالى ) ومن يغلل يأتِ بما غلّ يوم القيامة   (آل عمران(161)

* وعن سليمان بن يسار أن رسول الله كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر ، فيخرص بينه وبين يهود خيبر ، قال : فجمعوا له حلياً من حلى نسائهم فقالوا : هذا لك وخفف عنا وتجاوز في القسم ، فقال عبد الله بن رواحة : يا معشر اليهود : أما ما عرضتم من الرشوة فإنها سحت وإنا لا نأكلها ) رواه مالك في الموطأ ـ جامع الأصول رقم (2701)

*فالهدية أثناء العمل وبسببه ليست حلالاً وحبسها غلول وخيانة . قال ابن تيمية ( وما أخذ ولاة الأمور وغيرهم من مال المسلمين بغير حق فولي الأمر العادل استخراجه منهم كالهدايا التي يأخذها بسبب العمل لحديث "" هدايا العمال غلول أي خيانة "" السياسة الشرعية صـ49

والخلاصــــة :

صلي الله عليه وسلمأن هدية العامل ( الموظف ومن في حكمه ) محرمة كما دل على ذلك الكتاب والسنة والآثار .

*كل هدية كانت بسبب الوظيفة بحيث لو تجرد الموظف من وظيفته ما أُهدي إليه ، فهي رشوة لا تجوز ولو كانت دعوة على طعام أو تملقاً ونفاقاً له .

*إذا أُهدي للموظف هدية فلا ينبغي أن يقبلها ، فإن كان المهدي يتأذى بالرد يقبل الهدية ويعطيه مثل قيمتها، وكذلك لو ترتب على رجوعها ضرر أكبر فإنه يقبلها وتكون لبيت المال ، ولا يجوز له أن يستأثر بها لنفسه . قال النووي في المجموع ( وكل موضع قلنا لا يجوز له قبول الهدية فقبلها فإنه لا يملكها لانا حكمنا بتحريمها عليه ويردها إلى بيت المال وهو ظاهر المذهب )

*ان هدايا العمال غلول أي خيانة والذي يأخذ شيئاً يأت به يوم القيامة على رؤوس الأشهاد .

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .،،،

 

 


المراجــع :

*تفسير ابن عطية ـ آل عمران ، آية(161)

*صحيح البخاري مع فتح الباري ، المجلد(12/348)

*صحيح مسلم ، حديث(1832)

*إيضاح الأحكام لما يأخذه العمال والحكام ، لابن حجر الهيتمي(974)

*الهدية بين الحلال والحرام ـ د. أحمد الطويل